الدخان والسخام والأبخرة الخانقة في المدن والمناطق الصناعية، والمطر الحمضي الذي يدمر الغابات، مشاكل يجري تذليلها بشكل مدروس وتطبيقي في ألمانيا، عبر استراتيجية مكافحة ملوثات الهواء التي اعتمدتها الحكومة. فالقيود التي فرضت على انبعاثات محطات الطاقة والمصانع ووسائل النقل، وحتى على أنظمة التدفئة المركزية في المنازل، حققت نتائج ملموسة. وانخفض التلوث الكبير من أفران الصهر والمصانع العاملة على الفحم في شرق ألمانيا، من خلال تنفيذ البرامج التصحيحية.
وتستمر الحكومة في وضع مقاييس طموحة تفتح المجال للاستفادة من التطورات التكنولوجية المتقدمة، خصوصاً وأن سياسة مكافحة تلوث الهواء تنفذ بشكل متزايد على مستوى الاتحاد الأوروبي.
خفض الأوزون الأرضي
ليست عمليات الاحتراق وحدها هي التي تلوث الهواء، فهناك أيضاً غاز الأوزون الذي يتكثف على مستوى سطح الأرض مشكلاً ما يسمى الضباب الدخاني. في طبقة الجو العليا، للأوزون تأثير واق من أشعة الشمس الضارة، لكن عندما يكون قريباً من الأرض فانه يضر بصحة الانسان والنبات. وقد أطلقت الحكومة الألمانية عام 2000 حملة تدابير لمكافحة الضباب الدخاني، تتضمن 17 إجراء دائماً لتخفيض انبعاثات المواد التي يتشكل منها الأوزون، وهي أكاسيد النيتروجين والمواد العضوية المتطايرة، الصادرة بشكل رئيسي عن وسائل النقل واستعمال المذيبات.
وأهم التدابير التي اتخذت هي الآتية:
فرض على شاحنات البضائع الثقيلة رسم مرور على الطرق، على أساس المسافة التي تقطعها. كما أخضعت الدراجات النارية لتحليل الانبعاثات الصادرة عن عوادمها.
واشترط مزيد من التخفيض لانبعاثات المواد العضوية المتطايرة (VOC) عند تعبئة السيارات بالوقود. ففي تشرين الثاني (نوفمبر) 2001، أقرت الحكومة تعديلاً لما يسمى "قانون أنبوب الشفط" يلزم محطات الوقود تركيب جهاز مراقبة يكشف أي عيوب في أنظمة ارتجاع الوقود (المعروفة بأنابيب الشفط) التي كانت اعتمدت عام 1993. وينبّه الجهاز عمال محطة الوقود الى العطل الحاصل، ويوقف عملية الضخ تلقائياً اذا لم يصحح العطل خلال 72 ساعة.
وبدأ تطبيق الأمر التوجيهي الأوروبي الخاص بمذيبات المواد العضوية المتطايرة، مع اعتماد التدريب المتقدم في المهن التي تستخدمها. وبنتيجته ستهبط انبعاثاتها في الصناعات التي تستخدم المذيبات بنحو 20 في المئة مع حلول سنة 2007. كذلك اعتمدت مبادرات متنوعة على مستوى الاتحاد الاوروبي، ومنها: أولاً، المعالجة اللاحقة لغازات العادم في المركبات التجارية الثقيلة المسيَّرة بمحرك ديزل (مثلاً، باستخدم المحولات الحفازة "دينوكس" ومصافي الجزئيات). ثانياً، تضييق الحدود القصوى لانبعاثات غازات العادم في الدراجات النارية. ثالثاً، فرض ضريبة عالية على الكيروسين. رابعاً، فرض رسوم على هبوط الطائرات ورسو السفن مرتبطة بكمية الانبعاثات الصادرة عنها. خامساً، وضع ملصقات واضحة ودقيقة على المنتجات المحتوية على مواد عضوية متطايرة، وتقييد محتوى هذه المواد. سادساً، تخفيض الانبعاثات من الأجهزة المتحركة والماكينات والمحركات الصغيرة.
وأدخلت تسهيلات مختلفة لترويج استخدام النقل العام، وتشجيع نقل البضائع بواسطة السفن والقطارات.
حققت هذه الاجراءات تحسناً ملحوظاً. وكانت مستويات الأوزون الأرضي انخفضت نحو 25 في المئة خلال السنوات العشر الماضية، وسيعجل البرنامج الجديد تخفيض انبعاثات أكاسيد النيتروجين والمركبات العضوية المتطايرة المكونة للاوزون، لتتقلص 40 في المئة بحلول سنة 2010 (أي بانخفاض نحو 70 في المئة عن مستويات 1990).
