تتولى مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية حالياً بناء ما ستكون أكبر محطة تحلية تعمل بالطاقة الشمسية في العالم، في مدينة الخفجي على ساحل الخليج في السعودية قرب الحدود مع الكويت. يجري العمل في هذا المشروع منذ العام 2011 استجابة لمبادرة الملك عبدالله لتحلية المياه بالطاقة الشمسية، التي تهدف الى تلبية جميع متطلبات التحلية الجديدة في المملكة بالطاقة المتجددة.
تواجه السعودية تحدياً ضخماً خلال السنوات العشرين المقبلة، إذ سيتضاعف طلبها على الكهرباء ثلاث مرات تقريباً. وهناك دافع رئيسي لازدياد الطلب على النفط المحلي هو ازدياد الطلب على المياه العذبة، التي تتطلب بناء محطات تحلية. ولدى السعودية أكبر منشآت محطات تحلية المياه في العالم، ما يمثل أكثر من 18 في المئة من الإنتاج العالمي. ويستخدم يومياً ما يقارب 1,5 مليون برميل من النفط محلياً لإنتاج الكهرباء والمياه المحلاة في أنحاء المملكة. ومن هذا المجموع، يستخدم نحو 11 في المئة لتلبية الاستهلاك المحلي والصناعي للمياه. أما المياه التي تستعمل للري فتأتي أساساً من الأحواض الجوفية. ويعتبر الاقتصاد في استهلاك النفط من أجل تصديره قضية حيوية للسعودية.
إدراكاً للتحديات، أنشأت السعودية مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة، المسؤولة عن إدارة انتشار هذين النوعين من الطاقة. ومن الأهداف الكبرى توطين صناعة المكونات الرئيسية من أجل الاحتفاظ بمعظم القيمة المحققة داخل البلاد. لكن خلق صناعة حقيقية يتطلب نقل التكنولوجيا والتعليم وزيادة الوعي الجماهيري، على سبيل المثال لا الحصر.
الخصائص الطبيعية والجغرافية للسعودية جعلتها من أفضل المناطق في العالم من حيث كمية الإشعاع الشمسي. وبناء على بيانات وكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، فان السعودية هي «المكان الثاني على الأرض من حيث قوة السطوع الشمسي» بعد صحراء أتاكاما في تشيلي، ويصل مستوى الاشعاع الشمسي على الخط الساحلي للبحر الأحمر شمال جدة إلى 8,6 كيلوواط ساعة على المتر المربع في اليوم. مستويات الاشعاع المرتفعة هذه مهمة لضمان الجدوى الاقتصادية لاستخدام الطاقة الشمسية. وتهدف مبادرة الملك عبداللـه إلى إنتاج مياه عذبة بكلفة تقل عن 1,5 ريال سعودي (0,4 دولار) للمتر المكعب، أي أقل من نصف الكلفة الحالية لإنتاج المياه العذبة حرارياً بحرق الديزل أو بطريقة التناضح العكسيReverse Osmosis) ). لذلك يشكل التحول الى تكنولوجيا خضراء لزيادة قدرة تحلية المياه انطلاقة استراتيجية لمستقبل البلاد.
