تقبع مملكة بوتان في أحضان جبال هملايا بين جبارين هما الصين والهند. لكن هذا البلد الصغير والفقير، الذي لا يربو عدد سكانه على 705 آلاف نسمة يتمتع بمكانة خاصة لدى أنصار البيئة، فهو ليس فقط بلداً محايداً كربونياً، بل هو أيضاً خزان للكربون.
بوتان من البلدان القليلة جداً على الأرض التي يمكنها التفاخر بأنها خزان للكربون، أي أن لديها انبعاثات كربونية «سلبية». وهذا يعني أن غاباتها تمتص كمية من ثاني أوكسيد الكربون كل سنة تفوق ما تنفثه مصانعها ومركباتها ومصادر التلوث الأخرى فيها.
وجاء في تقرير لشركة ProudlyCarbonNeutral البريطانية العاملة في مجال مقايضة انبعاثات الكربون: «وفق أرقام حديثة، تنفث بوتان نحو 1.5 مليون طن من الكربون سنوياً، في حين تمتص غاباتها أكثر من 6 ملايين طن». وعلى رغم هذه الأرقام المذهلة، تريـد بوتان بذل المزيد وبناء اقتصـاد أخضر مستدام. فهي تخطط لبلوغ بعض الأهداف البيئية التي لا تحلم بها بلدان أخرى، مثل تحقيق «صفر انبعاثات صافية» و«صفر نفايات» بحلول سنة 2030، وإنتاج غذاء عضوي 100 في المئة بحلول سنة 2020. هذه أهداف قابلة للتحقيق في بلد تغطي الغابات 72 في المئة من مساحته ويلزمه الدستور بأن يبقى على الدوام مغطى بالأحراج بنسبة 60 في المئة على الأقل.
كذلك تنعم بوتان بالطاقة المائية التي توفرها الأنهار المتدفقة. ولو استغلت نصف هذه الطاقة المتوافرة لأمكنها مقايضة 50 مليون طن من ثاني أوكسيد الكربون سنوياً، أي نحو الكمية التي تستهلكها مدينة نيويورك في سنة.
عام 2009، تعهدت بوتان بالبقاء محايدة كربونياً على الدوام. وهي تحرص على استخدام جميع الموارد بعناية بالغـة، التزاماً بمبدأ أن التنمية يجب أن تترافق مع القيم، وأن النمو الاقتصادي يجب ألا يقوض الثقافة ولا البيئة، وأن الفن والهندسة والطبيعة والغذاء هي «أشياء صغيرة تمنح السعادة» ويجب تكريمها وحمايتها.
ويعتنق معظم أهل البلد البوذية، التي تعطي الأشجار أهمية خاصة وتعتبرها معيل الحياة ورمز طول العمر والصحة والجمال والرأفة. واحتفاء بولادة الطفل الأول للملك خيسار والملكة جيتسون في آذار (مارس) 2016، زرعت كل أسرة في بوتان شجرة، أي ما مجموعه 82 ألف شجرة على الأقل، في حين زرع متطوعون 26 ألف شجرة أخرى في أنحاء البلاد تيمناً بولادة ولي العهد.
بوتان الفقيرة لا تقيس نجاحها على أساس ناتجها الوطني الإجمالي الذي لا يتجاوز بليوني دولار سنوياً، بل على «السعادة الوطنية الإجمالية». فهي لا تركز فقط على المؤشرات الاقتصادية، بل تعطي الجوانب غير الاقتصادية للحياة أهمية مماثلة.
التعليم والطبابة مجانيان في بوتان. وأورد موقـع SantaCruzSentinel الإخباري أن «مؤشر السعادة الوطنية الإجمالية في بوتان يعطي العالم الطبيعي حـيزاً مركزيـاً عند صنع السياسات العامة، وحماية البيئة هي مبدأ توجيهي أساسي في دستور بوتان».
من المبـادرات الحكوميـة في بـوتان توفير الكهرباء مجاناً للمزارعين الريفيين بحيث يقلعون عن استعمال الحطب لطهي الطعام، والنقل المستدام في مركبات كهربائية مدعومة، وتقديم مصابيح LED موفرة للطاقة، وزراعة الأشجار، والحفاظ على المناطق المحمية. وهذه المناطق الطبيعية مترابطة بواسطة شبكة «ممرات بيولوجية» تُمكن الحيوانات البرية من التجوال بحرية عبر البلاد، ويمنع فيها الصيد والتعدين.
ولتنفيذ هذه البرامج، تسعى بوتان إلى تنفيذ خطة للمساعدات المالية مدتها 15 عاماً، لإرساء آلية تمويل تمكن الحكومة في النهايـة من تدبر جميع النفقات. وهي تعوّل في ذلك على كونها «خزان كربون»، وشريكها حالياً الصندوق العالمي لصون الطبيعة (WWF)، وهي قريبة من بلوغ هدفها.
تخطط بوتان أيضاً لتقليل اعتمادها على الطاقة المائية والكهرباء المستوردة في الشتاء، وتنظر إلى الشمس والرياح والكتلة الحيوية كمصادر طاقة بديلة. وعقدت الحكومة مؤخراً شراكة مع شركة «نيسان» لتزويد البلاد بآلاف السيارات الكهربائية.
بـوتان بلد يتأثـر بتغيـر المنـاخ، لكنه يكافـح ليبقى محـايداً كربونياً في عالم ما زال غالباً يعتبر النمو الاقتصـادي أهم من البيئة.