في السنوات الأخيرة، بلغت مستويات تركيز الأوزون القصوى في ألمانيا 250 ميكروغراماً في المتر المكعب. وحالياً تعطى تحذيرات من التلوث بالأوزون ابتداء من 180 ميكروغراماً في المتر المكعب. ويمكن اتخاذ اجراءات خاصة لمكافحة تلوث الهواء ابتداء من مستوى 240 ميكروغراماً فما فوق. ومع نهاية هذا العقد، يتوقع أن تكون المستويات القصوى خلال صيف عادي أقل من 200 ميكروغراماً في المتر المكعب.
كادر
ما هو الضباب الدخاني؟
مصطلح الضباب الدخاني أو "الضبخان" (smog) صيغ قبل أكثر من ثلاثين سنة لوصف خليط من الدخان (smoke) والضباب (fog) في الهواء. وتشير هذه العبارة حالياً الى مزيج ضار من الملوثات يمكن مشاهدته غالباً في شكل ضباب. وهو يجعل التنفس أكثر صعوبة ويمكن أن يجعلنا أكثر تعرضاً لأمراض القلب والرئتين.
المكون الرئيسي للضباب الدخاني الذي يؤثر على صحتنا هو الأوزون الأرضي. وهذا غاز لا لون له، يتكون فوق سطح الأرض مباشرة عندما يتفاعل ملوثان رئيسيان في ضوء الشمس والهواء الساكن، هما أكاسيد النيتروجين والمركبات العضوية المتطايرة التي تأتي من مصادر طبيعية ومن أنشطة الانسان. وتنتج أكاسيد النيتروجين غالباً بحرق الوقود الأحفوري. أما المركبات العضوية المتطايرة فهي غازات وأبخرة تحتوي على كربون، مثل أدخنة البنزين (لكن يستثنى منها ثاني أوكسيد الكربون وأول أوكسيد الكربون والميثان ومركبات الكلوروفلوروكربون).
الانسان مسؤول عن الزيادات التي طرأت على الأوزون الأرضي في السنوات الأخيرة. فحوالى 95 في المئة من أكاسيد النيتروجين الناتجة عن نشاط الانسان تأتي من حرق الفحم والغاز ومشتقات النفط في السيارات والمنازل والمصانع ومحطات الطاقة. والمركبات العضوية المتطايرة تأتي أساساً من احتراق الوقود ومن تبخر المحروقات السائلة والمذيبات.
الأوزون الأرضي يؤثر على جهاز التنفس ويسبب التهاباً في المجاري الهوائية يمكن أن يستمر 18 ساعة بعد أن يتوقف التعرض له. وقد يسبب سعالاً وصفيراً وضيقاً في الصدر، ويفاقم تأزمات القلب والرئتين. وثمة أدلة على أن التعرض للأوزون يزيد حساسية المصابين بالربو. وهو لا يؤثر فقط على صحة الانسان، وانما يتلف النباتات ويخفض انتاجية بعض المحاصيل ويساهم في تدهور الغابات. ويمكنه أن يتلف المواد المصنَّعة ويشقق المطاط ويعجل تلاشي الأصباغ وتلف الطلاءات والبطانات والمنسوجات.
وفي الهواء أيضاً جزئيات (particles) تبقى معلقة فيه لبعض الوقت. وهي تنبعث طبيعياً في شكل غبار وأتربة ورذاذ ملحي بحري ولقاح وأبواغ، كما تتشكل عن طريق تفاعلات كيميائية لأكاسيد النيتروجين وثاني أوكسيد الكبريت والمركبات العضوية المتطايرة والأمونيا. والجزئيات تعطي الضباب الدخاني لونه وتؤثر على الرؤية. وهي دقيقة الى حد يمكن استنشاقها، وقد تنفذ الى عمق الرئتين فتشكل خطراً كبيراً على الصحة.
يحتوي الضباب الدخاني على ملوثات أخرى، منها ثاني أوكسيد النيتروجين وهو غاز سام مهيّج ينتج من جميع عمليات الاحتراق، وأول أوكسيد الكربون وهو غاز عديم اللون والطعم ويأتي أساساً من انبعاثات السيارات. كما يحتوي على ثاني أوكسيد الكبريت، وهو غاز عديم اللون له رائحة شبيهة برائحة عيدان الثقاب المحترقة. والمصادر الرئيسية لثاني أوكسيد الكبريت في الهواء هي محطات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم وأفران صهر الخامات غير الحديدية. وثاني أوكسيد الكبريت هو أيضاً مسبب رئيسي للمطر الحمضي الذي يمكن أن يتلف المحاصيل والغابات وأنظمة ايكولوجية بأكملها.
الأشخاص الذين يتعرضون لخطر الضباب الدخاني أكثر من غيرهم هم المسنون، والمصابون بأمراض القلب والرئتين، والأطفال لأنهم يتنفسون أسرع ويمضون وقتاً أطول حافلاً بالنشاط خارج المنزل. حتى الشبان الأصحاء يتنفسون بجهد أكبر في الأيام التي يكون الهواء خلالها شديد التلوث، خصوصاً اذا كانوا يمارسون الرياضة خارج المنزل.