للوهلة الأولى لا تبدو السفينة الحمراء مؤشراً للمستقبل. حتى مالكها يعترف بأن هيكلها الخارجي يحتاج الى طبقة من الطلاء وأجزاءها الداخلية الى عمليات تجديد. (لكن Elding أي البرق باللغة الأيسلندية) تحولت الى أول سفينة تجارية في العالم تسيَّر بالهيدروجين، في إشارة أخرى الى اندفاعة أيسلندا لتصبح أول دولة تحطم قيود الوقود الأحفوري.
زوار العاصمة ريكيافيك في أقصى شمال أوروبا يتذوقون طعم هذا المستقبل، من خلال رحلات مراقبة الحيتان على متن السفينة، أو استئجار احدى أوائل السيارات العاملة بالهيدروجين في العالم. وتحويل السفينة لتعمل بقوة الهيدروجين سيكون محصوراً في البداية باستعمال خلية وقود لتشغيل المحرك الذي يزودها بالاضاءة، لكن في مقابل 43 يورو للرحلة سوف يتسنى لمراقبي الحيتان سلام لم يسبق له مثيل.
عندما يشاهد طاقم السفينة حيتاناً في البحر، يوقفون المحركات الرئيسية عن العمل، ما يتيح للركاب سماع هذه الثدييات البحرية وهي تسبح وتنفث الماء في الهواء، في تجربة يقول مالك السفينة فينير سيغورسفينسون انها كانت تشوشها في الماضي قعقعة محرك الديزل المساعد في الأسفل. ويضيف: ''بعد تزويد السفينة بنظام الهيدروجين أصبحت عديمة الصوت تماماً، ما يجعل مشاهدة الحيتان في موئلها الطبيعي تجربة أكثر سحراً".
وإضافة الى إمتاع السياح الذين ينشدون رحلة أكثر رفقاً بالبيئة، فان السفينة التي تتسع لـ155 راكباً نقلت أيسلندا خطوة أقرب الى هدفها تحويل نظام النقل برمته الى الهيدروجين بحلول سنة 2050. ويرى جون بيورن سكولاسون، رئيس مشروع ''الطاقة الأيسلندية الجديدة" الذي تساهم فيه الشركات والهيئات الأكاديمية والحكومة التي ترعى العملية، أن السفينة سوف تظهر ما إذا كان الوقود الهيدروجيني يعمل في البحر، وهذا أمر أساسي إذا اعتزمت أيسلندا تحويل أسطول صيدها وهو من أكبر الأساطيل في العالم ليعمل بالطاقة النظيفة. ويضيف: ''أثناء الاختبارات التي سنقوم بها خلال سنتين أو ثلاث سنوات، سيكون مجتمعنا على استعداد جيد لتقبل هذه التكنولوجيا على نطاق أوسع".
ويبدو أن الأيسلنديين مستعدون لتقبل الهيدروجين كوقود. وقد أشار سكولاسون الى دراسة أظهرت قبولاً من الجمهور بنسبة 93 في المئة، وعزا ذلك الى قلة مآخذ الأيسلنديين نسبياً على هذا الغاز. أما في اليابان مثلاً، فيرتبط هذا الغاز أحياناً بمشاعر الجمهور إزاء القنابل الذرية، فيما يتذكر البعض في الولايات المتحدة كارثة المنطاد ''هيندنبرغ'' الذي احترق أثناء هبوطه عام 1937 ما أدى الى مقتل 36 شخصاً.
شيء مختلف
نظراً الى محدودية الامدادات العالمية من النفط والغاز وتعاظم المخاوف حيال انبعاثات غازات الدفيئة، فان السباق لايجاد وقود نقل ''أخضر'' مثالي يزداد إلحاحاً. وبما أن الهيدروجين يمكن صنعه من ماء عادي، ولا ينتج عند حرقه الا كهرباء وبخار ماء، يعتبره مؤيدوه مرشحاً رئيسياً. لكن إنتاجه من الماء يستهلك كهرباء. وقد أفادت دراسة الوكالة الدولية للطاقة عام 2005 أن 67 في المئة من كهرباء العالم ما زالت تأتي من مصادر أحفورية غير متجددة مثل الفحم والنفط والغاز.
