يعتبر وادي غزة من أطول أودية فلسطين، إذ ينبع من قرية السموع في جبال الخليل، وينحدر من الشرق إلى الغرب، فيمر ببئر السبع ويصب في البحر المتوسط على ساحل غزة. وهو يتغذى بعدة روافد نهرية صغيرة. ويبلغ طوله من المنبع الى المصب حوالى 160 كيلومتراً، وطوله القاطع لقطاع غزة حوالى 9 كيلومترات. ويبلغ ارتفاعه عند الحدود الشرقية حوال 80 متراً، ويصل إلى الصفر عند المصب. عمقه بين 1,5 متر و3 أمتار في بعض المناطق، ويتسع مجراه كلما اتجهنا غرباً ويضيق في الشرق.
أهم ما يميز وادي غزة الجريان السطحي الناتج عن سقوط كميات كبيرة من الأمطار في فصول الشتاء، الأمر الذي نتج عنه تكون رسوبيات على جانبيه، بالإضافة إلى دلتا صغيرة عند التقائه بالبحر.
أسفر وجود الوادي عن نشوء الأراضي الرطبة حوله. وهي تتميز بطبقة من تربة طينية غرينية ذات أصل نهري. ونتيجة لقرب هذه الطبقة من الخزان الجوفي، فإنها تظل محتفظة برطوبة عالية. وقد أتاح ذلك نمو أنواع مختلفة من النباتات الخاصة التي لا تعيش إلا في مثل هذه الأجواء.
وتنتشر في حوض الوادي أشجار بحرية ونباتات شوكية، والصبر والقصيب والأثل، الذي يثبت الكثبان الرملية. وهناك أيضاً شجر الجميز الذي بات مهدداً بالزوال. ومن الشجيرات والأعشاب النامية في الوادي عنب الذئب والخبازى البرية والجزر البري والبقدونس البري وشوك الجمال وقهوة الراعي (الحرفيش) والطرخشون والأقحوان.
ويعيش في المنطقة نحو 90 نوعاً من الثدييات، من فئران الحقول الى الثعالب والذئاب. وهناك ما يقارب 500 نوع من الطيور، نحو مئة منها مقيمة وأشهرها عصفور الشمس الفلسطيني والرخمة والنسر الكبير. وثمة 37 نوعاً من الزواحف.
وبسبب الأهمية الخاصة لوادي غزة كموئل لتنوع حيواني ونباتي فريد، تركزت جهود سلطة جودة البيئة والعديد من المنظمات الرسمية والأهلية في حماية هذه المنطقة والحفاظ على العديد من أنواع الكائنات النادرة أو المهددة.
وتنفذ برامج خاصة وحملات توعية لحماية بعض أنواع الطيور المهاجرة كطائر الفر، وعدم السماح بالصيد العشوائي للطيور، خاصة في مواسم تكاثرها. وهناك أيضاً برامج للتعليم البيئي، من خلال الزيارات الميدانية لطلاب المدارس على اختلاف مراحل تعليمهم، للإطلاع عن كثب على هذه المنطقة الرطبة وخصائصها ومراقبة الطيور.
ولعل المشكلة الأكثر ظهوراً في منطقة الوادي، التي تسعى سلطة جودة البيئة لتحويلها الى محمية طبيعية حقيقية، بعد الإعلان عنها رسمياً كمحمية، هي تراكم النفايات الصلبة والسائلة فيها، وتصريف المخيمات الوسطى لمياهها العادمة في مجرى الوادي. وقد نتجت عن ذلك مكاره صحية ومشاكل بيئية لا يزال مجتمع الوادي المحلي يعاني منها، خاصة تكاثر البعوض ولا سيما في فصل الصيف.
مشروع طموح
تطمح المؤسسات البيئية الفلسطينية، بما فيها سلطة جودة البيئة والاتحاد العام لجمعيات البيئة الفلسطينية غير الحكومية، لإدخال منطقة الوادي ضمن اتفاقية رمسار الدولية لحماية المناطق الرطبة. ويسعى الاتحاد، من خلال الجمعيات المنضوية تحت لوائه، لتحقيق هذا الطموح عملياً بالعديد من البرامج والمشاريع التي يتم تنفيذها. كما يطمح أهالي منطقة الوادي والمخيمات المحاذية لإيجاد طرق لمعالجة مياه الصرف الصحي التي تتجمع في الوادي، والاستفادة منها في مجالات الري، خاصة وأن الأراضي المجاورة للوادي هي من أخصب المناطق.
نفذت بعض المنظمات البيئية مشاريع هامة في منطقة الوادي، معظمها في مجال التوعية، للتعريف بأهمية المنطقة وضرورة حمايتها والحفاظ عليها. وكان لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) نصيب الأسد في تنفيذ هذه المشاريع ودعمها. ومنها مشروع تطوير وادي غزة، الذي يتم تنفيذه حالياً بتمويل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) وتشرف على تنفيذه سلطة جودة البيئة، بالتعاون مع هيئات حكومية وأهلية.
من ضمن المشروع تنظيف الوادي من النفايات الصلبة وردميات المباني، بمشاركة البلديات والمجالس المحلية. ويتم تنفيذه من خلال برنامج خلق فرص عمل، يشارك فيه أكثر من ألفي عامل على مدار فترة المشروع التي تمتد لسنتين ونصف سنة. كما يشمل المشروع تشجير المنطقة بنباتات أصيلة فيها، كالنخيل والزيتون، وإنشاء برك لتجميع المياه للمزارعين، وإقامة سدود وجسور لتسهيل حركة التنقل من منطقة إلى أخرى.
وأنشئت غرف خشبية لمراقبة الطيور تسهل على الدارسين والباحثين الوصول الى مناطق صعبة لم تكن متيسرة لهم من قبل. وتبلغ القيمة الإجمالية للمشروع نحو 3,4 ملايين دولار، من المتوقع أن تساهم جيداً في تغيير المنطقة لتحويلها الى متنزه وطني كبير.
تشجع مشاريع تطوير وادي غزة الاستثمارات السياحية والبيئية في المنطقة، وتساهم في إعادة بناء البنى التحتية فيها، وفق معايير الاستراتيجية الوطنية لحماية البيئة الفلسطينية والحفاظ على الطبيعة فيها. وهي تبشر أيضاً بتحقيق نتائج باهرة كمنطقة صالحة للزراعة إذا ما تم استثمارها بصورة صحيحة.
ويتطلع أهالي منطقة الوادي، وهم يرون التغيرات على الأرض، لتحسين مستوى معيشتهم في هذه المنطقة التي أصبحت محط اهتمام محلي ودولي.
أحمد برغوث، رئيس الإتحاد العام لجمعيات البيئة الفلسطينية غير الحكومية، المستشار الإعلامي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي للمشروع