سيدة شابة في عجلون بعثت فيها أجواء المراعي روح التحدي والإبداع فأنشأت عملاً يستمد نموه من خصب الأرض ومن المشاركة التي تعتبرها طريق التغيير
شعور سريع بالإعجاب يتملك المرء حين تتحدث نسيبة المومني بحرارة وحماسة عن ذلك الميل الشديد الذي نشأ في أعماقها مبكراً لإحداث تغيير في مجريات الحياة حولها. وهي لا تتوانى عن القول بصراحة: «أردت أن أخرج من قوقعة الفقر وأعمل شيئاً مستمراً ومفيداً».
قد لا يتبادر إلى الذهن للوهلة الأولى أن هذه الشابة العجلونية الناحلة ابنة الثمانية والعشرين عـاماً، التي تتمتع بجمال هادئ تعززه ثقة كبيرة بالنفس، تحمل ذلك الاندفاع والقدرة على مواجهة تحديات العمـل في مجتمع محافظ. لكنها، وإن تكن واحدة من أربعة عشر ولداً لأسرة فقيـرة، امتلكت قدرة على التفكير بصورة مختلفة كما تقول. وإذ تتذكر سنوات حياتها الأولى تقول: «كنت أسرح بالغنم مع والدي»، وتبتسم مضيفـة أن تلك كانت فتـرة صفاء ذهني.
زرع نباتات برية
كان إحياء عدة دونمات من الأرض، بزراعتها نباتات طبية وعطرية، كافياً لبعث نشاط زراعي يستمد من طبيعة المنطقة قدرة على النمو المستدام. وعجلون الجميلة، كما توصف، تقع شمال غرب العاصمة الأردنية عمّان، وتتميز بطبيعتها الخلابة وبمخزون من غابات السنديان والبطم تمتد عبر تضاريس متنوعة عززت تنوع إنتاجها الزراعي في ظل ظروف جوية معتدلة.
أنشأت نسيبة المومني جمعية الكفاح التعاونية عام 2004، وكانت في التاسعة عشرة من العمر. واتجهت لزراعة الأعشاب الطبية والعطرية في ما أطلق عليه «مشروع الياسمين» الذي يشكل محوراً رئيسياً في أنشطة الجمعية. وقد تلقت الفتيات والنساء الأعضاء في الجمعية تدريباً من برنامج تعزيز الإنتاجية (إرادة) بالإضافة إلى معلومات توفرها وزارة الزراعة. وكان هدف المشروع بالدرجة الأولى إحياء هذا النشاط الزراعي لمواجهة اضمحلاله، خصوصاً مع انقراض أنواع من الأعشاب التي كانت تنمو في جبال المنطقة. وتذكر المومني أن بعض المخازن التجارية كانت تبيع أعشاباً مستوردة سيئة النوعية، على رغم توافرها في جبال عجلون. وربما كان ذلك ما دفعها إلى إعادة زراعة هذه النباتات بطريقة سليمة واعتماداً على المعرفة التقليدية المتوارثة، ومنها الزعتر والميرمية والبابونج والحصلبان والشيح والمليسة والخزامى والمردقوش.
كانت البداية عام 2007 باستئجار قطعة أرض بمساحة ستة دونمات في بلدة عجلون لزراعة الأعشاب الطبية والعطرية. وفي 2008 حصلت الجمعية على منحة من وزارة التخطيط والتعاون الدولي شملت أربع خيم زراعية بلاستيكية ونظـام ري بالتنقيط. وبـدأ بيع الإنتاج عام 2009.
وفي فترة لاحقة، منحت وزارة الزراعة الجمعية عشرة دونمات لزراعتها. وتبع ذلك حصولها عام 2012 على عشرة دونمات أخرى ضمن مشروع التشجير الوطني، تمت زراعتها بشتول أشجار حرجية من سرو وبلوط وبطم ولزاب وغار.
وبهدف نشر زراعة الأعشاب الطبية والعطرية، عملت الجمعية على تشكيل تجمع إنتاجي في أنحاء محافظة عجلون، قام بالبحث عن أراض غير مستغلة وإعطاء أصحابها شتولاً مجانية لتشجيعهم على الزراعة. وهي تشتري المنتجات بأسعار السوق وتبيعها بربح بسيط. وتتولى الجمعية أيضاً من خلال مركزها تجفيف المنتجات وتعبئتها وتغليفها.
زراعة عضوية وإشراك النساء
تقول المومني إنها استطاعت دعم البنية التحتية للمشروع بعد حصولها عام 2011 على جائزة الملك عبدالـله الثاني للإنجاز والإبداع الشبابي عن مشروعها الزراعي. وجاء الفوز في وقت بدأ العمل في الجمعية بإدخال الزراعة العضوية بعد الحصول على شهادة اعتماد من المؤسسة السويسرية المختصة (IMO)Institute of Marketecology. ولتشجيع المشاركين، وفرت لهم الجمعية التدريب والماء والبذور والمبيدات والمعدات، بالإضافة إلى تجهيز الأرض. وبدأ إنتـاج فواكه وخضر وبقول وزيوت تجد الآن طريقها إلى الأسواق.
هناك الآن ثلاثون قطعة أرض خصصت للزراعة العضوية، بما فيها زراعة الأعشاب الطبية والعطرية، في عدد من قرى عجلون، تديرها نساء من أعضاء الجمعية، إلى جانب عدد آخر من الدونمات يملكها أفراد من المجتمع المحلي. وهذا ما جعل جمعية الكفاح مركزاً للزراعة العضوية.
تتحدث المومني كثيراً عن التحديات التي تواجه العمل، لكنها تشير بإيجابيــة كبيرة إلى مشـاركة المرأة في الأنشطة الزراعية كافة. كان عدد النساء عند تأسيس الجمعية 11 سيدة، فصار الآن 58، يشاركن أيضاً في قطف الأعشاب البرية الذي يجري عـادة في شهـري آذار (مارس) ونيسان (أبريل).
تحرص إدارة الجمعية على أن يتم قطف الأعشاب بأسلوب يحافظ على نموها المستدام، كما تعمل على وضع نظام لتحديد أماكنها من أجل حمايتها. وترى المومني، وهي الحائزة أيضاً على جائزة «فرسان التغيير» للعام 2009، أنه لا بد من تغيير عادات دأب الناس على ممارستها في القطف وتصفها بأنها «عشوائية». لذلك تعقد الجمعية ورشات تدريبية للتوعية بأهمية هذه الأعشاب وطرق قطفها والحفاظ عليها.
بالقرب من قلعة الربض التاريخية التي تشرف على أرض عجلون الخضراء، تعرض جمعية الكفاح منتجاتها في أحد المتاجر الصغيرة والأنيقة التي يؤمها الزوار من كل مكان. وبينها منتجات غذائية متنوعة لمشاريع منزلية تتيح فرص عمل وتدر دخلاً على المشاركين فيها.
لا تتوقف أحلام نسيبة المومني، فخطة الجمعية المستقبلية تتحدث عن مشاريع جديدة، منها إنشاء خلايا نحل في المزارع العضوية، ومشروع لتصنيع أسمدة عضوية.