على عمق أربعة كيلومترات تحت الجليد قرب القطب الجنوبي بحيرة يعتقد العلماء أنها تمثل عالماً مفقوداً يؤوي كائنات عُزلت عن بقية العالم منذ ملايين السنين. انها بحيرة فوستوك، التي يقوم باحثون روس بحفر الجليد كي يصلوا اليها ويكشفوا أسرار ما يعتبره البعض "آخر تخم لم يكتشف على الأرض".
أهمية هذه البحيرة أنها حافظت على نقائها الفطري، لكنها قد تفقد هذه الميزة الى الأبد اذا دخلت الى مياهها مواد خارجية من خلال الثقوب التي يقوم الروس بحفرها. ويقول خبراء ان من المتعذر حالياً استخدام تكنولوجيا بالغة النظافة للحفر وصولاً الى البحيرة من دون تلويثها. لكن العلماء الروس حفروا حتى مسافة 130 متراً من سطحها، وأعلنوا انهم سوف يبلغونها بحلول سنة 2008 متحدين هواجس نظرائهم في بلدان أخرى.
يقول فاليري لوكين، رئيس البعثة الروسية في أنتارتيكا (القارة القطبية الجنوبية): "الحفر سوف يستمر، نحن لا نخالف القوانين، لكن نشاطاتنا لا تناسب آخرين". وتساءل: "من كان أول من طار الى القمر، الاتحاد السوفياتي أم الولايات المتحدة؟ في ذلك الوقت فاز الاميركيون وأوقفنا برنامجنا الخاص باستكشاف القمر. وهذه المرة نريد أن نكون الأوائل. كل ما في الأمر أننا أسعد حظاً، لكن المسألة استُغلت سياسياً، فهناك من لا يعجبهم ما نفعله لأنهم ليسوا من يفعل ذلك".
لقد أنهى الروس جولة الحفر الأخيرة هذه السنة، قبل بدء الشتاء القطبي في المنطقة التي سجلت فيها أدنى درجة حرارة على الاطلاق وهي 89,2 درجة مئوية تحت الصفر. وينوون استئناف العمل في كانون الأول (ديسمبر) 2006.
فوستوك الأقدم
تضم الدائرة القطبية الجنوبية أكثر من 70 بحيرة تحت الجليد، ما زالت محفوظة لأن ضغط الجليد فوقها يمنع مياهها من التجمد. لكن بحيرة فوستوك، التي يراوح عمرها بين 15 و20 مليون سنة، يعتقد انها أقدمها. ويقول العلماء ان استكشافها شبيه برحلة في الزمن الغابر لمعرفة نوعية الحياة قبل ظهور الانسان على الأرض. ويشير الدكتور سينان إليس ايفانز، من الفريق البريطاني لمسح أنتارتيكا، الى أن البحيرة لم تعرف على الاطلاق ذرة من الملوثات التي هي من صنع الانسان، مبدياً قلقه من أن الروس الذين يشعرون أنهم مراقبون يتحركون بسرعة كبيرة، "وينوون الاستمرار في الحفر مستخدمين نظاماً لم يقنعوا أحداً بسلامته".
بحيرة فوستوك تبهر العلماء لأن الأوضاع فيها، حيث صقيع بلا ضوء ولا هواء، تشبه تلك السائدة في يوروبا، أحد أقمار كوكب جوبيتر حيث كشفت مسابر فضائية دلائل تشير الى وجود محيط تحت السطح المتجمد. واذا عثر على كائنات حية في البحيرة، فذلك قد يعزز احتمالات وجود حياة خارج كوكبنا.
الوصول الى البحيرة مشروع استراتيجي. فمحطة الأبحاث الروسية في أنتارتيكا تبعد بضع مئات من الأمتار عن موقع الحفر، وقد أعطت اسمها للبحيرة عندما ثبت وجودها عام 1996. وبالاتفاق مع بلدان اخرى منخرطة في أبحاث الدائرة القطبية، علَّقت روسيا أعمال الحفر عام 1998 ريثما يتم تطوير تقنية مأمونة للحفر في الجليد، واستأنفت الاعمال لاحقاً معتبرة أنها عثرت على التقنية الصحيحة.ويقول لوكين: "لن يكون هناك أي أثر سلبي أو تلوث في البحيرة، وهذا تؤكده قوانين الفيزياء والخبرة العملية من استعمال تقنيات مماثلة في أماكن اخرى".
لقد أعطت معاهدة أنتارتيكا لعام 1961 جميع الدول حرية اجراء أبحاث مدنية غير نووية في القارة القطبية الجنوبية، ما دامت تتشاطر خططها والنتائج التي تتوصل اليها مع البلدان الأخرى. وهذا ما فعلته روسيا. ويقول ايفانز انه سيكون سعيداً اذا وصل الروس قبل غيرهم الى بحيرة فوستوك، لكن همه الأكبر أن يحدث ذلك دون مسّ بما تنفرد به البحيرة من ميزات أذهلت العلماء، مضيفاً: "هذه من البيئات الأكثر بدائية في العالم، فكيف نعرضها لعمل غير متقن قد يؤدي الى تلويثها؟ اننا نخشى أن تكون النتيجة خسارة للجميع".
|