Friday 22 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
تحسين يقين (نابلس) مكـب اسرائيلي في كسـارة فلسطينيـة  
أيار (مايو) 2005 / عدد 86
لماذا أثارت الصحافة الإسرائيلية موضوع المكب؟ وهل "الارتباك" في الموقف الرسمي الإسرائيلي دليل تواطؤ مع المستوطنين؟ "البيئة والتنمية" أوفدت تحسين يقين من نابلس للتحقق من الأمور على الأرض
أطفال يلعبون ليس بعيداً عن المكان، ينظرون الى دورية لجيش الاحتلال تمر في طريق ترابي داخل المكب. السماء زرقاء صافية كأنها لا ترتبط بالمكان، وثمة رائحة كريهة تزكم الانوف لا تنسجم مع هذا الربيع. انها رائحة نفايات ضاق الإسرائيليون ذرعاً بها، فلم يجدوا أفضل من رميها بعيداً عنهم، قريباً جداً من الفلسطينيين.
فتحة المحجر (المقلع) الكبيرة في الجبل، التي خلفتها كسارة أبو شوشة للحصى، أغرت الإسرائيليين لجعلها مكباً كبيراً. وتظهر آثار تمهيد الجرافات الإسرائيلية على 10 دونمات من مساحة الحفرة، البالغة نحو 100 دونم والتي يصل عمقها الى سبعين متراً. وسوف تكون، إن نجح الإسرائيليون في هذا المشروع، أكبر مكب نفايات وأكبر مصدر للتلوث البيئي سيلاصق أكبر تجمع فلسطيني في مدينة نابلس وضواحيها. وسيلوث حوض عين كاحل، ثاني أكبر حوض مائي في الضفة الغربية المحتلة.
يشرف المكب المقترح على مدينة نابلس وقرى دير شرف وبيت إيبا وقوصين وزواتا والناقورة. وسوف يشكل خطراً ظاهراً على أربع آبار جوفية تزود الأهالي بالماء للأغراض المنزلية والزراعية، وتبلغ طاقتها الإنتاجية ما معدله 750 ألف متر مكعب في السنة.
صحيفة هآرتس الإسرائيلية، التي أثارت الموضوع في الرابع من نيسان (ابريل) ،2005 رأت في المكب خطراً ليس فقط على المياه الجوفية الفلسطينية وصحة الفلسطينيين، بل يمتد إلى المياه الإسرائيلية. وهي ألمحت إلى أن عمل المكب يتم بصورة غير قانونية. وأشارت الى أن إسرائيل قررت أن تنقل شهرياً نحو عشرة آلاف طن من النفايات التي تجمع من ضواحي تل أبيب وسهل شارون (مرج بن عامر) إلى الضفة الغربية. وأوكلت الأشغال إلى شركة ''بارون انداستريال بارك'' التي ستجمع هذه النفايات أولاً في موقع هادرايم في الأراضي الإسرائيلية ثم تنقلها إلى محجر أبو شوشة. وتقدر الأرباح المتوقعة لهذه الشركة من المشروع بـ 6 شواكل للطن الواحد من النفايات التي تنقل، أي 60 ألف شيكل شهرياً (10 آلاف يورو).
وقد أعلنت ''الإدارة المدنية'' في الجيش الإسرائيلي أن من المقرر بناء طبقة عازلة من النايلون الصلب في الموقع لتفادي تلوث البيئة، وأنه لن يلقى في المكب سوى النفايات الصلبة بموجب تعليمات صارمة من وزارة البيئة الإسرائيلية، نظراً لكونه قريباً من خزان ماء كبير.
ماذا يقول الفلسطينيون؟
غداة نشر هآرتس للخبر، أعلن وزير التخطيط في السلطة الفلسطينية الدكتور غسان الخطيب أن المخطط مخالف للقوانين الدولية. وفي 10 نيسان (ابريل) اعتبر رئيس سلطة جودة البيئة الدكتور يوسف أبوصفية أن اسرائيل تتعمد قتل البيئة الفلسطينية للضغط على الشعب الفلسطيني لترك أرضه. ورأى أن نقل النفايات الاسرائيلية الى مدينة نابلس هو بخطورة جدار الفصل العنصري الذي تقيمه في عمق الأراضي الفلسطينية، وربما أخطر، باعتبار أن الجدار يمكن أن يزال في أي لحظة، لكن إذا دمرت المصادر الطبيعية ودمرت البيئة فلا يمكن معالجتها عبر مئات أو آلاف السنين. وقال ''إن اسرائيل تقوم بالقتل المباشر للشعب، كما تقوم بالقتل البطيء والصامت، الذي يجري منذ عشرات السنين ولا يظهر على السطح، من خلال تلويث المياه والتربة، ومن ثم تلويث النباتات والغذاء، الذي يؤدي مع مرور الزمن الى أمراض سرطانية''. وأوضح أن اسرائيل لا تقوم بكب نفايات عضوية هنا، بل نفايات صناعية وكيميائية تهربها الى الأراضي الفلسطينية. وأشار إلى أن قوات الاحتلال تواصل التخلص من النفايات الصناعية الخطرة في مناطق المواصي بقطاع غزة، وتقوم منذ شهرين بضخ المياه العادمة يومياً الى وادي غزة عبر الحدود مما يؤدي الى تلويث المناطق التي يمر فيها.
