Friday 22 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
عمر العريني صندوق الاوزون  
تشرين الأول (أكتوبر) 2005 / عدد 91
عام 1923، كتب جبران خليل جبران، وهو أحد أشهر أبناء لبنان ومواطن عريق في العالم الروحي، في كتابه الملحمي "النبي": "إن الارض تقدّم لكم ثمارها، ولو عرفتم كيف تملأون أيديكم من خيراتها لما خبرتم طعم العوز في حياتكم. لأنكم بغير مبادلة عطايا الارض لن تجدوا وفراً من الرزق ولن يشبع جشعكم. لأن روح الأرض لا تنام بطمأنينة وسلام على فراش الريح قبل أن ينال الصغير فيكم كالكبير بينكم كل ما هو في حاجة إليه".
لا يمكن لحكمة هذه الكلمات وشموليتها أن تغيب عن أي شخص يسعى وراء عالم أفضل وأكثر أماناً لجميع سكانه، كما أنها لم تغب عن الحضارات القديمة التي عرفت التوازن الطبيعي وقدّست رموزه. إنه توازن عرف خللاً ملحوظاً في طبقة الأوزون، التي تشكّل حاجباً واقياً رقيقاً من 20 إلى 40 كيلومتراً فوق سطح الارض، لحماية أشكال الحياة كلها من أشعة الشمس فوق البنفسجية. وهي أشعة مؤذية تتسبب بسرطان الجلد وإعتام عدسة العين وتضعف نظام المناعة البشرية وتلحق الأضرار بالمحاصيل وأنظمة البيئة الطبيعية.
بعد مرور نصف قرن على تلك الكلمات التي كتبها جبران، ومثل صدى لها، نشر ماريو مولينا وشيروود رولاند بحثهما الرائد عن استنفاد طبقة الاوزون بسبب مجموعة من المواد الكيميائية التي تُستعمل بشكل كبير في صناعات أساسية عدة في كل بلد في العالم تقريباً. حصل ذلك عام 1974. ففي تلك السنة بدأت ملحمة الاوزون، وهي ما زالت مستمرة.
وفي استجابة فورية ندر أن يقوم بها النظام الدولي، بذل برنامج الامم المتحدة للبيئة برئاسة الدكتور مصطفى طلبه جهوداً دولية مركّزة ومستمرة لحماية طبقة الاوزون. لقد ألّف مجموعة متماسكة من العلماء ورجال الصناعة وواضعي السياسات من مختلف البلدان والمنظمات الدولية، وقاد تلك المجموعة في مهمة شبه مقدسة لحماية طبقة الاوزون. كانت مهمة حرجة، وانعكست أهميتها في التصريح الذي ألقاه عام 1985: "إن كان هناك من مشكلة بيئية لا يجوز فيها أن يأتي الرد متأخراً، فهي مشكلة الضرر المحيق بطبقة الاوزون. يكفي أننا نواجه صعوبة جمة في معالجة مشكلات انقراض أجناس حيوانية ونضوب مياه بحيرة أو تصحر أرض خصبة. ولكن في مشكلة استنفاد طبقة الاوزون، فمن قد يسامحنا إن أتى تصرفنا متأخراً؟"
إنّ اكتشاف وجود ثقب كبير في طبقة الاوزون فوق القطب الجنوبي عام 1985 أثبت ضرورة المضي في تلك الجهود التي بلغت ذروتها في "اتفاقية فيينا لحماية طبقة الاوزون" عام 1985، و"بروتوكول مونتريال بشأن المواد المستنفدة لطبقة الاوزون" عام 1987، وتأسيس "الصندوق المتعدد الاطراف لتنفيذ بروتوكول مونتريال" عام 1990. وفي أيلول (سبتمبر) 2005 احتفل العالم بالذكرى العشرين لـ"اتفاقية فيينا" وبالذكرى الخامسة عشرة لـ"بروتوكول مونتريال"، كما احتفل منذ عشر سنوات بحصول كروتزون ومولينا ورولاند على جائزة نوبل في الكيمياء.
حتى يومنا هذا، وباستثناء ستة بلدان، كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أطراف في "بروتوكول مونتريال"، بما في ذلك 150 بلداً نامياً. ويصوغ البروتوكول المرحلة المحددة للحد من انتاج واستهلاك المواد الكيميائية المعروفة التي تتسبب باستنفاد طبقة الاوزون، بالاضافة إلى التوقف عن استهلاكها، وفقاً لجداول زمنية محددة مع منح الدول النامية مهلة عشر سنوات للبدء في تنفيذ البروتوكول. إن حجم هذه المهمة وصعوبتها من حيث التخطيط والمهارات والتنفيذ يتضح في عشرات الآلاف من المشاريع في قطاعات صناعية مختلفة في كل بلد تقريباً. فهي قطاعات يتعين عليها أن تقبل وتستعمل تكنولوجيات جديدة من دون الاخلال بعملها. وبما أن الدول النامية تنقصها الموارد الضرورية للحصول على التكنولوجيات الجديدة وتطبيقها، تم تأسيس الصندوق المتعدد الاطراف لسد الثغرة من خلال تقديم دعم مالي لبرامج نقل التكنولوجيا الحديثة للاستغناء عن المواد المستنفدة لطبقة الاوزون.
