احتلت الطاقة مرتبة متقدمة على جدول أعمال وزراء البيئة الذين اجتمعوا في المنتدى البيئي الوزاري العالمي الذي انعقد في دبي الشهر الماضي. وكان الهدف الرئيسي للمنتدى التحضير للدورة المقبلة لمؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة التي ستعقد في نيويورك في أيار (مايو)، هي ستركز أساساً على الطاقة.
المشكلة البيئية الأكثر تهديداً التي تواجه كوكب الأرض خلال هذا العقد، وهي تغير المناخ، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بقطاع الطاقة. فقد أدى اعتمادنا على الوقود الأحفوري واستخدامنا له بافراط خلال السنوات الـ150 المنصرمة الى تزايد كبير لغازات الدفيئة، وخصوصاً ثاني أوكسيد الكربون، مما يسبب تغيرات مناخية سريعة.
وعلى رغم ان موضوعي تغير المناخ والطاقة متلازمان، فقد قرر برنامج الأمم المتحدة للبيئة معالجة كل منهما على حدة. والفرق الرئيسي بين الموضوعين هو ان الحكومات استطاعت، في عملية تغير المناخ، التوصل الى اتفاق أو بروتوكول محدد، خصوصاً بروتوكول كيوتو، بينما ما زال عليها ان تتفق على سياسة طاقة مستدامة عالمية.
وقد تركزت مباحثات الطاقة خلال المؤتمر الوزاري في دبي حول أمن الطاقة وتغير المناخ ووصول البلدان النامية الى خدمات الطاقة. جميع المتكلمين تقريباً سلطوا الضوء على نظام الطاقة العالمي الراهن. وشدد الكثير منهم على أهمية الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة ونقل التكنولوجيا والابتكار، فضلاً عن تهديدات تغير المناخ. وقد سمعنا أيضاً وعوداً كثيرة من مختلف المندوبين من أنحاء العالم بجعل الأمور أفضل: فالسفن التي تدفعها الشمس، واستحداث سوق للطاقة المتجددة، وبرامج ضريبية للتشجيع على اجراء تحسينات تكنولوجية، وتحفيز القطاع الخاص لتطوير مصدر بديل للطاقة، هي بعض الأفكار.
إذا كانت جميع البلدان متفقة على الحاجة الى التصدي لظاهرة تغير المناخ وتوفير سبل الوصول الى الطاقة، فماذا بعد عقدين من المباحثات لم تكن الحكومات قادرة على الاتفاق حول سياسيات طاقة مستدامة؟
للاجابة عن هذا السؤال ليس على المرء إلا ان ينظر في النقاش الوثيق الصلة لبروتوكول كيوتو حول تغير المناخ الذي أصبح نافذاً في شباط (فبراير) 2005، بعد أكثر من 10 سنوات من المفاوضات. فقد كان هناك احتمال كبير بأن هذا البروتوكول لن يرى النور، خصوصاً بسبب موقف الولايات المتحدة، مدعومة ببعض الدول المصدرة للنفط واوستراليا واليابان، التي تحاول غاية جهدها اعاقة العملية واضعافها. حتى ان الولايات المتحدة، المسؤولة عن نحو 25 في المئة من انبعاثات غازات الدفيئة في العالم، انسحبت من بروتوكول كيوتو. البروتوكول ليس مثالياً، لكن النظام القانوني العالمي والأجيال المقبلة ستحدد ما اذا كانت المرحلة الثانية من هذه العملية طموحة بما يكفي للحد من تغير المناخ.
المجتمع المدني والطاقة
نظراً الى كل هذه التعقيدات في مفاوضات المناخ، كان المرء يتوقع نقاشاً أكثر جدية في موضوع الطاقة الذي هو نسبياً أكثر تعقيداً. فمفاوضات الطاقة لا تشمل فقط موضوع تغير المناخ، وانما تشمل أيضاً مواضيع الوصول الى الطاقة وأمن الطاقة والتنمية. وهي تتطلب التنسيق المباشر بين جميع المؤسسات الحكومية تقريباً. وهذا ما جعل الطلب الرئيسي للمنظمات غير الحكومية المشاركة في المنتدى السابع للمجتمع المدني العالمي، الذي عقد مباشرة قبل المفاوضات الوزارية، هو تعاون أكبر بين مختلف الجهات المعنية بالطاقة: وزراء الطاقة والبيئة والمالية، اضافة الى القطاع الخاص والمجتمع المدني.
