الغابة والجبل والبحر والأودية والضباب والنبات والحيوان مفردات تتناسق في هذا المكان لتشكل لوحة طبيعية آسرة. تقرأ هذه المفردات جيداً وتعيش حكاياتها المدهشة في محمية حوف اليمنية الصامدة في وجه الصحراء وعبث الرمال
ماجد التميمي (صنعاء)
في أقصى الشـرق اليمني تقـع محافظـة المهرة، التي تبعد عن العاصمة صنعاء نحو 1500 كيلومتر، وتتصل بصحراء الربع الخالي من الشمال ومحافظة حضرموت من الغرب وبحر العرب من الجنوب وسلطنة عمان من الشرق. وهي تحتضن محمية حوف، التي تعتبر واحدة من أهم المحميات الطبيعية البرية في اليمن.
لا تعترف هذه المحمية بأي حدود جغرافية، وتعيش الأحياء فيها وفق قانون الطبيعة غير آبهة بأي قانون بشري. فهي تتربع فوق الأراضي اليمنية في محافظة المهرة والأراضي العُمانية في محافظة صلالة، في تناسق إيكولوجي نادر، حتى بات هذا الكنز الطبيعي قاسماً مشتركاً بين الدولتين. تبلغ مساحتها نحو 30 ألف هكتار، وهي ذات طابع جغرافي جبلي وبحري، تكتسي بغطاء أخضر يتدرج بتناسق طبيعي بديع من الساحل إلى أعلى مرتفعاتها التي تعلو نحو 1400 متر عن سطح البحر.
تعتبر محمية حوف من أكبر الغابات في شبه الجزيرة العربية. وتسودها نباتات استوائية في انتشار كثيف ما هو الا انعكاس طبيعي لما تتمتع به من مناخ رطب ومعتدل الحرارة حين يلفها الضباب من منتصف تموز (يوليو) حتى منتصف أيلول (سبتمبر) وتهطل عليها الأمطار الموسمية بمعدل سنوي يتراوح بين 300 و700 مليمتر، كما يسودها مناخ جاف شديد الحرارة في بقية أشهر السنة.
القالب الطبيعي والكنوز الأحيائية النادرة في حوف جعلتها محط اهتمام الباحثين والسياح والبيئيين، الأمر الذي دفع الحكومة اليمنية إلى احتضانها بشكل رسمي وإعلانها محمية طبيعية في آب (أغسطس) 2005.
ثروة نباتية وحيوانية
يحفل القاموس البيولوجي لمحمية حوف بالكثير من المفردات الأحيائية. وهي خضعت مؤخراً للتصنيف البيولوجي الذي ما زال يحتاج إلى الكثير من البحث والجهد. لكن على رغم بساطة هذا التصنيف، فقد أظهر وجود عالم متنوع من الأحياء النباتية والحيوانية.
قُدر وجود أكثر من 225 نوعاً من النباتات في المحمية، تشكل نحو 12 في المئة من إجمالي النباتات في اليمن. وتم تصنيفها في 65 عائلة و165 جنساً، تتضمن 45 نوعاً من الأشجار و49 نوعاً من الشجيرات و88 نوعاً من الأعشاب العطرية و10 أنواع من النباتات المتسلقة و7 أنواع من نباتات البردي و12 نوعاً من النباتات الزراعية و9 أنواع من الطحالب المائية. وأثبتت بعض الدراسات أن الكثير من هذه الأنواع النباتية تُستخدم لأغراض طبية، وبعضها لأغراض التجميل. ومن أبرز النباتات الموجودة فيها الحومر والاسفد واللبان والسدر والخدش والعض والمشط والكيليت والفيطام.
ولعل أروع ما في هذه المحمية أنها تؤوي حيوانات برية مفترسة، كالنمر العربي الذي يعد من الرموز الوطنية في اليمن، والذئاب والضباع والقطط البرية، وحيوانات برية مسالمة كالوعول والغزلان والوبر والأرانب البرية، مما يجعل توازن الحياة فيها أمراً محسوماً.
وتزين الطيور المحمية وتملأها صخباً. فهي تحوي أكثر من 65 نوعاً من الطيور المستوطنة والمهاجرة، منها 6 أنواع نادرة. كما تزخر بأنواع عديدة من الزواحف والحشرات، لكن خطة التصنيف لم تتناول هذا الجانب من الأحياء إلا بالشيء اليسير.
مقصد سياحي
بالاضافة إلى احتساب محمية حوف محمية برية، يمكن اعتبارها محمية بحرية أيضاً. فهي تمتد في محاذاة السواحل الجنوبية لبحر العرب، ويتناسق موقعها الجبلي بشكل طبيعي مع ذلك الامتداد البحري، وصولاً إلى نقطة التقاء طبيعية في منطقة رأس فرتك الذي تطل عليه. وإذ تتلاقح شواطئها مع الوديان، فان الطمي والمواد المغذية التي تحملها السيول تثري تلك الأماكن البحرية. وهذا يجعلها زاخرة بالأنواع البحرية، مثل أسماك القـرش والديرك والجحش والروبيان (الجمبري) والسرطان البحري والقواقع.
والمحمية من أهم المواقع لتعشيش السلاحف, وخاصة النادرة. وتعشش السلاحف الخضراء البحرية على «شاطئ السلاحف» الذي يعتبر من أهم الشواطئ في حوف.
لكن أجمل ما في هذا المكان وجود الدلافين التي تضفي على المسطح المائي لوحة جميلة، خصوصاً عندما تقفز مخترقة جسد الماء بعروضها الرائعة.
في محمية حوف يتعرف الزائر على ملامح الصورة الأحيائية للمنطقة، ويحظى بفرصة نادرة للتمتع بهذا الكنز الطبيعي الجميل النادر. وهي مقصد الآلاف من عشاق السياحة البيئية والباحثين. ويأتي إليها الكثير من السياح الخليجيين الذين ينشدون الطبيعة والهدوء بعيداً عن دنيا الأبراج وضوضاء التقدم.