Thursday 21 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
فتيحة الشرع (الجزائر) ســدود الجزائــر تخنقها الوحول   
أذار (مارس) 2007 / عدد 108
 توحّل السدود ظاهرة طبيعية لكنها في الجزائر مشكلة حادة اذ يتراكم الطمي في غياب الصيانة مقلصاً القدرة الاستيعابية للسد ومهدداً بكوارث أحياناً
خلال سنوات الجفاف الماضية التي سادت دول شمال أفريقيا، كان موسم هطول الأمطار في الجزائر يبدأ من نوفمبر حتى أوائل نيسان (أبريل)، وهي فترة أقصر من موسم الحرارة الذي يسود فيه المناخ الجاف متسبباً في جفاف التربة وتفتيت جزيئاتها لتحل مكانها جزيئات هوائية. ومع هطول أولى الأمطار، تؤثر شدتها على تماسك الجزيئات فتضعفها، مما يجعلها عرضة لجرف السيول. وكل سنة تزداد الأراضي الزراعية تقلصاً، اذ لا تجد تربتها ما يثبتها، خصوصاً تلك التي تتعرض للحرث العشوائي. وكل سنة يذهب نحو 4000 طن من التربة في كل كيلومتر مربع الى السدود أو الى البحر عبر الوديان، محدثة توحّل السدود بالطمي أو ترمّل الموانئ، ترافقاً مع تقلص المساحات الزراعية.
قصدنا البروفسور رميني بوعلام للوقوف على أبعاد ظاهرة توحّل السدود. وهو أستاذ في جامعة البليدة يحمل شهادتي دكتوراه، واحدة خصصها لموضوع التصحر وأثره في تدهور الواحات والأخرى عالج فيها مشكلة توحل السدود واقترح لها حلولاً عملية. وهو من الأوائل في الجزائر الذين درسوا هذه الظاهرة ميدانياً منذ أوائل التسعينات، في وقت بدأت تأخذ أبعاداً مقلقة متسببة في ضياع ما لا يقل عن 32 مليون متر مكعب من الماء كل سنة، ما يعادل سعة سد.
في حديث مع البروفسور بوعلام، قال ان بداية دراسة الظاهرة لم تكن سهلة، حيث تزامن ذلك مع تصاعد موجة الإرهاب في الجزائر في التسعينات ممّا جعل العمل الميداني شبه مستحيل. وهو اختار سد إغيل عمدة في ولاية بجاية الذي يبعد نحو 300 كيلومتر شرق العاصمة الجزائر لإجراء تجاربه. وهذا من السدود المهمة في البلاد، إذ أنجز عام 1950 وكانت قدرته الاستيعابية آنذاك نحو 150 مليون متر مكعب، تناقصت لاحقاً لتصل الى 100 مليون متر مكعب حالياً بسبب تراكم 50 مليون طن من الطمي جراء التوحل.
تيّار ترابي تحت المياه الصافية
التوحل ظاهرة طبيعية معروفة في كل سدود العالم، وتختلف من منطقة الى أخرى بحسب التضاريس وعوامل أخرى. وهي في المناطق الممطرة أقل حدة مما في المناطق التي تعرف تساقطاً قليلاً ومتذبذباً كالجزائر.
وقد أفادت عملية تحليلية للطمي ان 80 في المئة منه يأتي من حوض التغذية و20 في المئة من ضفاف الوديان المؤدية الى السدود. وعند حدوث الفيضانات، تلج المياه المحملة بالطمي الى السدود في شكل تيار يسمى ''التيار الكثافي'' يمر تحت المياه الصافية ليصل الى صمام التفريغ. ويساعده في ذلك شكل السد، فكلما كان ضيق الجوانب كان التيار الكثافي أسرع.
مع هطول الأمطار في فصل الشتاء، قام البروفسور رميني بوعلام بوضع مسطرة خشبية ذات تدريجات دقيقة لحساب ارتفاع التيار الكثافي وسرعته. فوجد انه حين يكون دفق المياه الواردة الى السد كبيراً، يتوغل التيار الكثافي الى داخل السد خلال ثلاث ساعات قاطعاً مسافة ثمانية كيلومترات تقريباً، وهذا ما يؤدي الى توحل السد. ولم يكتفِ بما لاحظه داخل سد إغيل عمدة، وإنما طبق المنهجية المتبعة في سد وادي الفضة في الشلف على بعد نحو 200 كيلومتر غرب العاصمة، وسد غريب في المدية على بعد 100 كيلومتر في اتجاه العاصمة.