مشروع الخفجي، المتوقع إنجازه بحلول سنة 2014، هو المرحلة الأولى من مبادرة الملك عبدالله لتحلية المياه. وبقدرة 30 ألف متر مكعب من المياه في اليوم، ستكون هذه أكبر محطة تحلية تعمل بالطاقة الشمسية في العالم، وسوف تلبي احتياجات نحو 100 ألف مقيم في مدينة الخفجي من المياه العذبة. يجمع المشروع تكنولوجيتين: الأولى، ألواح فوتوفولطية مسطحة مصنوعة من السيليكون المتعدد البلورات، مركبة على أجهزة تتبع مزدوجة المحور لزيادة إنتاج الطاقة. والثانية، ألواح فوتوفولطية فائقة التركيز، مركبة أيضاً على أجهزة تتبّع مزدوجة المحور. ألواح السيليكون المتعدد البلورات، التي هي أقدم وأرسخ تكنولوجيا، سوف تشكل معظم المنشأة التي تبلغ قدرتها 10 ميغاواط، على أن تنشر بعض نظم الألواح الفوتوفولطية الفائقة التركيز لأغراض اختبارية. وتصنع ألواح السيليكون في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، في حين تستخدم في الألواح الفوتوفولطية الفائقة التركيز أحدث تكنولوجيا تم تطويرها من قبل مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ومركز الأبحاث التابع لشركة أي بي إم في يوركتاون هايت بولاية نيويورك الأميركية. وتبلغ كفاءة ألواح السيليكون 14 في المئة، في حين تبلغ كفاءة الألواح الفوتوفولطية الفائقة التركيز أكثر من الضعفين. وأحد أسباب استعمال ألواح السيليكون لتوليد معظم الكهرباء في المشروع هو أن موقع الخفجي يتمتع بكمية أكبر من الإشعاع الشمسي الأفقي العالمي، ومستوى منخفض من الإشعاع الشمسي المباشر. وبإمكان الألواح الفوتوفولطية الفائقة التركيز أن تحول الإشعاع الشمسي المباشر فقط، في حين تحول ألواح السيليكون الإشعاع الشمسي العالمي الذي هو مزيج من الإشعاع المباشر والإشعاع المنتشر.
سوف يستخدم مشروع الخفجي الكهرباء الفائضة المولدة شمسياً في النهار لتغذية شبكة الكهرباء. وفي الليل، يتم الحصول على الكهرباء من الشبكة. وبذلك لن تكون هناك حاجة إلى تخزين الطاقة، كما أن الاختلاف في إنتاج الكهرباء بسبب تقلبات أحوال الطقس أثناء النهار لن يؤثر في تشغيل المحطة أو في وضعها الاقتصادي. وسوف يستعمل نحو 1500 جهاز تتبع، تحمل الألواح الشمسية، حيث يتم تعيير كل لوح شمسي على 240 واط في ظروف اختبار قياسية. وقد استوفت ألواح السيليكون هذه متطلبات الترخيص الضرورية، وهي مصممة لتدوم 25 سنة، على أن تتعرض لحد أدنى من التردي في ظروف تتراوح الحرارة المحلية أثناءها بين 40 درجة تحت الصفر و90 درجة مئوية. وتوصل الألواح بمحولات مركزية لتحويل التيار المباشر المولد من الألواح الى تيار متردد يمكن تغذية الشبكة به.
سوف تتم تحلية المياه من خلال تنفيذ تكنولوجيا نانوية متقدمة للتناضح العكسي طورتها مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ومركز الأبحاث التابع لشركة أي بي إم. هذه التكنولوجيا تقاوم بشكل كبير ترسب الكلور والانسداد الملحي والدفق العالي وتراكم البكتيريا. وتمت تسمية الغشاء الجديد "i-Phobe"لتركيبته الكيميائية الفريدة المكونة من أيونات نابذة للماء، ما يمكنها من أن تتغير جذرياً عندما تستعمل في ظروف مختلفة، فتتحول الى أيونات تألف الماء. وقد تم تطوير الغشاء النانوي الجديد لكي ينقي الماء بكفاءة من الأملاح والمواد السامة بدفق عال، إضافة إلى مقاومة ترسب الكلور ومنع تراكم البكتيريا.
توفر المرحلة الثانية من مشروع التحلية بالطاقة الشمسية 300 ألف متر مكعب من المياه العذبة في اليوم. ويجري اختيار الموقع واختبار الألواح الفوتوفولطية الفائقة التركيز في الساحل الغربي للسعودية، حيث الإشعاع الشمسي العالي هو أكثر جدوى لهذا النظام. وستنفذ التحلية بالطاقة الشمسية على نطاق كامل في أنحاء المملكة. ومن المقرر إنجاز المرحلتين الثانية والثالثة سنة 2032، وسوف تكون الخبرة والدروس المستفادة من المشروع الأول مفتاح النجاح لهذه المبادرة الطموحة.
الرؤية الهادفة إلى استغلال الطاقة الشمسية في السعودية لتحلية المياه هي مؤشر واضح على أن اللجوء إلى الحلول الخضراء والمستدامة أصبح حاجة عالمية ملحة، حتى في البلدان الغنية بالنفط.
الدكتور حسام خنكار باحث في معهد بحوث الطاقة في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، الرياض، السعودية.