يُستمد ثلثا الكهرباء في أيسلندا البركانية من مصادر متجددة، وتحديداً من أنهارها وشلالاتها الكثيرة وحرارة جوف الأرض الذي يغلي تحت سطحها. وهذا سمح للبلاد بأن تسلك مساراً جديداً في مجال اختبار الهيدروجين، حيث أصبحت لديها أول محطة تجارية للتزود بالهيدروجين في العالم عام 2003، وأول سيارات للاستئجار تعمل بالهيدروجين عام 2007.
هذا البلد الذي يقع في شمال الأطلسي، ولا يتعدى عدد سكانه 300 ألف نسمة، قطـع شوطاً كبيراً في اختبار الفرصة المتاحة للهيدروجين. ومن البلدان الأخرى التي تستكشف هذا الوقود الولايات المتحـدة واليابـان وكندا وألمانيا وفرنسا، لكن أيسلندا تتقدم الكثيرين من حيث النجاح الذي حققته على الأرض. فمحطة التزويد بالهيدروجين، التي خصصت أولاً لثلاث حافلات في مشروع تجريبي دعمه الاتحاد الأوروبي، فُتحت أمام السيارات عام 2007، وهي سوف تملأ خـزانات الوقـود في السفينة "إلدينغ".
المحطة التي باتت الآن واحدة من عشرات المحطات في العالم تبدو شبيهة بمحطات البنزين، لكنها موصولة بمصدر للماء وطاقة لفرز الماء الى عنصريه الأساسيين: الهيدروجين والأوكسيجين. ويتم تشتيت الأوكسيجين في الهواء، فيما يُضغط الهيدروجين ليضخ عبر الأنابيب مباشرة الى السيارات.
يقول سكولاسون: ''الهيدروجين مأمون عندما يُعامل باحترام، لكن ينبغي على الناس أن يتعلموا خصائصه المميزة. فقبل زمن ليس ببعيد كنت تشاهد الناس يدخنون أثناء تزويد سياراتهم بالوقود، والآن يعرف السائقون كيف يحترمون البنزين. نحن لا نقول ان الهيدروجين أكثر أو أقل خطراً من البنزين. هو شيء مختلف".
سيارات مستأجرة تعمل بالهيدروجين
تزامنت توسعة المحطة مع وصول عشر سيارات ''تويوتا بريوس'' معدلة خصيصاً الى العاصمة ريكيافيك في تشرين الثاني (نوفمبر) 2007. هذه السيارات، التي تشحن بطارياتها بواسطة محركات احتراق داخلي تعمل بالهيدروجين بدلاً من البنزين، ذهبت سبع منها الى شركات أيسلندية لاختبارها ضمن أساطيلها، فيما ذهبت ثلاث الى شركة ''هيرتز'' لتأجير السيارات التي توفرها لزبائن يرغبون في قيادة سيارات تعمل بالهيدروجين.
ويتوقع سكولاسون أن يرى 20 سيارة هيدروجينية على الطريق مع نهاية سنة 2008، وضعفي هذا العدد في منتصف 2010. وبحلول سنة 2025 أو 2035، يعتقد أن معظم سيارات أيسلندا ستعمل بالهيدروجين، لكن هذا يتوقف على وصول طرازات يكون ثمنها في متناول الجميع. وكان مشروع ''الطاقة الأيسلندية الجديدة'' أعد دراسة قبل سبع سنوات حول المدة التي تحتاجها أيسلندا لكي تتحول تماماً الى الطاقة البديلة، ويقول سكولاسون: ''نحن متأخرون عن الموعد بين 12 و18 شهراً. لكن إذا فكرت باطار زمني يمتد 50 عاماً، فهذا قليل جداً".
التحول التام يستغرق وقتاً، فهو يتطلب تغييرات في البنية التحتية، وسيارات هيدروجين بأسعار محمولة، اذ ان ثمنها الآن أغلى خمس مـرات من ثمن السيارات العادية، كما يحتاج في حالة أيسلندا الى تكنولوجيا شحن بحري قابلة للاستمرار. يقول دولف غيلن، كبير المحللين في وكالة الطاقة الدولية: ''الهيدروجين قد يكون مجدياً في مراقبة الحيتان، ولكن تعترضه تحديات في معظم عمليات الشحن، بسبب طول مسافات الابحار والحاجة الى تخزين كميات كبيرة من هذا الغاز''.