في أول إعلان جامع يصدره وزراء البيئة منذ عقد من الزمن، تعهدت الحكومات بمضاعفة الاستجابة العالمية للتحديات الرئيسية للبيئة والاستدامة التي يواجهها الجيل الحالي. وقد تم الاتفاق عليه في ختام الاجتماع الخاص الحادي عشر لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة ''يونيب'' والمنتدى البيئي الوزاري العالمي الذي عقد في جزيرة بالي الاندونيسية من 24 الى 26 شباط (فبراير) 2010.
شدد ''إعلان نوسا دوا'' على الأهمية الحيوية للتنوع البيولوجي، والحاجة الملحة الى مكافحة تغير المناخ والعمل لتحقيق نتيجة جيدة بهذا الصدد في مؤتمر المكسيك لاحقاً هذه السنة، والفرص الرئيسية التي يتيحها تسريع التحول الى اقتصاد أخضر منخفض الكربون ومقتصد باستهلاك الموارد. كما أكد الحاجة الى تحسين الادارة الشاملة للبيئة العالمية، موافقاً على أن ''هندسة الحوكمة'' أصبحت مجزأة وكثيرة التعقيد.
وأُحرزت خطوة مهمة في مجالات المواد الكيميائية والنفايات الخطرة والصحة البشرية. فوافقت الحكومات في اجتماع استثنائي على القيام بمزيد من العمل التعاوني بموجب الاتفاقيات الثلاث ذات الصلة، وهي اتفاقيات بازل وروتردام واستوكهولم، كخطوة أولى لتعزيز الالتزام بها داخل البلدان.
وقال أخيم شتاينر، المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة: ''الوزراء المسؤولون عن شؤون البيئة، الذين اجتمعوا بعد نحو شهر من مؤتمر تغير المناخ في كوبنهاغن، تكلموا بصوت واضح وموحد وغير ملتبس. في مواجهة التآكل المستمر للبيئة الطبيعية، والتحديات الدائمة والناشئة للتلوث الكيميائي والنفايات، والتحدي المهيمن لقضايا مثل تغير المناخ، لم يعد الوضع الراهن خياراً والتغيير مطلوب بإلحاح''. وأشار الى أن "الوزراء أدركوا أيضاً أن العمل من أجل اقتصاد أخضر أخذ يتجذر في اقتصادات عبر العالم. وتسريع هذا العمل هو عنصر رئيسي في إعلان نوسا دوا، ومن شأنه أن يوجه العمل في المستقبل من أجل تحقيق التحولات المطلوبة على كوكب يزيد عدد سكانه على ستة بلايين نسمة، مرتفعاً الى تسعة بلايين بحلول سنة 2050".
هذا الاعلان هو الأول الذي يصدر عن وزراء البيئة في العالم منذ اجتمعوا في مالمو بالسويد عام 2000، وسوف يرفع الى الجمعية العمومية للأمم المتحدة في وقت لاحق من هذه السنة. وستبدأ الحكومات التحضير لمؤتمر "ريو +20" في البرازيل سنة 2012، بعد عقدين على انعقاد قمة الأرض الأولى في ريو دي جانيرو التي أنتجت كثيراً من الاتفاقيات الدولية حول قضايا تتراوح من تغير المناخ الى التنوع البيولوجي.
الاقتصاد الأخضر
قدمت الى المندوبين المشاركين في اجتماع بالي دراسات حالة تلقي الضوء على الفوائد المتعددة للاقتصاد الأخضر، وذلك استباقاً لتقرير مهم عن الاقتصاد الأخضر سيتم اطلاقه لاحقاً هذه السنة. وهنا بعض الانجازات البيئية التي حققتها بعض الدول:
أوغندا: ازدادت مساحة الأراضي التي تخضع للزراعة العضوية من 185 ألف هكتار عام 2004 الى قرابة 300 ألف هكتار عام 2008، مع ارتفاع بنسبة 360 في المئة في عدد المزارعين العاملين في هذا القطاع من 45 ألف مزارع مرخص له الى 207 آلاف. وازدادت الصادرات العضوية المرخصة من 3,7 مليون دولار خلال الفترة 2003 ـ 2004 الى 22,8 مليون دولار خلال الفترة 2007 ـ 2008. وتساهم أوغندا أيضاً في مكافحة تغير المناخ، اذ تقل انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون في الهكتار المزروع عضوياً بنحو 68 في المئة عما هي في الأراضي المزروعة تقليدياً، وتشير دراسات الى أن الحقول العضوية تحتجز كمية من الكربون أكبر بنحو 3 الى 8 أطنان في الهكتار.