خلال المباحثات الوزارية التي دامت ثلاثة أيام، لم يدعم إلا الاتحاد الاوروبي مسألة اعتماد سياسة طاقة مستدامة عالمية جديدة كخطوة الى الأمام. لكن موقف معظم البلدان العربية كان مخيباً للأمل. وعلى رغم ان المنطقة العربية ستتأثر كثيراً نتيجة تغير المناخ، فان البعض يرفضون اتخاذ اجراءات حاسمة. وكان هذا واضحاً في البيان الوحيد الذي صدر عن منظمة الأقطار العربية المصدرة للنفط أثناء المؤتمر، وشدد على ان التحول من الوقود الأحفوري الى الطاقة المتجددة سيؤدي الى خسارة 3 الى 5 في المئة من دخل هذه البلدان بحلول سنة 2010. وحتى لو كان هذا صحيحاً، ليس مقبولاً التضحية بكوكب الأرض ورفاه أكثر من نصف سكانه على قاعدة خسارة دخل صغير. فالحكومات التي تبالغ حالياً في الاعتماد على اقتصادات الوقود الأحفوري عليها ان تبادر الآن الى التنويع من حيث اقتصاداتها ومصادرها الطاقوية. كما يجب على الحكومات حول العالم ان تشارك في المسؤولية عن التأثيرات السلبية للنظام الطاقوي الحالي. ويجب على الدول المنتجة للنفط ان تضع جانباً جزءاً من أرباحها النفطية لتسهيل التحول من اقتصاد قائم على النفط الى اقتصاد قائم على طاقة أكثر استدامة. وتجدر الاشارة الى ان منظمات المجتمع المدني العربي لديها موقف متقدم حول هذه القضية، اذ دعت في بيانها الى المنتدى لاستخدام جزء كبير من فائض دخلها من النفط لاكتساب قاعدة تكنولوجية والاستثمار في تطوير مصادر الطاقة المتجددة. وطالب المجتمع المدني أيضاً بنظام ضرائبي متوازن يتعلق بأنواع الوقود الأحفوري، من شأنه ان يشجع على اعتماد طرق أنظف مع الحفاظ على مصالح المستهلكين والمنتجين في آن.
عندما مُنح أمين عام الأمم المتحدة كوفي أنان جائزة زايد للبيئة أثناء منتدى دبي، شدد في كلمته على أهمية التحول عن اعتماد العالم كلياً على النفط، وزعم ان ليس هناك سبب يمنع البلدان العربية الغنية بالنفط من الاستمرار في تأدية دور ريادي في قطاع الطاقة العالمي من خلال تصدير ما اسماه "ثورة الطاقات المتجددة". وقال: "ان باستطاعة البلدان الغنية بالنفط الاستثمار في تكنولوجيات حديثة وفي نقل التكنولوجيات الحالية الى البلدان الأفقر. وبذلك ستكون هناك مصلحة ذاتية محترسة وعلامة على التضامن مع أولئك الذين هم أقل ثراء".
النفط لن يدوم الى الأبد ويجب الحد من استخدامه لحماية المناخ. والكتابة هي على الجدار وحان الوقت الآن لاتخاذ قرارات حول مسار مختلف للتنمية الاقتصادية. والسعر الحالي للنفط، الذي قد يتعدى 100 دولار للبرميل، سيضطر بلداناً كثيرة مستوردة للنفط الى البحث عن مصادر طاقة بديلة. وحتى الولايات المتحدة التي هي أحد المستوردين الرئيسيين لنفط الشرق الأوسط أعلنت عن خططها للتقليل من "ادمانها" على النفط.
وليس سراً ان المنطقة العربية غنية بالاشعاعات الشمسية. وصحارى العالم العربي، حيث تضيء الشمس عملياً كل يوم من السنة، لديها طاقة شمسية كافية لامداد افريقيا والشرق الأوسط وأوروبا معاً. وهذه المنطقة يمكن ان تكون المزود الرئيسي للطاقة الشمسية في العالم، تماماً مثلما تؤدي طاقة الرياح هذا الدور في أوروبا. والتكنولوجيات الشمسية قابلة للتطبيق في كثير من المناطق حول العالم. والبلد الذي سيهيمن على السوق في المستقبل هو الأول الذي ينظر استراتيجياً الى المستقبل نظرة مستدامة اقتصادياً وبيئياً.
ومع ذلك، ما زال هناك أمل. فأثناء معرض "كهرباء الشرق الأوسط 2006"، الذي أقيم الى جوار منتدى البيئة، قالت مديرة المعرض ساره وودبريدج ان آخر تقديرات الطاقة تفيد بأن نحو نصف الطلب على الطاقة في الامارات العربية المتحدة سيأتي من مصادر طاقة متجددة بحلول سنة 2050. ويجري تنفيذ مشاريع طاقة متجددة، مثل محطات الطاقة الحرارية الشمسية، في أنحاء العالم العربي، بخطى بطيئة. اما الذي ما زالت تحتاج اليه البلدان العربية فهو وضع استراتيجية لتحقيق تحول حقيقي في الاقتصاد. وأخيراً، دعونا نأمل بأن تتخذ الحكومات في اجتماعات مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة المقبل خطوات ملموسة لصون كوكب الأرض واطلاق مؤتمر للطاقة والتنمية المستدامة برعاية الأمم المتحدة.
وائل حميدان مسؤول حملات "غرينبيس المتوسط"، شارك مع هيئات المجتمع المدني في نشاطات المنتدى الوزاري البيئي العالمي في دبي، وكتب هذا التعليق لـ"البيئة والتنمية".