أطلقت جامعة السلطان قابوس في سلطنة عُمان مبادرة لصون بيئة الجبل الأخضر الفريدة والحساسة. وأوفدت "البيئة والتنمية" مراسلها محاد بن أحمد المعشني الى مسقط للمشاركة في ندوة إطلاق المبادرة وبيان أهمية حماية هذا الجبل
طلب قبطان الطائرة من برج مراقبة مطار السيب الأذن بالهبوط الى ارتفاع 13 ألف قدم عند اقترابنا من بلدة أزكي في المنطقة الداخلية من عُمان، في رحلتنا المتجهة من صلالة في الجنوب الى العاصمة مسقط. كان الجو صحواً، فبدا لنا الجبل الأخضر في الأفق بهضبته الواسعة وقراه المتناثرة ومدرجاته الزراعية ونتوءاته الصخرية وقمة "شمس" الشاهقة الى ارتفاع نحو 3000 متر.
في اليوم التالي، بعد حصولنا على تصريح للصعود الى الجبل، توجهنا من مسقط الى منطقة بركة الموز، بوابة الجبل الأخضر. كانت الطريق ترابية ومتعرجة وخطرة، ولا بد من استخدام سيارات الدفع الرباعي. وعند وصولنا الى الهضبة تغيرت المشاهد والنباتات، وأصبح والطقس منعشاً، فتغير مزاجنا الى الأفضل بعد ذلك الصعود الخطير والممرات السحيقة الضيقة التي حفت بجنبات الطريق. ووصلنا الى سيق، وهي أشهر بلدات الجبل، ومررنا على بلدة المناخر وبلدة وادي بني حبيب، وشاهدنا تدفق المياه في الأفلاج.
تلك كانت رحلتي الاولى الى الجبل الأخضر قبل سنوات. بعدها تكررت زياراتي، ولم يبقَ الجبل كما رأيته أول مرة. لم يعد صعوده شاقاً، وتحولت غالبية الطرق الترابية الى طرق مسفلتة. وأصبح في الجبل فندق. وثمة مبادرات تنموية واستثمارية لجعله مصيفاً ومنطقة جذب سياحية، نظراً لتفرد بيئته بخصائص مناخية وايكولوجية انعكست على النشاط البشري منذ القدم. وقد اشتهر أهله بتقطير الورد.
ثروة طبيعية زراعية
يتأثر الجبل الأخضر بمناخ الاقاليم المعتدلة الممتدة من أوروبا الى الشرق الأوسط. ويقدر متوسط تساقط الأمطار عليه بنحو 375 مليمتراً، الا أن بيئته تعتبر شبه جافة، في حين تصل درجات الحرارة الى ما دون الصفر شتاء.
تعيش في الجبل الأخضر مئات الأنواع النباتية. ومن أشجاره العلعلان، أو العرعر، وهي شجرة كبيرة معمرة تستخدم أخشابها في البناء، والصنوبر والزيتون والبوت والنمت والكلبان والحنقلان والنبق. وتعيش على القمم والجروف الصخرية الوعرة مجموعة من الحيوانات البرية، منها المفترسة كالفهود والذئاب والرشق التي تعيش على الطرائد كالوعول والغزلان. ومن الطيور هناك النسور والصقور، والشقص الذي يشبه الصفرد، وطائر نادر يعرف بالصبا.
يعتمد السكان المحليون على الزراعة وتربية الماعز لانتاج الحليب والصوف وسد احتياجاتهم من اللحوم. ويعتبر الرمان المحصول الاقتصادي الأول في الجبل، وقد بدأ المزارعون يتجهون الى زراعة الفواكه والحبوب والخضار بدلاً من الورد الذي يحتاج زرعه وتقطيره الى جهد أكبر. ونظراً لأهمية الزراعة في الجبل الأخضر، أنشأت الحكومة العمانية 29 سداً صغيراً لحجز مياه الأمطار والسيول والاستفادة منها في فترات الجفاف.
مبادرة لحماية الجبل
في أروقة جامعة السلطان قابوس في مسقط، نظمت حلقة عمل في شباط (فبراير) 2006 حول مبادرة خاصة تم إطلاقها لصون بيئة الجبل الأخضر وتنمية موارده بطريقة مستدامة، كنموذج لصون الأنظمة البيئية الجبلية الهشة والجافة.