الصين: يعتمد أكثر من 10 في المئة من المنازل الصينية على الشمس لتسخين الماء، وقد تم تركيب أكثر من 40 مليون جهاز لتسخين الماء بالطاقة الشمسية. ويولد قطاع الطاقة المتجددة في الصين مردوداً بقيمة 17 بليون دولار، ويشغل مليون عامل، منهم 600 ألف يعملون في صنع وتركيب اللاقطات الحرارية الشمسية. وبفضل المياه المسخنة شمسياً، انخفضت حالات التهاب المفاصل الرثياني لدى النساء بسبب حصولهن على المياه الساخنة اللازمة لغسل الملابس والصحون يدوياً، بدل المياه الباردة فقط.
البرازيل: استطاعت مدينة كوريتيبا، من خلال التخطيط المدني والنقل المستدام، تخفيض الخسارة الفردية الناتجة من الازدحام الشديد، فباتت أقل 6,7 أضعاف عن الخسارة الفردية في مدينة ريو دي جانيرو، وأقل 11 ضعفاً مما في ساو باولو. ويقل المعدل الفردي لاستعمال الوقود في كوريتيبا 30 في المئة عما هو في بقية المدن الكبرى في البرازيل.
قرارات أخرى: من الكربون الأزرق الى غزة
خاطب المندوبين الدكتور راجيندرا باشاوري رئيس الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، التي استضافها ''يونيب'' ومنظمة الأرصاد العالمية. وقد أكد الوزراء الأهمية المركزية للهيئة، وأهمية العلوم الصحيحة التي يجب أن تبنى عليها الاستجابة لتغير المناخ. ولكن نتيجة انتقادات حديثة للهيئة وبعض الأخطاء الرئيسية في تقريرها التقييمي الرابع، دعت حكومات عدة الى اعادة نظر مستقلة في الهيئة، على أن يرفع تقرير بنتائج اعادة النظر الى الاجتماع الذي ستعقده الهيئة في جمهورية كوريا في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل. واتخذت عدة قرارات رئيسية، بينها قرارات حول المحيطات تقدمت بها حكومة إندونيسيا، وحول تقوية البيئة من خلال مجموعة الادارة البيئية التي استضافها "يونيب".
ويعتقد كثير من الخبراء أن هناك ضرورة لقيام هيئة علمية للتنوع البيولوجي والنظم الايكولوجية، من أجل مساعدة الحكومات في مكافحة زوال النباتات والحيوانات وتدهور نظم ايكولوجية مثل الغابات والمياه العذبة. وقد وافقت الحكومات خلال اجتماع مجلس ادارة ''يونيب'' والمنتدى البيئي الوزاري العالمي على عقد اجتماع نهائي في حزيران (يونيو) المقبل، أي في منتصف السنة الدولية للتنوع البيولوجي التي أطلقتها الأمم المتحدة، لتقرر ما اذا كانت ستنشئ هذه الهيئة.
وقدم ''يونيب'' بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة (فاو) ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) مفهوم ''الكربون الأزرق'' الذي يبرز قدرة النظم الايكولوجية البحرية والساحلية على مكافحة تغير المناخ. وتهيمن على هذه النظم نباتات بحرية مثل غابات المنغروف (القرم) والأعشاب البحرية والمستنقعات المالحة وشبه المالحة. ويعتقد أن هذه الموائل قادرة على تكملة دور الغابات، التي دعيت ''الكربون الأخضر''، في امتصاص الانبعاثات الكربونية واحتجازها. وقال شتاينر: "نعلم أن النظم الايكولوجية البحرية والساحلية هي أصول ببلايين الدولارات ترتبط بقطاعات مثل السياحة والشحن البحري ومصايد الأسماك، وهي الآن تبرز كحليفة طبيعية ضد تغير المناخ".
