يفتخر سكان ولاية الخرطوم بحيازتهم غابة فريدة تهيمن عليها أشجار السنط. ولكن من منهم يجرؤ على الدخول اليها والتنزه فيها؟ فبعدما كانت متنزهاً طبيعياً وملاذاً للطيور، صارت مجمعاً للنفايات ومرتعاً للصوص والأشقياء، حتى انقسم المجتمع حيالها بين مؤيد لتنميتها وتعميرها ومصرّ على احتفاظها ببيئتها الطبيعية.
تقع «غابة السنط» في شمال غرب العاصمة الخرطوم، وتزين منطقة المقرن عند النقطة الأخاذة حيث يلتقي النيلان الأزرق والأبيض ليكوّنا نهر النيل العظيم. وتقدر مساحتها بنحو 1500 هكتار على الضفة الشرقية للنيل الأبيض. وصنفت عام 1939 محمية طبيعية بموجب القانون السوداني، مما يعني أنه لا يمكن التصرف فيها إلا باستثناء خاص. إنها نطاق حيوي طبيعي، معظم أشجارها من السنط المقاوم لمياه الفيضانات التي تغمرها في الفترة من تموز (يوليو) إلى أيلول (سبتمبر). تلوذ بها الطيور المستوطنة والمهاجرة، مثل الأوز وخطاف البحر وأبي منجل والبط والنورس ومالك الحزين، فضلاً عن الزواحف والثدييات الصغيرة. وهي حلقة في التوازن البيئي للمنطقة، تساعد في تلطيف الجو وامتصاص ملوثات المصانع ووسائل النقل.
طرحت ولاية الخرطوم قبل سنوات مشروعاً لتطوير منطقة المقرن بالشراكة مع القطاع الخاص. وقسمته الى قسمين هما: «السنط 1» ويشمل المنطقة التجارية وقد تم شراء معظم الأراضي فيها واستثمار الكثير من أجزائها، و«السنط 2» ويشمل منطقة الغابة تحديداً وهو ما زال ينتظر التمويل لإنشاء البنى التحتية بحسب الاتفاق بين الولاية والقطاع الخاص.
يقول الناشط البيئي والمخرج المسرحي حمد النيل خليفة: «اتركوا الغابة كما هي. يجب أن تبقى محمية طبيعية كما نصت القوانين، وعلى الجميع حمايتها».
يدعو كثيرون الى عدم التخلي عن الغابة، باعتبارها ضرورة بيئية وجمالية، وموقعها مثالي للترفيه عن سكان الخرطوم كفضاء للتنزه وقضاء العطلات والرحلات العائلية. ولذلك لا يجوز أن تترك هكذا، فهي تحتاج الى تحسين وتنظيم وأمن وإنارة ونظافة ومقاعد وطرق وأمور كثيرة أخرى.
عرفات حمد النور سيدة تقيم بالقرب من الغابة، تقول إن الوضع لا يحتمل، فالأوساخ تملأها، والبعوض يتكاثر بضراوة عند انحسار فيضان النيل، فضلاً عن التعديات مثل السكن العشوائي وقطع الأشجار وانتشار المتسكعين والعاطلين عن العمل في المنطقة، لذلك فان تطوير الغابة ضرورة حيوية لسكان الجوار. لكنها تستدرك قائلة إنها «ضد أي استثمار يعرض الغابة لتغيير كبير ويحول منطقة المقرن الخضراء الى غابات من الإسمنت المسلح يستفيد منها بعض الأثرياء على حساب سكان الحي البسطاء الذين يملكون أجزاء كبيرة من هذه المنطقة ويتوارثونها منذ أجيال». وقد تضرر كثير من المالكين إذ باعوا أراضيهم بثمن بخس عندما طرحت مشاريع سابقة لتطوير منطقة المقرن.
ويوافقها المهندس حيدر يوسف بخيت، الذي يعارض مشاريع تطويرية في المنطقة تحولها الى منطقة تجارية مليئة بالمباني العالية التي قد تؤثر على مسار الطيور المهاجرة. ودعا الى التزاوج بين المطلبين، أي تطوير الغابة وزراعة المزيد من الأشجار المحلية السائدة فيها، وإنشاء مبان لا تحجب الغابة عن الطيور فتتوقف للاستراحة فيها خلال رحلة هجرتها.
الثابت أن غابة السنط إذا ما تركت هكذا فسوف يخسر سكان الخرطوم جنتهم الخضراء. يقول مدير الهيئة القومية للغابات الدكتور عبدالعظيم ميرغني ابراهيم إن الغابة بوضعها الحالي محدودة الاستخدام، إذ تغمرها المياه لمدة ستة أشهر في السنة، والمساحة المستخدمة تمثل 4 في المئة فقط من مساحتها. ويؤكد أنها ضمن الخريطة الهيكلية لولاية الخرطوم، وهذا ضمان لعدم إزالتها.
|