الى هنا تأتي أجهزة الكومبيوتر لتموت ميتة خضراء. داخل معمل اعادة التدوير الكهفي التابع لشركة ''هيوليت باكادر'' في ضواحي مدينة ساكرامنتو بولاية كاليفورنيا، تفرغ الشاحنات حمولاتها من أجهزة الكومبيوتر والـ ''سيرفر'' والطابعات التي تم جمعها من أفراد وشركات في أنحاء البلاد. ويتولى عمال يضعون نظارات واقية فتح هذه الأجهزة ليسحبوا منها البطاريات وألواح الدارات ومكونات أخرى قد تكون خطرة.
يتم تلقيم ''الجثث'' الإلكترونية في ماكينة ضخمة تمزقها إرباً وتفرزها آلياً في أكوام من الفولاذ والألومنيوم والبلاستيك والمعادن الثمينة. وترسل هذه الخردة الى مصاهر، غالباً في منطقة ساكرامنتو حيث يتم تذويبها لاعادة استعمالها.
بدأت صناعة أجهزة الكومبيوتر تتصدى بجدية لمشكلة النفايات الالكترونية، التي هي حصيلة خطيرة لتكنولوجيا تتوسع باطرد. شركتا ''هيوليت باكارد'' و''ديل''، اللتان تبيعان أكثر من نصف مجموع أجهزة الكومبيوتر الشخصية في الولايات المتحدة، تظفران بمديح من البيئيين لاستعمالهما مكونات أكثر مراعاة للبيئة، واعادة تدوير منتجاتهما بعد أن يتخلى عنها مستهلكوها.
تقول باربرا كايل التي تنسق ''حملة استرداد أجهزة الكومبيوتر'' ومقرها سان فرنسيسكو: ''لقد حدث تحول جذري. إن شركات الكومبيوتر بدأت تتبنى فكرة التعامل مع منتجاتها بعد انتهاء حياتها النافعة''. لكن يؤكد ناشطون بيئيون أن كميات ضخمة من النفايات الالكترونية في البلاد ـ ليس فقط أجهزة الكومبيوتر الشخصية وانما أيضاً أجهزة التلفزيون والراديو والبطاريات ومواد أخرى ـ ما زالت تنتهي في المطامر أو تُشحن عبر البحار الى بلدان فقيرة، حيث تلوث البيئة وتعرض العمال الذين يتولون تفكيكها لمواد كيميائية خطيرة. وقالت ساره وسترفيلت من ''شبكة عمل بازل'' التي تسعى الى وقف انتشار النفايات الخطرة: ''الولايات المتحدة لا تدير بشكل مسؤول مجرى النفايات هذا. اننا نتركه يعبر البحار ويسمم البلدان النامية''.
الاندفاع الى اعادة التدوير يعكس نظرة أشمل الى ''تخضير'' صناعة الالكترونيات. واضافة الى اعادة تدوير المواد الكيميائية السامة والتخلص منها، هناك مزيد من الشركات التي تعمل على جعل منتجاتها مقتصدة بالطاقة، وتستعمل أغلفة وعبوات صديقة للبيئة، وتوازن انبعاثاتها الكربونية للحد من الاحتباس الحراري. يقول كارل كلاونش، وهو محلل لصناعة الكومبيوتر في شركة ''غارتنر'' للأبحاث التكنولوجية: ''هذا جيد لقطاع العمل، وتزداد أعداد الزبائن الذين يقدرون المنتجات الصديقة للبيئة''.
استرداد القديم
ما زالت النفايات الالكترونية تشكل هماً متنامياً للبيئة والصحة العامة، إذ أصبحت وسائل الاتصال في العالم أكثر انتشاراً وباتت الشركات تقدم منتجات جديدة بوتيرة أسرع. وتحتوي أجهزة الكومبيوتر والتلفزيون والراديو والبطاريات والهواتف الجوالة (الخليوية) والكاميرات وسواها على مجموعة من المعادن والكيماويات السامة، مثل الرصاص والزئبق والكادميوم والكروم ومعوقات اللهب المحتوية على برومين وثنائيات الفنيل المتعددة الكلورة (PCBs). وقد أعلنت وكالة حماية البيئة الأميركية أن المستهلكين الأميركيين ولّدوا قرابة مليوني طن من النفايات الالكترونية عام .2005 وقدّرت شركة ''غارتنر'' أن المنازل وأماكن العمل الأميركية تتخلص من 133 ألف جهاز كومبيوتر شخصي كل يوم، في حين يقول محللو الصناعة ان 10 الى 15 في المئة فقط من الأجهزة الالكترونية يعاد تدويرها حالياً، والبقية يعلوها الغبار في المنازل أو ترمى في المطامر، حيث تُخشى أن ترشح منها كيماويات سامة.