تنفيس السد
إذا كانت هذه هي المشكلة الناجمة عن الظاهرة الطبيعية التي تزداد حدتها مع امتداد شهر الجفاف، فما هو التدبير المناسب كي لا نخسر سدودنا؟
يرى البروفسور رميني بوعلام، الحاصل على الجائزة الثانية في مسابقة نظمت في فرنسا لاختيار احسن دراسة تتناول مشكلة توحل السدود، أن وقاية السدود من خطر التوحل تبدأ من حوض التغذية (قبل السد) بنصب حواجز على ضفتي الوادي المؤدي الى السد، تكون متباعدة بالتساوي وغير متقابلة. ويجب تزويد السد بعدد من الصمامات، على أن يتم قياس تركيز الماء داخل السد كل ساعة انطلاقاً من غرفة التشغيل. فإذا كان وزن المتر المكعب من الماء 1000 كيلوغرام للمتر المكعب، يكون الماء صافياً وليس هناك تيار كثافي ولا طمي. أمّا إذا كانت النتيجة 1010 كيلوغرامات أو اكثر، فهذا معناه وجود تيار كثافي، وعندئذٍ يتم فتح أحد الصمامات، ليزداد عدد الصمامات تدريجياً مع زيادة التيار الكثافي، وبهذا يتم تفادي دخول كميات معتبرة من الطمي.
ولا يجوز بأي حال من الأحوال فتح كل الصمامات دفعة واحدة، كي لا يؤدي ذلك الى إهدار كميات كبيرة من المياه، فلا ندري ماذا تخبئ السماء غداً.
هذا الحل لم يلقَ استحسان بعض أصحاب القرار في الجزائر، إذ رأوا فيه ضياعاً للمياه المحتجزة. لكنهم ربما لا يدركون ان عدم تنفيس السد تقابله اخطار عدة، منها: زيادة كمية الطمي المترسبة داخل السد، وفساد نوعية المياه ونمو الطحالب داخله، وحتى تعذر فتح صمام التفريغ الرئيسي بعد تراكم الطمي فوقه.
وقد يحدث فقدان السد جراء ضغط الماء والطمي المسلطين عليه. وتكون الكارثة الكبرى عند وقوع زلزال ـ لا قدر الله ـ يغرق المكان ومن فيه، ليس في شبر ماء بل في 230 مليون متر مكعب على أقل تقدير.
وللبرهان على أرض الواقع، طبق البروفسور بوعلام طريقة التفريغ التدريجي للصمامات على سد إغيل في بجاية. فكانت النتيجة مذهلة، اذ بينت كل المؤشرات ان مدة فعالية السد ستكون ثلاث مرات اكبر ممّا لو بقي على حاله.
من بين 114 سداً منتشرة عبر تراب الجزائر، هناك 52 منها مصنفة كسدود كبيرة تفوق قدرة الواحد منها مليون متر مكعب ويبلغ مجموع طاقتها الاستيعابية 2,5 بلايين متر مكعب، أكبرها سد بو هارون (بليون متر مكعب) في ميلة شرق العاصمة. ومن بين هذه السدود الكبيرة 15 سداً متضرراً بشكل كبير جراء التوحل. وفي عام 2004، بلغ حجم الطمي المترسب في مجموع هذه السدود 900 مليون متر مكعب.
وليس التوحل وحده يهدد السدود، فالى جانبه ظاهرة التبخر التي لم تتناولها اي دراسة ميدانية، على رغم ضياع 250 مليون متر مكعب كمعدل سنوي، وهي كمية تكفي لملء سد كبير.
استرداد الماء واستغلال الطمي
غير بعيد عن السد، على مستوى ضفاف حوض التغذية، يتسرب 30 الى 35 مليون متر مكعب، وهي تستدعي مد قنوات لاسترجاع الماء الضائع واستغلاله في الزراعة. ومن معوقات الافادة من السدود في الجزائر عدم توافر الأراضي المناسبة لاقامتها بسبب صعوبة التضاريس في بعض المناطق، رغم احتوائها على شبكة من الوديان تضيع مياهها من غير ان يتم استغلالها. وتشكو السدود القائمة من سوء الصيانة او غيابها، حتى في قلب العاصمة مثل سد بني عمران الذي بلغت نسبة التوحل فيه 60 في المئة بعدما تراكم الطمي وباتت كلفة تصفيته باهظة.
زيادة على فتح الصمامات من حين الى آخر، يقترح البروفسور رميني بوعلام تنظيف السدود من الطمي المتجمع لربح كميات معتبرة من المياه. ويمكن استعمال هذا الطمي وفق مكوناته في عدة مجالات، منها صنع الآجر، وزيادة خصوبة التربة الزراعية، وصنع الخزف، وتغطية المكبات العمومية.
على مستوى القرار، يقول بوعلام ان على الحكومة ان تضع قضية السدود على رأس قائمة الأولويات المستعجلة، وتسعى بكل السبل لاسترجاع طاقتها الكاملة لأن كلفة إنشائها باهظة، كما أن تضاريس البلاد لا تتيح مواقع مناسبة لانشاء سدود جديدة. ولا يجوز أن تتحول سدودنا الى أطلال لا توحي بالخير بل بالأسى.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.