التخطيط والتمويل والتنفيذ
يعمل الصندوق تحت سلطة الاطراف التي تقرر جميع سياساته ومستوى تمويله. أما مسؤولية الاشراف على عمليات الصندوق فتقع على عاتق لجنة تنفيذية تدعمها الامانة العامة للصندوق. وتقوم أربع وكالات بتنفيذ المشاريع التي يدعمها، وهي: برنامج الامم المتحدة الانمائي، برنامج الامم المتحدة للبيئة، برنامج الامم المتحدة للتنمية الصناعية، والبنك الدولي، بالاضافة إلى عدد من الوكالات من الدول الصناعية.
وأُوجدت اللجنة التنفيذية للاشراف على تنفيذ سياسات عمل محددة وتوجيهات وتدابير إدارية، بما في ذلك توزيع الموارد بهدف تحقيق أهداف الصندوق المتعدد الاطراف. وهي تتألف من 14 عضواً، سبعة أعضاء من دول نامية وسبعة أعضاء من دول صناعية. وتجتمع اللجنة ثلاث مرات في السنة وتتخذ قراراتها بالاجماع.
وتتولى أمانة الصندوق مساعدة اللجنة التنفيذية في تنفيذ وظائفها. مقر الامانة العامة في مونتريال في كندا، وتتألف من فريق عمل محترف دولي يساعده فريق من موظفين محليين، ويترأسها الرئيس التنفيذي للصندوق. ومن صلاحيات الأمانة: تطوير خطة الثلاث سنوات والميزانية ونظام توزيع الاموال، إدارة دورة مخطط عمل الصندوق، الاشراف على نفقات وكالات التنفيذ ونشاطاتها، إعداد أوراق سياسة الصندوق ووثائق أخرى، مراجعة المشاريع التي تقدمها وكالات التنفيذ وتقييمها، صلة وصل بين اللجنة التنفيذية والحكومات ووكالات التنفيذ، إعداد اجتماعات اللجنة التنفيذية. كما تتولى الامانة الاشراف على وظيفة الصندوق وتقييمها.
تُحدد أدوار وكالات التنفيذ في الاتفاقات الفردية المبرمة بين اللجنة التنفيذية وكل منها. عموماً، برنامج الأمم المتحدة الانمائي ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية والبنك الدولي هي الأطراف المسؤولة عن اعداد المشاريع الاستثمارية وتنفيذها، فيما ينصبّ الدافع الأساسي وراء أنشطة برنامج الأمم المتحدة للبيئة على نشر المعلومات وبناء القدرات والتعزيز المؤسساتي وإقامة الشبكات ومساعدة الدول ذات الاستهلاك الصغير. وترتكز أنشطة الوكالات على خطط عملها السنوية التي تضم أهدافاً محددة لكل سنة. والمشاريع التي تقدمها الوكالات تخضع لمراجعة أمانة الصندوق للتأكد من تطابقها مع معايير الأهلية، ثم تُرسل الى اللجنة التنفيذية للموافقة.
يُحدد مستوى المساهمات المطلوبة من كل طرف عبر اجتماع الاطراف بما يتوافق مع مقياس التقييم المعتمد في الامم المتحدة. ومنذ إنشاء الصندوق، أعيد تجديد موارده خمس مرات لثلاث سنوات كل مرة. وتبلغ قيمة الموارد المجددة منذ 1991 وحتى 2005 نحو 2046 مليار دولار أميركي، تمّ دفع 90 في المئة منها، وتجري الآن مفاوضات حول تجديد الموارد للفترة الممتدة بين العامين 2006 و2008. وفي شهر تموز (يوليو) 2005، بلغ الدخل الاجمالي للصندوق المتعدد الاطراف 1971 ملياراً و971 مليون دولار أميركي.
نظام العمل
بدأ الصندوق المتعدد الأطراف العمل من الصفر تقريباً. فلم يكن أول آلية تمويل من نوعها فحسب، بل إن النقاط العملية للمهمة المنتظرة لم تكن محددة جيداً. وتمّ تكريس معظم عمل اللجنة التنفيذية في بدايتها لتطوير التوجيهات العامة حول التكاليف الإضافية وأهلية المشاريع. وقد شهدت المرحلة الأولى وضع إجراءات العمل الأساسية للصندوق.
