خمسون ألف سيارة في مصر، بين خاصة وأجرة وميكروباص وأوتوبيس، تم تحويل محركاتها من استخدام البنزين والسولار (الديزل أو المازوت) الى الغاز الطبيعي. والهدف تحسين هواء القاهرة ومدن المحافظات المصرية الـ26. وبذلك أصبحت مصر تحتل المرتبة السادسة عالمياً في استخدام الغاز الطبيعي وقوداً للسيارات.
وكانت الدراسات والأبحاث التي أجريت على نوعية هواء القاهرة أكدت أن الملوثات المنبعثة من عوادم السيارات باتت عالية الانفلات، وهي ملوثات شديدة الخطورة، ولا سيما الغازات الكربونية والكبريتية والنيتروجينية والرصاص والأوزون الارضي (الناتج عن تعرض هذه الغازات لحرارة الشمس). وقد أثرت الملوثات على صحة السكان، وضاعفت معدلات الاصابة بالامراض الصدرية والحساسية والربو والاورام، وأيام التغيب عن العمل، فضلاً عن والدعم الذي تدفعه الدولة للبنزين والسولار. فثمن ليتر البنزين يقل عن ثمن ليتر الماء المعبأ في زجاجات (ليتر البنزين ثمنه جنيه مصري أي 20 سنتاً، في حين ليتر الماء المعبأ ثمنه 1,5 جنيه أي 30 سنتاً). أضف الى ذلك ما تتكلفه خزانة الدولة من أدوية وعلاج للمرضى في المستشفيات.
معلوم أن كلفة تحويل محرك السيارة من البنزين أو السولار الى الغاز الطبيعي نحو 5000 جنيه مصري (1000 دولار). ولذلك أحجم كثيرون من أصحاب السيارات عن التحويل، علماً أن في مصر نحو 2,5 مليون سيارة وفي القاهرة وحدها 1,5 مليون سيارة. وكان قانون البيئة لسنة 1994 أشار في أحد بنوده الى توفير الحوافز لمن يسعى الى خفض التلوث بأي صورة من الصور. ولكن لحظ الجهاز التنفيذي القانون ولم تنفذ هذه الفقرة.
السؤال: لماذا يلجأ السائقون الى تحويل مركباتهم من البنزين أو السولار الى الغاز الطبيعي؟ ان ثمن المتر المكعب من الغاز الطبيعي 45 قرشاً (الجنيه 100 قرش) بينما ثمن ليتر البنزين 100 قرش، علماً أن المتر المكعب من الغاز تقطع به المسافة ذاتها بليتر البنزين. أي أن سائق المركبة التي تسير بالغاز الطبيعي يوفر 50 في المئة من كلفة الوقود. من هنا خرجت آراء تطالب برفع ثمن المتر المكعب من الغاز الطبيعي خمسة أو عشرة قروش فقط لدعم تحويل محركات البنزين والسولار، وإلغاء رسوم الجمارك عن معدات التحويل الى الغاز الطبيعي، وخفض رسوم الجمارك على السيارات المستوردة العاملة بالغاز الطبيعي، وخفض رسوم التراخيص على السيارات التي تستخدمه.
ويتم اعداد خطة عاجلة لمضاعفة محطات التزود بالغاز الطبيعي، داخل المدن خارجها وعلى جميع الطرق الصحراوية والزراعية، بحيث تواكب الزيادة في أعداد السيارات التي تحول محركاتها. ويقول صاحب هذه الأفكار، الدكتور محمد الناظر مستشار وزارة البيئة، ان الأمر يحتاج الى حملة إعلامية تكشف فوائد استخدام الغاز الطبيعي سواء لصاحب السيارة أو للبيئة.
كادر
الدرجات النارية أيضاً برسم الغاز الطبيعي
الدراجة النارية وسيلة سهلة وسريعة لتلبية أعمال مختلفة، من توزيع الصحف والاشتراكات والبريد المستعجل الى ايصال الوجبات السريعة وطلبات المحلات التجارية. وهي أيضاً وسيلة رخيصة للمواصلات. هذه الدراجات النارية سريعة ومفيدة، خصوصاً في المدن المزدحمة. فهي تخترق طرقها بين السيارات، وتقفز فوق الأرصفة، وتعبر بسهولة في أكثر الشوارع ازدحاماً، وتسبق كل السيارات لتقف أمام إشارة المرور ـ هذا إذا وقفت ـ وتنطلق في أول الركب مخلفة وراءها شريطاً أسود من الدخان نتيجة احتراق البنزين مع الزيت.
