خبرات عربية ودولية لمساعدة البلدان النامية في تقييم واعادة تصميم خططها وسياساتها في مجال النقل،كانت مدار بحث في مؤتمر استضافته أبوظبي، بين 29 كانون الثاني (يناير) و2 شباط (فبراير) بالتزامن مع معرض البيئة 2005. وتضمنت الأوراق المطروحة حلولاً استراتيجية لصناع القرار العاملين في المؤسسات البيئية والبلديات وهيئات المياه والكهرباء وشركات البترول وشركات النقل، بالإضافة الى الهيئات المتخصصة بالتشريعات والاستشارات البيئية.
أكثر من 80 خبيراً من 27 دولة شاركوا في مؤتمر ''النقل المستدام في الدول النامية''، الذي نظمته المؤسسة العامة للمعارض وهيئة أبحاث البيئة والحياة الفطرية وتنميتها، تحت رعاية رئيس دولة الامارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان. وقال أمين عام الهيئة ماجد المنصوري ان التركيز على أهمية تنمية وسائل النقل الصديقة للبيئة وبيان صلتها الوثيقة باقتصاديات الدول ضروري للحفاظ على معدلات نمو مستدامة في كافة القطاعات الاقتصادية والاجتماعية.
سبقت المؤتمر خمس ورش عمل حول العلاقة الوثيقة بين النقل المستدام والاقتصاد والبيئة والمدن والمجتمع والصحة. وكانت التحديات التي تواجهها البلدان النامية في هذا المجال محور أوراق عرضت خبرات عربية وعالمية، بينها تجارب مصر وباكستان والصين وكينيا والهند. ومن المواضيع المطروحة تعزيز إمكانات التنقل للفقراء، واستخدام تكنولوجيا الاستشعار عن بعد في تخطيط أنظمة المواصلات وادارة نوعية الهواء، وتخفيف الأضرار الصحية الناتجة، وتعزيز السلامة على الطرق.
العلاقة بين النقل ومشاكل البيئة والصحة تناولتها عدة أوراق، بينها تقرير لمنظمة الصحة العالمية حول التأثيرات السلبية لسياسات النقل غيرالمستدام. وتنوعت الخبرات المقدمة من عرض لمساهمة حركة المرور في تلوث هواء أبوظبي، الى أنظمة ادارة السير في المدن والأرياف، الى مؤشرات التلوث والسلامة في الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة.
ومن التجارب المقدمة في ترويج النقل المستدام نموذج مدينة برلين الألمانية في التخطيط المبني على حاجات السكان، واستراتيجية ضبط الانبعاثات في القاهرة الكبرى، ودور الضرائب في ترويج أنواع الوقود الأنظف في دول الشرق الأقصى، والتقدم الحاصل في تكنولوجيا السيارات الكهربائية والهجينة وخلايا الوقود.
وشاركت في معرض البيئة 2005 أكثر من 320 شركة عالمية وعربية متخصصة، عرضت أحدث ما توصلت اليه تكنولوجيا إدارة الموارد الطبيعية والمنتجات والتقنيات البيئية الحديثة في مجال تقليل نسب تلوث الهواء والتربة، والانتاج الأنظف، والاستخدام الأكفأ للطاقة، وادارة المخلفات، ووسائل النقل الصديقة للبيئة.
الرسوم خاصة بـ"البيئة والتنمية"
من لوسيان دي غروت
وسائل الانتقال الـمستدامة حمدي أبو النجا
''وسائل الانتقال المستدامة'' تعبير جديد على اللغة العربية، وبالتالي على القراء العرب. لكنه متداول منذ عدة سنوات باللغات الأجنبية، ويتشابه في ذلك مع مصطلحات عديدة أخرى مثل ''التنمية المستدامة".
فما المقصود بهذا التعبير؟ من الممكن أن يكون: الانتقال بالوسائل التي تحافظ على سلامة البيئة ونظافتها من الملوثات. ويا حبذا لو تم ذلك الانتقال بأقل التكاليف، واعتماداً على القدمين اذا أمكن. بذلك فإن هذا التعريف يعني تحقيق الآتي: بيئة نظيفة، ترشيد في الاستهلاك، استخدام ناجح للموارد، إكساب المواطنين الصحة الجيدة مع رفع كفاءة المقدرة على التحمل.
