Friday 29 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
محمد مقدم كارثة باب الواد في الجزائر اشارة الى الآتي الأعظم  
أذار (مارس) 2002 / عدد 48
 تحولت الأحياء المنكوبة من جراء الأمطار الطوفانية التي اجتاحت العاصمة الجزائرية في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي الى ورشات كبيرة لاعادة الحياة ومسح آثار الأوحال التي طمرت غالبية هذه المناطق القديمة، ومعها أكثر من 760 قتيل بحسب حصيلة موقتة لوزارة الداخلية.
ولا يزال أبناء حي باب الواد الشعبي في العاصمة والأحياء القريبة منه يتساءلون عن أسباب الكارثة التي حلت بهم، ونسفت ما تبقى من الأحلام التي كانت تراودهم في إمكان الخروج من فوهة بركان الفقر الذي يقبعون فوقه منذ سنوات طويلة. وعلى بعد أمتار قليلة يتجمع مئات السكان في بيوت الصفيح في أعالي جبل كوكو وسكوطو، وفي سيدي مجبر وبوفريزي، ينتظرون بألم قرار ترحيلهم بعيداً عن الموت المحدق بهم.
هذه "المساكن" باتت مع مرور الوقت، كما يذكر أحد المسؤولين المحليين، مقابر جماعية مع وقف التنفيذ الى أجل قد يكون قريباً. هكذا يعتقد هؤلاء الذين لا يزالون يقيمون في بنايات مهددة بالانهيار بين لحظة وأخرى، بعضها يقع في مجاري الوديان والبعض الآخر في بيوت اعتادت الفيضانات منذ سنوات، لكنها قد لا تصبر على سيول جديدة. والكثير منهم، كما يذكر أحد الشبان، سلموا أمرهم للقدر، فهم عاشوا الموت منذ سنوات عندما سلط عليهم عناصر الجماعات المسلحة التي كانت تنشط في هذه المنطقة حالة من الرعب. وبالتالي، ليس لهؤلاء الفقراء، الذين يعيشون في حرمان مستمر، من خيار إلا الصمود أمام الموت الذي يتهددهم، خصوصاً أن بيوتهم المصنوعة من الصفيح تتوسط نحو 30 وادياً ومجرى مائياً عادت الحياة الى 12 وادياً منها خلال الأمطار الطوفانية الاخيرة.
لماذا أغلقت الحكومة "دهاليز" الموت؟ يعتقد الكثير من سكان الحي الشعبي في باب الواد أن سبب الكارثة هو اغلاق قوات الأمن قنوات صرف المياه بعدما أصبحت معبراً لعناصر الجماعات الاسلامية المسلحة للتنقل بين الأحياء. وتعود حكاية هذه الدهاليز، كما يذكر ضابط في فرقة الشرطة القضائية المتنقلة، الى بداية سنة 1997 حين اكتشفت مصالح الأمن، بعد سلسلة من الأعمال الارهابية في وسط العاصمة والمناطق القريبة منها، أن دهاليز وادي مكسل لتصريف المياه تحولت الى ممر لعناصر الجماعات المسلحة، يلجأون اليها لضمان التنقل والوصول الى المناطق المحيطة بأعالي العاصمة. ودهاليز وادي مكسل لتصريف مياه الأمطار والمياه المبتذلة عبارة عن معبر عملاق تحت الأرض يصل قطره في بعض الأحيان الى أربعة أمتار بطول 6,8 كيلومترات ويمتد من شوفاليي الى ساحل قاع السور في حي باب الواد. ويعود بناء هذا الممر الارضي الى فترة الاستعمار الفرنسي، حين قرر حاكم الجزائر سنة 1911 إنجاز المعبر في إطار سياسة عمرانية جديدة تنسجم مع عمليات التوسع التي كانت تنفّذ وانتهت الاشغال فيه مع اكتمال المعبر الذي يربط بين سوق نلسون وقاع السور في نهاية 1956.
وكان الهدف الاساسي من هذه البنى الارضية ضمان تصريف مياه الأمطار والمياه القذرة الوافدة من أعالي العاصمة.
هل كان ممكناً تجنب الكارثة؟ تشير وثيقة صادرة عن ديوان الأرصاد الجوية الى أن التوقعات كانت تشير الى سقوط 35 مليمتراً من المياه في ست ساعات فقط في أكثر من 16 ولاية غالبيتها تقع في منطقة الوسط والغرب الجزائري. ويذكر متحدث باسم وحدة مصالح تسيير المياه أنه سُجلت كمية كبيرة جداً من الأمطار المتساقطة من ليلة الجمعة الى صباح السبت قدرت بنحو 210 مليمترات كانت كافية، نظراً الى كثافة التساقط في وقت قصير، لاحداث الكارثة. ويعلق على ذلك موضحاً "لو استعملت أربع قنوات أخرى بحجم وادي مكسل لم يكن ممكناً تجنب الكارثة".
