Saturday 23 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
رجب سعد السيد حديقة في نفق نيويوركي  
شباط / فبراير 2017 / عدد 227
إنتشر اللون الأخضر في جانب من محطة قطار أنفاق من خط كان يجري تحت أحد الشوارع في الجهة الشرقية من مانهاتن في نيويورك، توقفت عن العمل وهُجرتْ منذ العام 1948، فتحول إلى ما يشبه حديقة استوائية. وكانت المحطة المهجورة تجتذب الشاردين ورسامي الجداريات، حتى جاء مهندس معماري يدعى جيمس رامزي بفكرة جديدة أوجدت هذه الحديقة، تحت الأرض. ورامزي من مهندسي وكالة أبحاث الفضاء والطيران الأميركية (ناسا)، ومشغول بتكنولوجيا الطاقة الشمسية، التي استخدمها في تحويل ذلك المكان المظلم إلى ما يشبه المنتزه الطبيعي. فهو يعتقد أن التقنيات المتقدمة في مجال البصريات، التي يتخصص بها في مشروعات (ناسا)، يمكن إخضاعها لخدمة الهندسة المعمارية، فتجمع الألواح الشمسية أشعة الشمس وتمررها، عن طريق أنابيب شمسية صنعت من ألياف ضوئية، إلى أقبية وغرف بلا نوافذ، لتخلق ما يسميه مهندس ناسا "كوَّة ضوء قَصِيَّة". ويرى رامزي أن ما يقوم به هو نوع من التجريب العلمي، مع مغامرة عمرانية، لتحويل مساحة من المسالك الملتوية في نفق قديم، لا تزيد مساحتها عن ستة آلاف متر مربع إلى أول حديقة استوائية مفتوحة للعامة، فرضت طبيعتها أن يُطلق عليها اسم (السفلية).
 
وقد افتتحت الحديقة السفلية، التي يرى فيها البعض شططاً، في تشرين الأول (أكتوبر)، وبشكل جزئي، ليتردد عليها الزائرون في عطلات نهاية الأسبوع. وهي تلقى ترحيباً من الأطفال على نحو خاص، ويأمل رامزي وفريقه أن تعلن إدارات المدينة موافقتها عليها قريباً، لتُستكمل وتفتتح بالكامل في 2021، لتكون ملتقى جديدا فريداً لسكان المنطقة، يثير فيهم روح الإبداع، متحدياً رأياً يقول بافتقاد التوافق بين المدن والطبيعة.
 
والمعروف عن سكان نيويورك ميلهم لأي مكان مفتوح يتاح لهم. لذا كان ترحيبهم كبيراً بهذه الحديقة التي أسهمت في إنشائها أبحاث الفضاء، والتي أزالت بعضاً من رداءة المشهد في ذلك الموقع السيئ التخطيط، الذي تجري محاولات لإزالة التشوهات فيه. وتستهدف الحديقة استعادة رونق هذه المنطقة من مانهاتن، وإنعاش الحالة الاجتماعية فيها، وتنشيط مختلف الأنشطة التجارية والبلدية، وتوفير مكان آمن يمرح فيه الأطفال على مدار السنة. وقد استقبل هذا المنتزه منذ افتتاحه نحو خمسين ألف زائر، تدهشهم إضاءة المكان بأشعة ساطعة ناعمة، تخفتُ عند مرور غيمة في سماء المنطقة، لتعود إلى السطوع بعد أن تمر، تماماً كما هو الحال فوق سطح الأرض، الأمر الذي يسرب للمتواجدين في "المحطة السفلية" شعوراً بانهم تحت سماء حقيقية. صحيح أن الضوء المستقدم من أعلى تنكسر أشعته بانعكاسها أكثر من مرة، لكنه يبقى محتفظاً بمكوناته من موجات الطيف التي تحتاجها أشجار السرخس والنخيل والطحالب المزروعة في هذه الحديقة. لكن بعض الزائرين أبدوا تخوفاً من مستوى الأمن المتوفر في هذا الموقع المرغوب من المتشردين، وأشاروا إلى عدم كفاية المرافق الصحية.
 
وكانت الشكوك تنتاب من أشرفوا على مزروعات المنتزه، فلم يكونوا واثقين من أن تكنولوجيا الطاقة الشمسية التي طبقت ستوفر للنباتات احتياجاتها من الضوء، لذلك بدأوا أعمالهم بحذر. غير أن ما تحقق من نجاح شجعهم على إضافة المزيد من أنواع النباتات، مثل سلالات تتبع العائلة اللوفية، والفوشيا أو قرط السيدة، إضافة إلى أنواع من النباتات لا تنمو إلا في وجود أشعة الشمس الساطعة، مثل النعناع، والخزامى الفرنسي، والفراولة. ويؤكد بستانيو هذا المتنزه أنه إذا توفر له أكثر من مائة من الألواح الشمسية، لتمكنوا من إضافة مزيد من أنواع النباتات التي لم يكن يخطر على بال أحد أنه يمكن زراعتها في مثل هذا الموقع، ولأتيح لهم تحويل المكان إلى "حديقة طبيعية" بالمعنى المتعارف عليه في البستنة.
 
لقد أثبت الأساس التكنولوجي لهذه التجربة سلامته وجدواه، ورحبت به مدينة نيويورك، التي تبذل جهوداً لتوفير 60 مليون دولار، من القطاعين العام والخاص، للمضي في استكمال الصورة النهائية للمشروع، الذي يخدم أغراضاً علمية وتنموية وتعليمية. أما الكلفة السنوية للتشغيل والصيانة، والت تراوح بين مليونين و3 ملايين دولار، فسوف تغطيها الإيرادات.
 
وعلى أي حال، فإن للتجربة، مهما كان حظها من النجاح، قيمتها في لفت الانتباه إلى إمكانية أن تفرض ظروف غير اعتيادية الاستعانة بهذه التكنولوجيا، التي جلبت ضوء الشمس من السماء إلى مكان لم يكن لأحد أن يفكر في أن يدخله الضوء الطبيعي. ومن السهل تطويع هذه التكنولوجيا لتضيئ أماكن أخرى تفتقد إلى ما يكفي من أشعة الشمس، لتتوفر لها مواصفات صحية أكبر، مثل المدارس والمستشفيات ومكاتب الدواوين، ناهيك عن المحطات الفضائية.
 
 
 
 
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.