وأيد المندوبون دعم ''يونيب'' لهايتي على أثر الزلزال المدمر في 12 كانون الثاني (يناير) 2010، وطلبوا منه مساعدة فريق العمل التابع للأمم المتحدة لادخال العناصر البيئية في مراحل اعادة التأهيل واعادة الاعمار والترميم.
كما طلب المندوبون من "يونيب" المساعدة في تنفيذ توصيات تقريره التقييمي للبيئة في قطاع غزة، الذي أعدّ على أثر تصاعد الأعمال العدائية من كانون الأول (ديسمبر) 2008 الى كانون الثاني (يناير) 2009. ويشمل التقرير قضايا مثل ادارة النفايات الصلبة، والتلوث، والتراجع الحاد في إمدادات المياه الجوفية في القطاع. ودعا إعلان نوسا دوا الحكومات وهيئات منظومة الأمم المتحدة والمؤسسات المالية الدولية الى تقديم الدعم والمساعدة المالية والتقنية واللوجستية لضمان نجاح عمل ''يونيب'' في قطاع غزة مستقبلاً.
كادر
عين على الأرض: قمة عالمية في أبوظبي
بناء على نجاح مبادرة أبوظبي العالمية للبيانات البيئية التي أطلقت في قمة جوهانسبورغ عام 2002، دعت أبوظبي الى قمة عالمية تحت شعار ''عين على الأرض'' لدفع هذا العمل الى الأمام. فخلال الاجتماع الخاص الحادي عشر لمجلس إدارة ''يونيب'' والمنتدى البيئي الوزاري العالمي في بالي، أعلن أمين عام هيئة البيئة ـ أبوظبي ماجد المنصوري أن الهيئة ستستضيف هذه القمة في أبوظبي في 15 ـ 17 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010. وهي ستنظم بالشراكة مع ''يونيب'' ووكالة البيئة الأوروبية وشركاء آخرين، وستجمع نخبة من صانعي السياسة والقرار واختصاصيين رفيعي المستوى من المجتمع الدولي والقطاعات الحكومية وغير الحكومية، من أجل الأهداف الآتية:
تقوية ومؤازرة وتحديد العملية الدولية الساعية الى توفير معلومات وبيانات عالية الجودة ومتواصلة لصنع القرار في برنامج مشترك.
تدعيم السياسات المتعددة الأطراف والترتيبات المؤسساتية للربط بين نظم وشبكات المعلومات البيئية.
دعم التعاون التقني لتسريع إقامة بنية تحتية عالمية متكاملة للمعلومات البيئية.
تسريع برامج بناء القدرات والدعم التكنولوجي حول العالم لتضييق الفجوة بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية.
تأسيس صندوق عالمي لدعم البلدان النامية.
كادر
جائزة ساساكاوا: مشروعان لمحاربة تغير المناخ
فاز مشروعان أوصلا المواقد الخضراء والاضاءة النظيفة الى مجتمعات ناشئة في أميركا الجنوبية وشرق أفريقيا والهند، بجائزة ساساواكا 2009 ـ 2010 من برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
شركة ''نورو ديزاين'' حولت آلاف المنازل في قرى رواندا وكينيا والهند الى استعمال مصابيح يعاد شحنها، بهدف منع انبعاث نحو 40 ألف طن من ثاني أوكسيد الكربون من مصابيح الكاز سنة 2010.
أما منظمة ''الشجر والماء والناس'' فتتعاون مع جمعيات محلية لتوزيع مواقد طبخ تحرق حطباً أقل 50 في المئة من المواقد التقليدية، على مجتمعات في هندوراس وغواتيمالا والسلفادور ونيكاراغوا وهايتي. وهي توفر الكلفة على العائلات الفقيرة وتلغي 250 ألف طن من الانبعاثات الخطرة سنوياً.
الجائزة التي تبلغ قيمتها 200 ألف دولار تمنح كل سنة لمشاريع شعبية مستدامة وقابلة للتكرار في أنحاء العالم. وفي سنة شهدت اجتماع قادة العالم في مؤتمر كوبنهاغن لتغير المناخ، كان موضوع الجائزة "حلول خضراء لمحاربة تغير المناخ".