في العادة، توفر الدولة الكهرباء للمواطن في مقابل مبلغ شهري يدفعه. لكن ألمانيا فعلت العكس في 8 أيار (مايو) 2016 إذ دفعت لمواطنيها في مقابل استهلاك الكهرباء، بعدما أنتجت طاقة الشمس والرياح والمياه 87 في المئة من مجمل كهربائها

 

يوم الأحد في 8 أيار (مايو) 2016 سجلت ألمانيا رقماً قياسياً جديداً في توليد الكهرباء بالطاقة المتجددة. ففي الساعة الواحدة بعد ظهر ذلك اليوم المشمس الذي سادته رياح شديدة، كانت محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المائية وطاقة الكتلة الحيوية تنتج نحو 55 جيغاواط من أصل 63 جيغاواط يتم استهلاكها في البلاد، أي 87 في المئة.

في ذلك اليوم سجلت أسعار الطاقة قيمة سلبية لعدة ساعات، بحيث كان الزبائن التجاريون يتقاضون بدلاً في مقابل استهلاك الكهرباء.

بلغ معدل حصة الطاقة المتجددة في ألمانيا 33 في المئة من المزيج الطاقوي عام 2015، وفق تقرير مؤسسة «أغورا إنرجيفندي» الألمانية لأبحاث الطاقة النظيفة. ويتوقع أن ترتفع هذه النسبة قريباً حين تدخل محطات طاقة الرياح الجديدة مرحلة الإنتاج. وقال كريستوف بوديفلز المدير الإعلامي في «أغورا»: «تزداد حصة الطاقة المتجددة كل سنة، وقد تكيف نظام الطاقة مع ذلك جيداً. وما حدث في 8 أيار (مايو) يظهر مرة أخرى جدوى نظام ينتج كميات كبيرة من الطاقة المتجددة».

يرى بعض النقاد أن التقلب اليومي في إنتاج الطاقة المتجددة بين الذروة والحضيض، نتيجة سطوع الشمس واحتجابها واشتداد الرياح وهدوئها، سيبقي للطاقة المتجددة دائماً دوراً محدوداً في تزويد الكهرباء للاقتصادات الكبرى. لكن الأحداث تثبت تكراراً خطأ هذه النظرية. وتخطط ألمانيا لاستهلاك الطاقة المتجددة بنسبة 100 في المئة بحلول سنة 2050. وفي الدنمارك، تولد توربينات الرياح أحياناً كهرباء أكثر 140 في المئة مما تستهلك البلاد، ويتم تصدير الفائض إلى ألمانيا والنروج والسويد. وقد اعتمدت كوستاريكا كلياً على مصادر الطاقة المتجددة خلال 75 يوماً من العام الماضي.

وتخوض الشركات هذا المجال أيضاً. من ذلك أن المصنع العملاق لسيارات «تسلا» الكهربائية في ضاحية سان فرنسيسكو بولاية كاليفورنيا يعمل بالطاقة الشمسية حصراً. وتعهدت شركة «أبل» للإلكترونيات بأن تصبح مكتفية بالطاقة المتجددة. وتنتج متاجر «إيكيا» السويسرية العالمية 75 في المئة من كهربائها بطاقة الشمس والرياح، وصولاً إلى 100 في المئة سنة 2020.

لكن فائض الطاقة يوم الأحد ذاك في ألمانيا لم يكن كله بشرى سارة. فالنظام المعتمد ما زال غير مرن تجاه الاستجابة السريعة لمنتجي الطاقة ومستهلكيها لمؤشرات الأسعار. وعلى رغم أنه تم فصل محطات الطاقة العاملة على الغاز عن الشبكة في ساعات إنتاج الذروة، إلا أن المحطات العاملة بالطاقة النووية والفحم لا يمكن إيقافها بسرعة، ولذلك استمر تشغيلها، وتعين عليها أن تدفع لبيع الكهرباء إلى الشبكة طوال ساعات، في حين كسب زبائن صناعيون مثل مصافي النفط ومسابك المعادن المال عن طريق استهلاك الكهرباء.

خلال الأشهر المقبلة، سوف تضع الحكومة الألمانية خططاً للتحول عن الوقود الأحفوري وخفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بنسبة تصل إلى 95 في المئة بحلول سنة 2050. وجاء في مسودة المشروع أن انبعاثات غازات الدفيئة من قطاع الطاقة ينبغي خفضها إلى النصف بحلول سنة 2030 بالمقارنة مع مستوياتها في 2014.

ويستأثر قطاع الفحم بنحو 40 في المئة من الكهرباء التي يتم توليدها في ألمانيا، ويعتبر ركيزة مهمة لاستقرار إمدادات الطاقة مع تخلي البلاد عن الطاقة النووية وتوجهها إلى مصادر الطاقة المتجددة. وتدعو مسودة المشروع إلى توسيع قدرات الطاقات المتجددة بشكل أسرع مما يستهدف حالياً، وزيادة دعم الطاقة الشمسية، وزيادة كمية الطاقة التي تنتجها مصادر خضراء بنسبة 75 في المئة بحلول 2030.