تعاني من هذه المشكلة غالبية عواصم دول العالم الثالث. فأصحاب الدخول المحدودة يستخدمون الدراجة النارية لايصال أولادهم الى المدارس وانجاز الحاجيات الأساسية والذهاب الى العمل. لكنها تعتبر أحد أهم مصادر التلوث، اذ تصدر عنها الجسيمات والهيدروكربونات وأول أوكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين ونواتج احتراق الزيت التي تحتوي على بعض المركبات السامة الموجودة في الاضافات. والغريب أن الانبعاثات من الدراجة الواحدة ذات المحرك الثنائي الأشواط تعادل انبعاثات شاحنة أو حافلة تعمل بالسولار (الديزل). والهيدروكربونات المنبعثة منها تعادل انبعاثات عوادم 10 سيارات تعمل بالبنزين. أما انبعاثات الدراجة ذات المحرك الرباعي الأشواط فتعادل الانبعاثات الصادرة من محرك سيارة واحدة تعمل بالبنزين. والسبب وجود كمية كبيرة من الزيت غير المحترق في العادم.
في مصر، المشكلة كبيرة لأن الدراجات النارية تجري في الشوارع بكثافة طولاً وعرضاً، حيث ينبعث منها 700 ألف طن من الجسيمات و16 ألف طن من الهيدروكربونات و15 ألف طن من أول أوكسيد الكربون. لذلك فهي تمثل مشكلة بيئية لأنها عامل مساعد في تلوث الهواء. وزيادة انبعاثات الدراجات الثنائية الأشواط الشديدة التلويث جعل الحكومة تفكر جدياً في إلغائها.
ما هي المشكلة في الدراجة النارية؟ فهي لا تأخذ مساحة كبيرة في الطريق، وتؤدي خدمات مهمة في المدن المزدحمة. يقول الدكتور سمير موافي، خبير تلوث الهواء ومستشار مشروع تحسين هواء القاهرة، أن الدراجة النارية تستهلك الوقود بأسلوبين: إضافة الزيت، وعلى البنزين. وعندما يضاف الزيت الى الوقود يصدر عنه دخان وملوثات اضافية. واذا ضبطت نسبة خلط الزيت الى البنزين يمكن خفض التلوث 25 في المئة. ومن هنا فان الأمر يحتاج الى توعية السائقين، وتركيب "طلمبات" لمعايرة كميات الزيت، وتطوير المحرك بتحديث نظم الاشعال والتغذية بالوقود، وتشجيع المبادرات الجديدة مثل استخدام الغاز الطبيعي.
ولكن لهذه المشكلة بعد اقتصادي واجتماعي. لذا كان لا بد من عقد اجتماع تحضيري يحضره ممثلو اتحاد الصناعات واتحاد الغرف التجارية ووزارات البترول والداخلية والصناعة والاقتصاد. وقد أقر قانون البيئة في إحدى مواده بأهمية الحوافز لمن يسعى الى تخفيض نسبة التلوث في هواء القاهرة، بمعنى أن تساعد الدولة في دعم مشاريع من شأنها خفض حدة التلوث. واتفقت مصر مع كندا على تحويل محركات الدراجات النارية من البنزين الى الغاز الطبيعي. وفعلاً تم تصنيع هذه المحركات في كندا، وعرضت في معرض GLOBE الذي عقد في مدينة فانكوفر. وقد أثنى خبراء في المعرض على نجاح تحويل وقود الدراجات النارية الذي يتألف من زيت وبنزين مخلوط الى غاز طبيعي، مما يقلص نسبة التلوث كثيراً.
وفي واقع الأمر، ما دفع مصر للتفكير في هذا الأمر توافر الغاز الطبيعي الذي تنتجه، وضخامة المشكلة، حيث هناك 500 ألف دراجة نارية تجري في الشوارع المصرية، وفي مصر وفي القاهرة وحدها 170 ألفاً. وغالبية راكبيها لا يعلمون ما نسبة خلط الزيت الى البنزين، فاذا زادت كمية الزيت ظهرت عتامة شديدة في القياس.
الدراجة النارية وسيلة مناسبة للمواصلات وقضاء الخدمات في الطرقات المزدحمة. وكلفة تشغيلها رخيصة. ولكن كمية ملوثاتها خطيرة. وعسى أن ينجح مشروع تحويل معظم محركاتها للعمل بالغاز الطبيعي. بل لعل خلايا الهيدروجين التي يتم تطويرها حالياً تصبح في متناول أصحاب الدراجات النارية، فيقارب التلوث منها الصفر.