يقع أرخبيل توفالو على خط الاستواء في المحيط الهادئ، في منتصف المسافة بين هاواي وأوستراليا، ويبعد ساعتين بالطائرة عن جزر فيجي. وهو يضم تسع جزر لا تتجاوز مساحتها الاجمالية 26 كيلومتراً مربعاً، تحوطها مياه خضراء زمردية من أروع ما في العالم. ويعيش على هذه الجزر نحو 10 آلاف نسمة، يعتقد أنهم تحدروا من قبيلة جزيرية صغيرة أبحرت عبر المحيط الهادئ في الأزمنة القديمة.
هنا يتمتع الزائر بحفيف أوراق جوز الهند التي تتلاعب بها الرياح، وأصوات الأمواج المندفعة برفق نحو الشواطئ الرملية البيضاء. واذا تتبع رائحة الدخان المنبعث من المواقد التي تحرق فيها قشور جوز الهند، فسوف يسمع قهقهات السكان وهم يتبادلون الأحاديث داخل منازلهم. إنهم يستقبلون الزوار ببسمات رقيقة وقلوب مفتوحة، ويدعونهم الى مشاركتهم في تناول الطعام. هذه بعض العادات التي افتقدتها شعوب البلدان الصناعية وما زال سكان توفالو يحافظون عليها.
سكان توفالو يعيشون في انسجام مع الطبيعة المحيطة بهم، يستهلكون موارد أقل ويحتاجون إلى سلع أقل كثيراً من سكان البلدان الصناعية. وهم يعتبرون الأسرة أهم ما في حياتهم.
لكن الأضرار الناجمة عن ارتفاع مستويات البحر والاحترار العالمي أصبحت خطيرة بشكل متزايد خلال السنوات الخمس عشرة الماضية. وباتت حياة السكان متأثرة كثيراً بهذه المخاطر. وعلى رغم أنهم يستهلكون القليل جداً، فهم يفقدون ثقافتهم وطبيعتهم وبعضاً من حياتهم نتيجة تراكم غازات الدفيئة، المنبعثة الى حد كبير من الاستهلاك الإهداري في البلدان الصناعية.
تتمثل الأضرار في مشكلتين رئيسيتين: تآكل الشواطئ، وتلوث الأراضي الزراعية والمياه الجوفية. فجزر توفالو الهشة معرضة لخطر غمرها تماماً بمياه البحر إذا استمر تآكل التربة الساحلية بمعدله الحالي. ونتيجة ارتفاع مستويات البحر في السنـوات الأخـيرة، بدأت مياه البحر تجتاح المناطق المنخفضة على بعض الجزر، مدمرة المحاصيل وملوثة آبار المياه الجوفية.
ومن دون المياه العذبة والمحاصيل الضرورية للبقاء، قد يضطر سكان توفالو إلى هجرة بلدهم، ليصبحوا من أوائل لاجئي الاحترار العالمي.
على جزر توفالو الممولحة المجدبة، يبقى الجوع مستبعداً لسهولة صيد الأسماك. لكن مع التغيرات المناخية وسخونة الشواطئ الضحلة بات يصعب على الصيادين إعالة أسرهم. فالمرء هنا يأكل ما معدله نصف كيلوغرام من السمك يومياً، لأن السمك هو الغذاء الرئيسي والسلعة المهمة الوحيدة التي لا تستوردها توفالو. إنه طعام الإفطار والغداء والعشاء. وفيما يحصد الصيادون التجاريون سمك التونة الكبير من المحيط، تعتمد معظم الأسر على الصيد التقليدي لأسماك الشعاب المرجانية في البحيرة الساحلية الضحلة.
لكن الاحترار العالمي يسخّن مياه البحيرة، فتتعرض الشعاب المرجانية للابيضاض والموت، علماً أنها الموئل الطبيعي للأسماك. وإلى ذلك، يتسبب تسرب مياه الصرف الصحي بانتشار الطحالب في البحيرة واختناق الأسماك الصغيرة، ما يهدد حياة الأسماك الكبيرة التي تقتات عليها.
النباتات المتبقية في توفالو معرضة لارتفاع مياه البحر وتملح التربة والمياه الجوفية. وقد تخلى كثيرون عن محاصيل بساتينهم وباتوا يعتمدون على منتجات مستوردة غالية الثمن مثل الرز والطحين والأطعمة المعلبة.
يقول إينيل سوبواغا، عضو البرلمان والرئيس السابق لتحالف الدول الجزيرية الصغيرة: «كانت هناك أشجار موز في حديقتي. لكن خلال السنوات العشر الماضية تغلغلت مياه البحر في الأرض فباتت التربة شديدة الملوحة، واصفرت النباتات وماتت». والآن يستورد سكان الجزر 80 في المئة من طعامهم، الذي يأتي من فيجي ونيوزيلندا وأوستراليا في باخرة شحن ترسو في توفالو شهرياً.
ويعتمد المجتمع المحلي على العلاقات العائلية الوثيقة. ففيما يعمل أحد أفراد العائلة، يتولى آخرون صيد السمك والعناية بالأطفال والطبخ وإنتاج المصنوعات اليدوية، أو يقدمون مساهمات أخرى إلى المجتمع.
لكن توبالاغا بولاسي، الباحث في دائرة المصايد في توفالو، يعتقد أن انخفاض مخزونات الأسماك سيؤثر بشدة على العائلات: «نحن نعتمد على المحيط، ومنه نحصل على مواردنا. وإذا لم نصطد الأسماك، فعلينا شراء الطعام من المتاجر، وهذا يتطلب نقوداً، وكثير من العائلات لا تملك المال الكافي».
سكان توفالو هم بين ملايين الأشخاص في المحيط الهادئ والمحيط الهندي والبحر الكاريبي ومناطق ساحلية في أنحاء العالم النامي، ممن يعتمدون في إعالة أسرهم على صيد الأسماك، هذا المورد المحلي الذي يتهدده تغير المناخ.
شويتشي إندو رئيس منظمة NPO لمساعدة سكان توفالو على الصمود في وجه تداعيات تغير المناخ.
كادر
هجرة دولية من كيريباتي
يخطط سكان أرخبيل كيريباتي في المحيط الهادئ لهجرة جماعية، تدعمها سياسة حكومية لتدريب السكان على الهجرة في المستقبل الى فيجي ونيوزيلندا وأوستراليا. وقد اشترت حكومة كيريباتي مؤخراً 6000 فدان من الأرض في سافوسافو في فيجي، تزعم الحكومة أنها لتوفير الأمن الغذائي للمواطنين. وقد لفت رئيس الجمهورية أنوتي تونغ انتباه العالم الى وضع كيريباتي من خلال كلماته المؤثرة في اجتماعات دولية.
في نيسان (أبريل) 2013، عقدت حكومة كيريباتي جلسة نقاش وطنية عالية المستوى حول تغير المناخ، وقال تونغ: «ارتفاع مستوى البحر سيجعل جزرنا مغمورة بالمياه وغير صالحة للسكنى. لسنا انهزاميين، نحن نحاول وسعنا في هذه الظروف، لكن يجب أن يكون مفهوماً أننا إذا اضطررنا إلى النزوح فعلينا أن نكون مستعدين لذلك».