ولكن ما يزيد خطورة مكب النفايات، الى وجوده فوق حوض جوفي وفي ملاصقة تجمع سكاني كثيف، هو وجوده على مرتفع جبلي يطل على واد يضم عدة آبار جوفية ويشكل منفذاً لمياه الأمطار، التي ستجرف معها قسماً من سموم النفايات الصناعية ويتغلغل القسم الآخر إلى عمق الأرض ومياهها الجوفية.
وأشار نجيب صحة، رئيس المجلس القروي في دير شرف، الى أن ''المجلس تقدم باعتراض قبل سنة لوقف المشروع، لكنه لم يلقَ أي تجاوب، اذ استؤنفت مؤخراً أعمال التمهيد لإلقاء النفايات''. وأضاف مشيراً الى سفح الجبل: ''نحن نقف الآن فوق واحد من أكبر الأحواض الجوفية، وتلك هي البئر التي يشرب منها أهالي دير شرف، وكما ترى فإنها لا تبعد عن مكب النفايات سوى 500 متر''. ونفى ما رددته وسائل الاعلام من أن المكب يؤثر على دير شرف وعلى مستوطنة قدوميم معاً، لأنه يقع الى الشرق من المستوطنة ولا تتضرر منه، فالهواء غربي غالباً.
في خضم تفاقم مشكلة المكب الاحتلالي، نددت شبكة المنظمات الأهلية البيئية الفلسطينية بقرار نقل النفايات الاسرائيلية الى الضفة الغربية. وحذرت من أن إنشاء مكب كهذا يؤثر سلباً على المساحة المتوفرة للتوسع العمراني، بالإضافة الى تعريض السكان للروائح الكريهة والحشرات والأمراض نظراً لقربه من البيوت. واعتبرته اعتداء صريحاً على القوانين والقرارات الدولية التي تمنع مثل هذه الخروقات من قبل دولة الاحتلال ضد الارض المحتلة ومواطنيها. وذكرت بالانتهاكات المستمرة في هذا المجال، فيما تمنع حكومة الاحتلال السلطة الفلسطينية من انشاء مكب نفايات صلبة ملائم لخدمة المجتمع المحلي.
في هذه الأثناء، أكدت الإدارة العسكرية الإسرائيلية أن ''التصاريح التي تسمح بإلقاء النفايات في محجر أبو شوشة لم تمنح بعد''، وأنها تعتبر ''المخالفات لقانون وتوجيهات وزارة البيئة الإسرائيلية خطيرة جداً''. وزعمت أن الأشغال على هذا الموقع توقفت، والشركة المسؤولة تلقت الأمر بإزالة القمامة، خصوصاً الإطارات التي ألقيت في المكان.  وأبلغ متحدث باسم الإدارة وكالة الأنباء الألمانية أن البناء في الموقع لا يمثل انتهاكاً للقانون الدولي، لأن مستودع القمامة سيخدم الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء.
البداية إغلاق الكسارة
تعود الخطوة الأولى في تنفيذ هذا المشروع إلى اجتياح نيسان (ابريل) ،2002 حين أقدم الجيش الاسرائيلي على مصادرة معدات وآليات لكسارة أبو شوشة وإرغام أصحاب الكسارة على وقف العمل بذريعة عدم حيازتهم تصريحاً.  فسارع مستوطنو قدوميم، المقامة غرب نابلس، الى البدء بنقل عشرات الأطنان من النفايات وإلقائها في المكان. وهذا يدعم شكوك الفلسطينيين المتعلقة بعلم السلطات الإسرائيلية الرسمية وإعطائها الضوء الأخضر لهذا المشروع، ''بل تمهيدها الطريق لإقامته عبر إغلاق الكسارة''، كما رأى أحدهم.