وأعلنت منظمات بيئية أن نسبة تصل الى 80 في المئة من النفايات الالكترونية التي يعاد تدويرها تصدّر عبر البحار الى ورش تفكيك في بلدان نامية، حيث يتعرض عمال فقراء لأبخرة وكيماويات خطرة أثناء محاولتهم استخراج معادن ومكونات قيمة منها. وقد اكتشف خبراء من منظمة ''غرينبيس'' مستويات عالية من المواد السامة في عينات ترابية ومائية تم جمعها من جوار ورش لتفكيك الأجهزة الالكترونية في الصين والهند. وتطلب اليابان وكوريا الجنوبية وغالبية البلدان الأوروبية من مصنعي الأجهزة الالكترونية تحمل مسؤولية إعادة تدوير منتجاتهم وادارتها. ولا توجد قوانين اتحادية من هذا القبيل في الولايات المتحدة، لكن ولايات واشنطن وماين وماريلاند أقرت مؤخراً قوانين لاستردادها، وتنظر اكثر من 10 ولايات أخرى في اصدار تشريعات مماثلة.
ولاية كاليفورنيا جعلت رمي جميع المنتجات الالكترونية تقريباً عملاً غير مشروع، لكنها لم تطلب من المصنعين استرداد منتجاتهم. وعوض ذلك، يدفع المستهلكون رسوماً اضافية لدى شراء أجهزة الكترونية لتغطية كلفة اعادة تدويرها في وقت لاحق.
مؤيدو اعادة تدوير النفايات الالكترونية يشددون على ''مسؤولية المنتج''، لأنها توفر للشركات حافزاً يجعل أجهزتها أكثر مراعاة للبيئة.
استبعاد كيماويات واعادة تدوير مجانية
برزت ''ديل'' كرائدة في اعادة تدوير الأجهزة الالكترونية. هذه الشركة، ومقرها مدينة راوند روك في ولاية تكساس، تعهدت باستبعاد بعض المواد الكيميائية السامة من منتجاتها، وبدأت في كانون الأول (ديسمبر) الماضي تعرض اعادة تدوير مجانية لجميع منتجاتها. وقد تحدى رئيس مجلس ادارتها مايكل ديل الشركات الأخرى بأن تحذو حذو شركته في كلمة ألقاها خلال معرض الالكترونيات لهذه السنة في لاس فيغاس، قائلاً: ''هذا خير ما نفعله لزبائننا. هذا خير ما نفعله لأرضنا''. وقد استردت الشركة أكثر من 36 مليون كيلوغرام من الأجهزة عام .2005 ويتم تجديد بعض الكومبيوترات وبيعها - ربما الى الخارج - فيما يعاد تدوير القطع والمواد داخل الولايات المتحدة في حال تعذر الاصلاح. وقال ناطق باسم الشركة: ''هدفنا هو جعل اعادة تدوير الكومبيوتر بسهولة شراء جهاز جديد''، مضيفاً أن النفايات الالكترونية للشركة لا تشحن الى خارج البلاد.
شركة ''هيوليت باكارد'' التي مقرها في بالو ألتو بولاية كاليفورنيا أعادت تدوير نحو 75 مليون كيلوغرام من أجهزة الكومبيوتر وخراطيش الطباعة عالمياً، عام 2006، أي أكثر بنسبة 16 في المئة من العام السابق. وفي الولايات المتحدة، تعيد الشركة تدوير نحو 23 مليون كيلوغرام في مصانعها في روزفيل وناشفيل بولاية تنيسي، وهي لا ترسل أياً من هذه النفايات الى المطامر ولا الى الخارج. وقال جون فراي، مدير الاستراتيجيات البيئية للشركة، انه منذ بدأت الشركة اعادة التدوير قبل 20 سنة شرعت في تصميم منتجات تدوم أطول وتسهل اعادة تدويرها. وهي ما زالت تتقاضى أتعاباً لقاء اعادة التدوير، لكن المستهلكين يحصلون على قسيمة تحسم قيمتها من ثمن شراء منتجات جديدة. وتنظم الشركة حملات تجميع في محلات بيع الكومبيوتر حيث يسلم المستهلكون أجهزتهم القديمة من دون مقابل. وأضاف فراي: ''أن نكون مسؤولين بيئياً يعطي عملنا مصداقية، وهذا يؤثر في اخلاصنا لعلامتنا التجارية ونظرة الزبائن الينا''.
لكن المشكلة أبعد من مجرد أجهزة كومبيوتر. فالناشطون البيئيون يركزون مزيداً من الانتباه على أجهزة التلفزيون التي تشكل جزءاً كبيراً متزايداً من النفايات الالكترونية حول العالم. ومع تحول المزيد من الأميركيين الى أجهزة التلفزيون المسطحة، فهم يتخلصون من الأجهزة القديمة التي تحوي كميات كبيرة من الرصاص. وترى كايل أن على صناعة التلفزيونات أن تبادر الى استحداث بعض برامج الاسترداد، وصولاً الى تصميم أجهزة بطريقة تسهل اعادة تدويرها.