عرفت تلك المرحلة ايضاً إطلاق عملية اعداد البرامج القطرية التي تهدف الى تقييم استهلاك المواد المحظورة وتوزيعها ضمن القطاعات داخل البلدان، وتحديد استراتيجية وخطة عمل لتطبيق البروتوكول، وتقديم جدول زمني لكل نشاط، إضافة الى برنامج الميزانية والتمويل. ويقضي الهدف بأن يكون البرنامج القطري مرناً في تحديد عمل الدولة للإيفاء بمتطلبات بروتوكول مونتريال.
على رغم أن التعزيز المؤسساتي ليس مذكوراً بوضوح في اللائحة الدلالية لفئات التكاليف الاضافية التي وافقت عليها الأطراف، فقد أقرت اللجنة التنفيذية بأنه عنصر ضروري لتحقيق أهداف الصندوق. والغاية منه تأمين الموارد اللازمة لتمكين بلد ما من وضع التدابير المؤسساتية بغية التوصل الى التطبيق السريع للمشاريع وضمان الصلة الفاعلة باللجنة التنفيذية وأمانة الصندوق ووكالات التنفيذ.
مع مرور الوقت، نضج عمل الصندوق واتضحت بشكل أكبر الحاجة الى ربط أنشطته الى درجة أوثق بالتزامات الأطراف بموجب البروتوكول. بالتالي، أصبح التخطيط الاستراتيجي موجهاً بشكل أكبر الى جعل الدول النامية المحرك الاساسي للإيفاء بموجباتها. في هذا الاطار، طلبت اللجنة التنفيذية من وكالات التنفيذ جميعها التأكد من أن جميع المشاريع المقترحة ترتكز على التخطيط الاستراتيجي الراهن للدولة المعنية، للحرص على إشراك "وحدة الأوزون الوطنية" في تخطيط المشاريع والتحضير لها إشراكاً كاملاً.
نجاح متعدد الجبهات
قد يكون الانجاز الابرز للصندوق المتعدد الاطراف لتنفيذ بروتوكول مونتريال متمثلاًبتسريع عجلة التخلص التدريجيمن المواد المستنفدة للأوزون في الدول النامية. إلا أن الانجاز الأقل بروزاً، مع أنه قد يوازي الأول أهمية على المدى الطويل، فهو نقل التكنولوجيا بنجاح الى الدول النامية. فعبر مشاريع الاستثمار، نُقلت كل التكنولوجيات الجديدة المتعلقة بالمواد البديلة المحافظة على طبقة الاوزون. وسدد الصندوق المتعدد الأطراف تكاليف شهادات البراءة ورسوم الترخيص التكنولوجي وتصميم التكنولوجيات الجديدة واختبارها وعرضها. وقد أتاح هذا الأمر لبعض الدول النامية فرصة القفز فوق الخيارات الموقتة.
التدابير المؤسساتية لدرس المشاريع سمحت للصندوق بالعمل بطريقة فاعلة للغاية. ففي العديد من المشاريع المنجزة، ثبُت توفير بعض المبالغ من الاموال المتفق عليها، وهي كانت في الاساس أدنى بكثير من التكاليف المقدّمة من وكالات التنفيذ في المقام الأول.
بناء القدرات والتعزيز المؤسساتي مجالان آخران أُحرز فيهما تقدّم ملحوظ نتيجة لعمل الصندوق. وتُطبق مشاريع التعزيز المؤسساتي في نحو 137 دولة بتمويل من الصندوق، وتتضمن بشكل عام إنشاء "وحدة أوزون وطنية" داخل البلاد وضمان استمراريتها. ويؤمن الصندوق الموارد للعديد من أنشطة إقامة الشبكات، بما في ذلك ورش العمل الإقليمية. ونتيجة لانشطة بناء القدرات التي يتم الاضطلاع بها بدعم من الصندوق، فان غالبية البلدان المتوسطة والكبيرة الاستهلاك تطبق الآن مشاريعها مستعينة بالخبراء الوطنيين.
حتى الآن، دعم الصندوق أكثر من 5000 مشروع في الدول النامية، وأنفق 1,9 مليار دولار أميركي على تطبيق هذه المشاريع، مما أدى بغالبية الدول النامية الى ايفاء موجباتها وفقاً لبروتوكول مونتريال.
فلتهنأ روح الأرض المميزة، ولتنم بسلام على فراش الريح تحت غطاء طبقة الاوزون السليمة والمعافاة.
الدكتور عمر العريني هو الرئيس الفخري للصندوق المتعدد الأطراف لتنفيذ بروتوكول مونتريال 
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
وحيد مفضّل بحيـرات مصر الى انـقـراض
الرياض - «البيئة والتنمية» عمارة خضراء في الرياض
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.