الأمير تشارلز، ولي عهد بريطانيا المعروف باهتمامه وخبرته بالحدائق، هو الذي لفت انتباه الجمهور البريطاني الى جمال الحديقة الاسلامية. فقد عمل مع المهندس مايكل ميلر على تصميم حديقة شاركا بها في مباراة "أجمل حديقة" ضمن معرض تشيلسي للزهور في لندن عام 2001، وفازت بالميدالية الفضية. وقد دعيت "الحديقة السجادية"، اذ كانت مستوحاة من الألوان والتصاميم الهندسية لسجادتين في قصره الريفي في هايغروف، وأبرزت معالم اسلامية تقليدية كالماء والظل والعطر.

وشرح الأمير تشارلز فكرة الحديقة في كتيب تم توزيعه على زوار المعرض آنذاك. وفي ختام المعرض تم تفكيك الحديقة بعناية، وأعيد انشاؤها في هايغروف حيث يملك الأمير حدائق فائقة الخصوصية والجمال.

معرض تشيلسي للزهور كان له طابع خاص سنة 2004، اذ كرس لاحياء ذكرى مرور مئتي عام على تأسيس الجمعية الملكية للعناية بالحدائق التي تنظمه. وقد فازت بميداليته الذهبية حديقة أخرى ذات طابع اسلامي، صممها كريستوفر برادلي هول للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الامارات العربية المتحدة، المعروف باهتمامه البالغ بالحدائق والمنتزهات العامة ونشر الاخضرار في بلاده الصحراوية.

حديقة الشيخ زايد هذه فسحة هادئة تتداخل فيها الأشجار والشجيرات والأعشاب والماء والجدران والمقاعد بجمالية فنية. وضمن إطار من الأسيجة والأسوار الشجرية ساحة رائعة التناسق رصفت بحجارة البازلت الرمادية. ووفرت أيكة من ستة أشجار دلب مشذبة أفقياً ظلاً خيم على مصطبتين للتأمل وتناول الطعام وتبادل الأحاديث. وازدانت المساكب بورود رصعت امتدادات من الأعشاب المعمرة. وشكلت أسيجة من زجاج وسنديان عنصر تشويق آخر.

وفي نهاية مجاز رُكزت منحوتة رخامية متعددة الطبقات مستوحاة من امارة أبوظبي، وتمثل طبقاتها الأرض الأساسية والبيوت القديمة وحرفة صيد الأسماك والعمران والتنمية المعاصرين. الماء يجري عبر الموقع. وفي الواجهة الأمامية عكست البرك على صفحاتها الهادئة ظلال الأشجار، وفي الخلف جدار مائي عالٍ يتساقط كستارة شاعرية مثيرة.

معظم المتعة التي توفرها هذه الحديقة يعود الى كشفها عن مكنوناتها تدريجياً أثناء تجول الزائر في أرجائها. وهي تجمع بين الطابع "الأوروبي الحديث" والمعالم الحدائق المسورة التي كانت سائدة في أوائل العصر الاسلامي. الماء يجري عبر الفناء مشكلاً مع البرودة والظل والسكون ردات فعل لحر الصحراء وخلائها المكشوف. وهي تضم ستة عشر نوعاً من الورود وعدة أنواع من الأعشاب الزينية ومجموعة من الزهور الحولية والمعمّرة، وكلها تنشر اللون والعطر والحسن في الأرجاء.

منذ سنوات يستمتع اللندنيون بصفاء حديقة اسلامية صغيرة ضمن "حدائق تشاملي المتعددة الثقافات" في منتزه بورغيس، حيث يتحسس الزوار مجموعة من الأمزجة والأساليب الفنية في تصميم الحدائق الآسيوية والمتوسطية والأفريقية وغيرها. الحديقة الاسلامية، التي وصفت بأنها "جزء مسوَّر من الجنة"، مرصوفة بالفسيفساء وتضم بركة زنابق مائية ونخلة.

وفي مقاطعة ويلز، أنشئت حديقة اسلامية في مدرسة بيوتاون التي تضم نسبة كبيرة من التلاميذ المسلمين، بمساهمات من هيئة الاذاعة البريطانية (BBC) ورجال أعمال محليين. وبمساعدة الفنان أندرو بولتون، صمم التلاميذ نموذجاً فسيفسائياً للحديقة مستوحين نافذة زجاج ملون في مسجد البلدة. وأحيطت بخمس شجرات جديدة تمثل أركان الاسلام. وقد خصص جزء من الحديقة لنباتات عطرية بعضها ذات منشأ مشرقي، ووضعت فيها "أجراس رياح" استجابة لتقليد اسلامي يقضي بوجود أصوات عذبة في الحديقة يحدثها أيضاً جريان الماء. وفي الحديقة، التي أنجزت العام الماضي، أرضية مكسوة بالخشب خصصت للتعليم والاستراحة، يقول معلمو المدرسة ان الأطفال يحبون المكوث فيها.

الحدائق الاسلامية تشهد حالياً فورة في بريطانيا. ويقول جون بروكس، مصمم الحدائق الشهير، ان النظام والهدوء والروحانية في هذه الحدائق يمكنها أن تأتي بفائدة كبيرة للعالم الغربي الرازح تحت وطأة العمل والضجيج.

يعتبر معرض تشيلسي من أشهر معارض الزهور في العالم، بل ربما أشهرها. وهو يقام في لندن سنوياً لمدة أربعة أيام في شهر أيار (مايو)، وكان يعرف أصلاً بمعرض الربيع الكبير. وقد جذب معرض 2004 نحو 600 عارض و157 ألف زائر، وضم 52 حديقة من جميع الأشكال والأحجام والأذواق على مساحة 4,5 هكتارات.