يعدد خبراء الجيولوجيا ومصالح الدفاع المدني عوامل عدة يعتقد بأنها أسهمت في الكارثة أهمها: أولاً، انزلاق التربة من أعالي مرتفاعات بوفريزي وجبل كوكو وسيدي مجبر بسبب توقف عمليات التشجير وانتشار بيوت الصفيح في شكل فوضوي. ثانياً، عدم تطوير الحكومات المتعاقبة نظام قنوات صرف المياه التي جرى وضعها خلال الفترة الاستعمارية. ثالثاً، تجمع الكثير من السكان في مناطق خطرة مثل سوق تريولي الذي يقع في بقعة خفيضة عن الطرق بأكثر من 20 متراً ما جعله عرضة للغرق بالمياه والأوحال حيث انتشل منه عدد كبير من الجثث.
الكارثة قد تتكرر في العاصمة. ويشير مسؤولون في الحماية المدنية الى أن الكارثة التي حلت بالعاصمة كان يمكن التقليل من حجمها لو كانت الجزائر تمتلك مركزاً خاصاً بالوقاية وادارة الكوارث الكبرى لإبعاد الناس عن المناطق التي حولتها السيول الجارفة من أعالي العاصمة الى خراب. ولا تزال الجزائر في عداد الدول التي تتعامل مع الكوارث الطبيعية مباشرة بعد وقوعها، على رغم تعرضها في السابق لأكثر من 14 كارثة بين طبيعية وتكنولوجية. وبحسب الأوساط المختصة فإن الجزائر تكتفي منذ الاستقلال، سنة 1962، بإدارة التدخلات مباشرة بعد وقوع الكوارث من دون أن يشمل ذلك وضع استراتيجية عملية لتسيير الكوارث والوقاية منها.
وبعبارة أخرى، كما يذكر مسؤول قريب من الحكومة، فإن تجنب الكارثة لم يمكن ممكناً، ما يعني باختصار ان لا شيء يمنع حدوث كارثة جديدة قد يكون فيها عدد القتلى بالآلاف.
بدأت السلطات المحلية لبلدية باب الواد عمليات تهديم المباني المتصدعة القديمة التي أخليت من سكانها عقب التقارير التي رفعتها فرق الخبرة التقنية "حتى لا يعود من خرج من الباب عبر النافذة". وشملت العملية عشرات البنايات التي هدمت بصفة كلية بعدما حُوّل اصحابها الى مساكن جديدة في ضواحي العاصمة.
ودعا تقرير رسمي أعده مركز الأبحاث والدراسات التطبيقية في التعمير، مطلع السنة الجارية، الى ضرورة التعامل مع ملف البنايات القديمة بجدية لهول الأرقام التي توصلت اليها الدراسة. وأحصى خبراء المركز في العاصمة وحدها ما لا يقل عن أربعة آلاف شقة مهددة بالسقوط و20 ألف شقة أخرى تواجه خطر الانهيار على المدى البعيد. أي أن ما يعادل 20 في المئة من بنايات العاصمة مهددة بالانهيار بين لحظة وأخرى، ما يضع حياة أكثر من 500 ألف مواطن في خطر. وصنفت هذه الدراسة منطقة باب الواد التي اجتاحتها الأمطار الطوفانية في أعلى مراتب الخطر بنحو 1234 شقة مهددة بالانهيار.
واستند رأي المختصين في ذلك الى دراسة البعد الزمني لتاريخ إنشاء هذه البنايات الذي يعود الى ما يفوق 150 سنة، والمؤثرات المناخية التي لحقت بها طوال هذه الفترة. وما زاد في تخوفات هؤلاء، تأثير التقلبات المناخية المفاجئة كما حدث في حي باب الواد، ما يرفع نسبة احتمالات حدوث الانهيارات الى أعلى المعدلات.
محمد مقدم
("الحياة"، من الجزائر)
 
 

التعليقات
 
vh
mercii
زيد
مزيان
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
نداء هلال (واشنطن) عمليات احتيالية في تجارة الكربون
رينا سعيد خان - كيتي بندر، باكستان مهجَّرو المناخ في دلتا الإندوس
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.