اكتشاف الذهب مؤخراً في شمال البيرو قسم السكان بين مؤيدين للتنقيب ومعارضين يخشون أن يسبب أضراراً بيئية تهدد صحة الانسان والزراعة والأنواع الحية النادرة. وقد اكتشف الذهب، اضافة الى الفضة والنحاس والزنك، في وادي تامبو غراندي الزراعي والغابات الاستوائية الجافة المحيطة به ومحمية بيورا الطبيعية الجبلية. وتتولى أعمال التنقيب والتعدين الى شركات بيروفية وكندية واوسترالية وأرجنتينية.
نزل ألوف المتظاهرين الى شوارع المدن والبلدات المجاورة للمواقع مطالبين بالغاء تراخيص امتيازات التعدين القائمة وعدم إعطاء تراخيص جديدة. ويقول المعارضون ان المناجم المقترحة ستهجّر السكان المحليين وتقضي على صناعة الفواكه وتدمر حقول الخضر في المنطقة. وحذر مزارعو الفواكه المحليون من أن العمليات ستدمر الغابات وتلوث التربة مما يهدد مستجمعات مياه الأمطار التي يروون بها أشجارهم. ويخشى أنصار الحفاظ على الطبيعة من أن يسبب اتساع أعمال التعدين أضراراً بيئية لا يمكن اصلاحها، اذ ستنطلق من المناجم المكشوفة كميات كبيرة من الغبار تذروها الرياح القوية في المنطقة. وستحتل المناجم رقعة على بعد حوالى 100 كيلومتر من ساحل المحيط الهادئ، وهي أول منطقة تتأثر بظاهرتي النينيو والنينيا المناخيتين اللتين تصاحبهما عادة عواصف قوية وأعاصير وفيضانات.
في شباط (فبراير) 2001 تعرضت منشآت شركة "مانهاتن" بالقرب من بلدة تامبو غراندي للتخريب. وهي شركة كندية تتولى عملية التنقيب الرئيسية. وادعت الشركة أن الفاعلين "مدفوعون سياسياً"، وأنهم لا يمثلون غالبية سكان البلدة الذين "ساندوا بقوة جهودنا لادخال التنمية الاقتصادية السليمة بيئياً الى المنطقة". ولا تزال ماثلة أمام السكان حادثة مقتل المهندس الزراعي والناشط البيئي غودوفريدو غارسيا باكا في آذار (مارس) 2001، بعد معارضته الشرسة لمنح رخص التنقيب. ويتردد أن باكا قتل عمداً بسبب مواقفه، وأن خبراء وناشطين بيئيين آخرين تعرضوا للتهديد.
وليست صناعة التعدين الوافد الوحيد الى ولاية بيورا البيروفية، اذ تستعد شركات نفطية لحط رحلها هناك، بعد منح شركة "بلوسبترول" الأرجنتينية امتيازاً للتنقيب عن النفط في بلدة سولانا المجاورة. وهذه المنطقة تؤوي حيوانات نادرة ومهددة بالانقراض، مثل النمير والجغوار والكوجر (البوما) وأسد الجبل والبط المتوج والبجع والتماسيح.
المعارضون المحليون يقولون ان شركات التعدين تعد الكثيرين من سكان المنطقة بالمال وبالتقليل من الأثر الايكولوجي الذي ستسببه، ولكن، كما قال أحد الخبراء، "السياسة تدخل في قرارات من هذا النوع، فالأهالي الطيبون الذين يعملون في حقولهم يعدهم المسؤولون بأي شيء، أما العبرة فهي في ما سيحصل لاحقاً، بما في ذلك إمكان تدمير مستجمعات مياههم وتلويثها في المدى البعيد". ويرى آخرون انه اذا أقيم مشروع تعدين واسع النطاق في ولاية بيورا، فلن يكون قاصراً على شركة واحدة لديها بضعة مناجم، بل سيعني اقامة الكثير من هذه المناجم المفتوحة على جزء كبير جداً من الولاية، مع ما تسببه من تشويه للأراضي وتلويث للماء والهواء والتربة نتيجة ما تطلقه من أبخرة وسوائل سامة تضر بجميع الكائنات الحية ونظمها الايكولوجية التي نشأت منذ القدم.
لم تشر دراسات الأثر البيئي الذي أصدرته شركات التنقيب الى أي أنواع معرضة للخطر أو الانقراض. لكن علماء مستقلين حددوا موائل لهذه الأنواع في شمال البيرو، وكثير منها يقع داخل المناطق التي تطالب بها شركات التعدين. ويتوقع بيئيون انهيار الانسجام الهش حول محمية المحيط الحيوي في شمال غرب البيرو. فقد اخترقت عمليات التنقيب هذه المحمية مرات عدة، ولم تبد السلطات أي اهتمام. واخترقت أيضاً منابع نهر كويتوز في أعالي "غابات السحاب" حول بلدة اياباكا الحدودية، آخر المحميات الطبيعية ومكامن المياه في مرتفعات البيرو. فهذه المكامن تمتص مياه الأمطار وتصفيها وتنقيها وتوزعها في المنحدرات على مدار الفصول. وتشكل هذه المرتفعات الساحرة واحدة من بضع محميات تؤوي التابير، وهو حيوان ثديي كبير من أكلة العشب يعمل كموزع للبذور في جبال الانديز الشمالية. ويقدر أن ليس هناك أكثر من 200 تابير في البيرو اليوم، و2500 في جبال الانديز الشمالية.
قبل أشهر، وقع وزير الطاقة والمعادن في البيرو وثيقة تحدد آلية ابلاغ الأهالي في تامبو غراندي والمنطقة المجاورة تفاصيل دراسة الأثر البيئي للمشروع وعملية تبديل موقع البلدة. وأوضح أنه "عن طريق الحوار، يصبح لدى أهالي المنطقة إدراك أفضل للمشروع قبل أن يتخذوا أي قرار حول موافقتهم على تنفيذه أم لا"، مضيفاً ان القرار النهائي سوف يتخذه الأهالي بعد الانتهاء من الدراسات الجارية.
لكن من يضمن حياد ونزاهة هذه الدراسات؟ والمعادن المستخرجة مهما كانت نفيسة هي مورد محدود قصير الأجل، يذهب مردوده الى جيوب نفر قليل من الناس، بينما الاضرار البيئية التي تخلفها عمليات التنقيب لا تعوض وتترك مضاعفات طويلة الأجل تتحمل الأجيال تبعاتها.
|