تحدث أمين عام مجلس البحث العلمي الدكتور هلال بن علي الهنائي عن الدور المرتجى للبحث العلمي في عُمان "من أجل خدمة أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبناء الحضاري للبلد". وعرضت لمياء بنت عدنان الحاج، من مركز الدراسات والبحوث البيئية في جامعة السلطان قابوس، لاهمية حماية التنوع الأحيائي في الجبل الأخضر الذي يتسم بالفرادة والهشاشة في آن. وشرحت أن المبادرة عبارة عن مشروع بحثي شامل يضم 9 مشروعات بحثية فرعية عن المياه والتربة والمناخ والسياحة البيئية والحياة الفطرية، يقوم بها 15 استاذاً يمثلون اختصاصات مختلفة من ثلاث كليات في الجامعة. ويهدف المشروع الى توفير قاعدة بيانات عريضة ومتخصصة، ويوفر لدى اكتماله استخلاصات منهجية يمكن للباحثين وأصحاب القرار الاهتداء بها في تحقيق الصون والتنمية المستدامة.
وقال الدكتور علي بن سعود البيماني، مساعد نائب الرئيس للدراسات العليا والبحث العلمي في الجامعة، ان مبادرة الجبل الأخضر لقيت اهتمام العديد من المنظمات الدولية. وأضاف أن مركز الدراسات والبحوث البيئية الذي تأسس في الجامعة سنة 2000 يشرف على هذا العمل البحثي الضخم والمتعدد التخصصات، بالتعاون مع وزارة البلديات الاقليمية والبيئة وموارد المياه، وقد لقي اهتمام العديد من المنظمات الدولية. وأضاف أن مركز الدراسات والبحوث البيئية الذي تأسس في الجامعة سنة 2000 يشرف على هذا العمل البحثي الضخم والمتعدد التخصصات، بالتعاون مع وزارة البلديات الإقليمية والبيئة وموارد المياه.
وكانت مداخلات لمنظمات غير حكومية معنية بالبيئة بدأت حديثاً في عُمان، ركزت على ضرورة تفعيل العمل التطوعي وإشراك المجتمعات المحلية في صياغة البرامج التنموية وتنفيذها. وقال نائب مدير الجمعية العمانية للبيئة الدكتور مهدي بن أحمد جعفر ان المبادرة ستفتح آفاقاً أرحب، وقد تكشف عن حقائق لم تكن واضحة للكثيرين، "ولعل في التدهور المستمر في خصائص التربة والمياه ووفرتها، وتذرّي التربة وانجرافها من جراء الرعي الجائر وانتهاج الأساليب غير الصحيحة في الزراعة، واستنزاف المياه، والزيادة الكبيرة في أعداد الحمر البرية، واختفاء وتراجع أشكال الغنى في مملكتي النبات والحيوان، توفر مؤشرات ذات دلالات جازمة تؤذن بخلل جدي لا بد من تداركه".
وحاضر الدكتور مارتن برايس، من مركز دراسات الجبال في جامعة بيرث في اسكوتلندا، حول محدودية حظوة الجبال بالأهمية التي تستحقها على مستوى العالم. وقدم الدكتور دانيال ماسيلي، من مركز التنمية البيئية في جامعة برن السويسرية، ورقة حول تعدد أدوار الثروة الحيوانية في استخدام الأرض الرعوية والزراعية والحرجية، كحالة نموذجية في جبال أطلس في المغرب. وتحدث سالم بن مسلم الساعدي، مدير دائرة التنوع الحيوي في وزارة البلديات الاقليمية والبيئة والمياه في عُمان، عن الاستراتيجية الوطنية لحماية التنوع الأحيائي وخطة العمل الوطنية.
وعرض الدكتور ريجينالد فيكتور، مدير مركز الدراسات والبحوث البيئية في جامعة السلطان قابوس، ما تحقق من مبادرة الجبل الأخضر.
حلقة العمل هذه لن تكون الأخيرة، اذ يستمر العمل البحثي والميداني لتنفيذ مراحل المبادرة التي تتوخى صون الجبل الأخضر وتنمية موارده بشكل يؤمن التوازن بين متطلبات الانسان وعناصر البيئة.