تقوم الاستراتيجية أو الفلسفة المتبعة لتحقيق الانتقال المستدام على الاستخدام في أضيق الحدود لوسائل الانتقال العاملة بالوقود. مثال على ذلك: الاعتماد على الانتقال بالأوتوبيس أو المترو أو القطار، وترك السيارة للضرورة الملزمة. ويساعد على تحقيق ذلك عدم شراء سيارة بالأساس، والمشاركة مع آخرين في حيازة سيارة وتنظيم استخدامها معاً، واستئجار سيارة إذا كان ذلك لازماً ومتاحاً. ولا ضير في المشي، عند الامكان، لمسافات في حدود كيلومتر الى كيلومترين. ان في ذلك رياضة بدنية وإكساباً للصحة الجيدة، مع الحفاظ على البيئة من التلوث باحتراق الوقود. ولكن لا بد أيضاً من انتاج واستخدام أنواع الوقود الأنظف المحقق للاشتراطات البيئية.
على المستوى العربي، نجد أن هذه البدائل تعترضها مصاعب لعدة أسباب، لعل أهمها ثلاثة:
أولاً، معظم الأرصفة المخصصة للسير في غالبية المدن العربية أصبحت مزدحمة، ليس فقط بالسائرين، بل بالبضائع أو المقاعد لرواد المقاهي وغيرها، وفي بعض الأحيان بالحفر والنتوءات. بذلك فإن إعداد الراغبين في السير أصبحت في تناقصمستمر. ثانياً، إن اقتناء سيارة، وربما واحدة لكل فرد من الأسرة، أصبح مطلب مختلف الطبقات. ثالثاً، انتاج الوقود الأنظف، أي الذي تنبعث منه أقل نسبة من الملوثات الناجمة عن الاحتراق (أول أوكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين وأكاسيد الكبريت والمركبات الهيدروكربونية المتطايرة أو غير الكاملة الاحتراق أو ذات الأحجام الدقيقة)، لم يتحقق بعد في الوقود المنتج لدى بعض مصافي التكرير في الدول العربية.
لذلك فإن تحقيق وسائل الانتقال المستدامة ما زال حلماً أو هدفاً بعيداً، حبذا لو استطعنا جميعاً العمل على تحقيقه. لكن مع توفر الغاز الطبيعي في معظم الدول العربية، وبأرصدة كبيرة ومؤكدة، فإنه يعطي بديلاً جيداً يمكن الاستفادة منه. وفي هذا المجال، هناك تجربة بدأت في مصر منذ نحو عشر سنوات وحققت نتائج طيبة، حيث تم تحويل محركات وسائل الانتقال العاملة بالوقود السائل لتعمل كذلك بالغاز الطبيعي. وقد ساعدت على نجاح ذلك الاستراتيجية التي اتبعت والتي قامت على الآتي:
- تسويق الغاز الطبيعي بأقل من نصف سعر الوقود السائل (الغازولين)، مما يعوِّض مصاريف تحويل المحرك ليعمل بالغاز الطبيعي. ويقدر أن السير بمحرك يعمل بالغاز الطبيعي لمسافة 10 آلاف كيلومتر يحقق وفراً يوازي مصاريف التحويل من الوقود السائل الى الغاز.
- تقسيط مصاريف التحويل على فترات زمنية مناسبة.
- نشر محطات التموين بالغاز الطبيعي في مختلف المحافظات وبحيث يصبح دائماً متاحاً أمام سائق السيارة، خاصة التاكسي داخل المدن.
وقد شارك في التجربة ليس فقط السيارات الخاصة وسيارات الأجرة، بل أيضاً أوتوبيسات نقل العمال لدى بعض الشركات، خاصة العاملة في مجالات البترول. مثل هذه التجربة، لو أمكن أن تعمم وتنتشر، سوف تكون من أنجح الوسائل لتحقيق الانتقال المستدام.
ومن المتوقع في المستقبل أن يكون هناك بديل لا ينتجعن احتراقه غير بخار الماء، ألا وهو غاز الهيدروجين. بذلك يمكن خفض نسبة انبعاث ثاني أوكسيد الكربون وحل ظاهرة الاحتباس الحراري المتسبب في رفع درجة حرارة الأرض. لكن ما زالت الأبحاث جارية لخفض تكاليف الانتاج والنقل والتموين للهيدروجين كي تصبح اقتصادية.
المستقبل قد يحمل الينا بعض الحلول، لكن الأهم مواجهة الحاضر بتعديل أسلوب الانتقال، وصولاً الى البيئة النظيفة والأفراد الأصحاء
.