شهد حوض البحر المتوسط بعض أعظم حضارات العالم. وهو اليوم محور للتجارة والسفر، إذ يربط بين أوروبا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط. وعلى مرّ السنين، أقام مئات الملايين على شواطئه واستغلوا موارده. وها هي دراسة حديثة تفيد أن البحر المتوسط بعد قرون من الاستغلال يُمنى بنقص في الموارد، وقد أرهقت فيه أو زالت نظم إيكولوجية كثيرة كانت سليمة في السابق.
الدراسة التي أجراها فريق من الخبراء الدوليين غير مسبوقة في اتساع نطاقها. فقد اشتملت على مئات عمليات الغوص على مدى ثلاث سنوات لدراسة النظم الايكولوجية في أنحاء البحر، قبالة سواحل المغرب وإسبانيا وإيطاليا واليونان وتركيا.
وجد الباحثون أن أسلم النظم الايكولوجية هي المحميات البحرية التي تفرض فيها إجراءات حماية مشددة، حيث أعداد الأسماك أكثر بين 5 و10 أضعاف مما في مناطق استنفد الصيد أسماكها. وفي بعض المناطق المراقبة، حيث الصيد محدود وليس محظوراً، كانت أعداد الأسماك مماثلة لتلك التي في مناطق غير محمية أبداً.
قال إريك سالا، المستكشف من جمعية ناشونال جيوغرافيك" والمؤلف الرئيسي للدراسة: "وجدنا تبايناً هائلاً. ففي محميات قبالة ساحلي إسبانيا وإيطاليا، وجدنا أكبر كتلة حيوية سمكية في البحر المتوسط. وللأسف، كانت المياه حول تركيا واليونان شبه خالية من الأسماك".
تفحص الغواصون نظماً إيكولوجية في قاع البحر في 14 منطقة محمية و18 منطقة غير محمية، حيث أحصوا الأسماك وأخذوا عينات أحيائية. ووجدوا أن الأسماك في المناطق التي أخضعت للحماية كانت قادرة على استعادة عافيتها سريعاً بعد الصيد الجائر، لكن الحياة النباتية كالغابات الطحلبية استغرقت وقتاً أطول.
هذه الدراسة التقييمية الأولية لنظم إيكولوجية شاملة توفر معياراً لقياس جهود الحماية في البحر المتوسط. وتتيح نتائجها أملاً لمناطق أخرى حول العالم حيث أقيمت محميات بحرية.
يقول سالا إن حماية النظم الايكولوجية عمل اقتصادي يكسب منه الجميع. فالمحمية تشبه حساب توفير، برأسمال لم يُنفق بعد ومعدل فائدة يمكن العيش منه. في جزر ميدس الاسبانية، على سبيل المثال، محمية تقل مساحتها عن كيلومتر مربع، ومع ذلك يمكنها تأمين وظائف وعائدات سياحية سنوية تبلغ 10 ملايين يورو (نحو 13 مليون دولار)، وهو مبلغ أكبر 20 مرة من عائدات صيد الأسماك.
|