سارعت عائلة أبو شوشة لرفع قضية إلى المحكمة العلياالإسرائيلية، ونجحت في وقف عمليات نقل وإلقاء النفايات التي تواصلت على مدى شهر. لكن الأمر لم يستمر طويلاً، اذ عاد المستوطنون بعد أقل من سنة الى إلقاء النفايات هناك، مما دفع آل شوشة للاعتراض من جديد. ورغم أن عملية إلقاء النفايات أوقفت للمرة الثانية، إلا أن المستوطنين وشركات إسرائيلية عادت قبل نحو شهرين للقيام بعمليات تمهيدية تدل على توجهات لتحويل المكان مكباً رسمياً للنفايات الإسرائيلية.
وأكد أكثر من مواطن من سكان المنطقة أن المدعوة دانييلا، مسؤولة مستوطنة قدوميم، هي بين المشرفين الرئيسيين على إنجاز هذا المشروع منذ البداية. وأشاروا إلى أنها ترافق المقاولين الإسرائيليين في عمليات التحضير والتمهيد في المكب، الذي يلاصق منطقة صناعية إسرائيلية، وهذا نشاط استثماري للمستوطنين يتم بطريق غير قانونية وغير إنسانية.
وأوضح ايهاب أبو شوشة، أحد مالكي الكسارة، أن عائلته رفعتثلاث دعاوى بهذا الشأن. تتعلق الأولى بملكيتهم للمكان الذي درجوا على العمل فيه واستغلاله منذ عقدين، والثانية مرتبطة بوقف تحويله إلى مكب للنفايات. أما القضية الثالثة فيطالبون من خلالها الحكومة الإسرائيلية بتعويضهم عما لحق بهم من أضرار مادية جراء وقف شركتهم، التي تعتبر واحدة من أكبر الكسارات في الضفة، عن العمل منذ ثلاث سنوات، علماً أنها كانت تشغل أكثر من مئة عامل.
في هذا السياق، تدعي السلطات الإسرائيلية أن الأرض التي يقع فيها المكب تتبع ما يسمى ''الأراضي المالية''، بسبب عدم وجود ''طابو'' (تسجيل عقاري) فيها، حيث يحق للقائمين عليها استخدامها ولكن لا يحق لهم منع آخرين من استخدامها، وأن الإسرائيليين هم ''آخرون'' ينطبق عليهم القانون، ويحق لهم الاستخدام.
خلال الانتفاضة الثانية رمى الاسرائيليون النفايات كمجس نبض لردود الفعل الفلسطينية. ومن المفارقات أن سلطات الاحتلالمنعت سكان دير شرف من إلقاء نفاياتهم في المكب الخاص فوق أراضيهم، بذريعة أنه يلوث البيئة، ما يضطرهم إلى مشاركة سكان قرية عطارة القريبة في مكبها.
حلقة في سلسلة انتهاكات
مكب النفايات الإسرائيلي الكبير المقترح قرب نابلس ليس الأول من نوعه، بل يأتي ضمن سلسلة من الانتهاكات الإسرائيلية للبيئة الفلسطينية منذ احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967. وقد بدأت بشكل منظم في التخلص من نفايات المصانع والورش الإسرائيلية في الأراضي المحتلة.
وأصبح مشهد المياه العادمة المتدفقة من المستوطنات الإسرائيلية إلى الأودية الفلسطينية عادياً، لا يتكلف الاسرائيليون حتى محاولة إخفائه. بل ان هناك مكباً للنفايات النووية جنوب الخليل أثر بشكل ملحوظ على الأهالي في بلدة الظاهرية والرماضين، وقد ظهرت حالات سرطان وولادات مشوهة وتأثيرات مرضية أخرى لها علاقة مباشرة بالإشعاعات، مثل تساقط الشعر والعقمالذي وصل حسب تقديرات طبية إلى أكثر من 60 في المئة. ولم يسلم بحر غزة من التلوث الآتي من المستوطنات الإسرائيلية في القطاع.
ثمة أسئلة مطروحة حالياً: أين كان الإعلام الفلسطيني من هذه القضية؟ ولماذا لم يتحرك المسؤولون والبيئيون والإعلاميون الفلسطينيون إلا بعد نشر الخبر في الصحافة الإسرائيلية؟ وهل يكفي أن يرفع مالكو الكسارة دعاوى ضد الاحتلال؟
تركتُ المكان متأملاً مشهد الأطفال بما يمثلون من رمزية المستقبل. لقد حدثني أهالي دير شرف عن أناس، بالغين وأولاد، يعبثون بالنفايات، وأنهم يخافون عليهم من الأمراض. وما زالت تتردد في أذني كلمات رجل هناك قال لي ساخراً: ''أغلقوا الكسارة التي نأكل منها، وأحضروا لنا النفايات. يا سلام على السلام القادم!'' 
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.