عودة الى المائدة العائلية والطعام التقليدي وفن الطبخ العريق

رداً على هجوم الوجبات السريعة (فاست فود) التي تفرض ذاتها بازدياد على الجهاز الهضمي لكثيرين حول العالم، وعلى أذواقهم، أسس عالم الاجتماع الايطالي كارلو بيتريني حركة ''الوجبة البطيئة'' (سلوفود) عام 1986، للعودة الى مائدة لذيذة مضيافة تجمع العائلة حول أطباق تقليدية محضرة باتقان من منتجات طبيعية.

يقع المقر الرئيسي للحركة في مدينة برا في اقليم بيدمونت شمال ايطاليا، ولها مكاتب في سويسرا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة واليابان. وهي تناهض توحيد مقاييس الذوق وتطالب بتوفير معلومات تفصيلية للمستهلكين عن المواد الغذائية، وتعمل على حماية الأطعمة التقليدية والتقنيات الزراعية والتصنيعية المتوارثة.

تحولت هذه الحركة الفلسفية الغذائية، التي تتخذ من الحلزونة شعاراً لها، الى حركة دولية ابتداء من العام 1989، وباتت تضم أعضاء في نحو 115 بلداً، ينتظمون في مجموعات محلية ويشاركون في دورات تدريبية ومسابقات وحفلات عشاء ونشاطات سياحية لتذوق الأطعمة التقليدية. وتقيم الحركة معارض من أجل الترويج لقضيتها، ومنها ''صالون دبلغوستو'' أحد أكبر معارض الطعام الفاخر في العالم الذي يقام مرة كل سنتين في تورينو الايطالية، ومعرض الجبن الذي يقام مرة كل سنتين في برا، ومعرض ''سلو فيش'' السنوي في جنوى والمكرس لصيد الأسماك بطرق مستدامة. وفي عام 2003 أنشأت الحركة ''مؤسسة سلوفود للتنوع البيولوجي'' لتمويل وتنفيذ مشاريع تدافع عن التراث الزراعي والتقاليد الغذائية في العالم.

تصف الحركة نفسها بأنها ''جماعة تتعاطى فن حسن الأكل'' ضمن الحركة البيئية، ويشير اليها البعض على أنها ''الجناح المطبخي للحركة المناهضة للعولمة''. وقد افتتحت عام 2004 جامعة لعلوم حسن الأكل في مدينة بولينزو باقليم بيدمونت،تقدم مناهج واختصاصات لترويج الوعي بأنواع الطعام والتغذية الجيدة. وأنشأت عام 2005 جامعة العلوم المطبخية في مدينة بوليتسانو. وأحدث مبادراتها منتدى ''تيرا مادري'' (الأرض الأم) الدولي السنوي الذي يجمع صانعي وموزعي ومروجي المنتجات الزراعية والحيوانية التقليدية بطرق تراعي البيئة والكرامة الانسانية وتحمي صحة المستهلكين. ويعمل مؤسس الحركة كارلو بيتريني، البالغ من العمر 56 عاماً، على التحضير لمنتدى تيرا مادري الثاني في تشرين الأول (اكتوبر) 2006 في تورينو بمشاركة ألف طباخ، كما يستعد لتدشين أول كلية دولية للمطبخ البيئي الريفي في جامعة بوليتسانو.

من برامج حركة ''سلوفود'' اقامة بنوك بذور للحفاظ على الأنواع المتوطنة بالتعاون مع باحثين ومنظمات محلية، وتنظيم حلقات تدريب على تصنيع المنتجات الزراعية القصيرة الأجل. وتعمل الحركةعلى  تثقيف المواطنين حول أخطار الوجبات السريعة، والزراعة المكثفة، ومزارع المواشي المكتظة المعدة للتصنيع، والزراعة الأحادية والاعتماد على أنواع قليلة جداً من المحاصيل. وتنظم برامج للحفاظ على المزارع الصغيرة التي تديرها عائلات وتشجيع المستهلكين على شراء مواد غذائية ينتجها سكان محليون. وتضغط من أجل تغييرات سياسية زراعية لدعم المزارع العضوية وكبح استعمال المبيدات ومناهضة التعديلات الوراثية للمحاصيل الغذائية. ولديها دورات تدريبية لتعليم فن العناية بالحدائق، خاصة للتلاميذ والسجناء.

وتدخل ''سلوفود'' من وقت الى آخر في ''صفقات'' تجارية للحفاظ على أنواع استهلاكية تقليدية، مثل قيامها مؤخراً بشراء 4000 بيضة لتفقيس الديوك الرومية الأميركية المتوطنة والعناية بها وذبحها وانزالها الى الأسواق.

ومنذ تأسيسها، رصدت أكثر من مئتي منتج تقليدي معرض للاختفاء في ايطاليا، اضافة الى 64 صنفاً آخر في العالم، كعجينة الياك التيبتية، و''الكوكو'' أو عجينة الكبد في مدينة رين الفرنسية، وجبنة غامونيدو الاسبانية، والفراولة (الفريز) البيضاء في تشيلي، والأجبان الأميركية المصنوعة من الحليب النيء.

نقّاد الحركة يتهمونها بأنها نخبوية وتعارض الطرق البديلة والرخيصة للطبخ وزراعة المحاصيل الغذائية. وترد الحركة بأنها تعمل على تسخير أفضل ممارسات العلم والاحتراف في أنحاء العالم لانتاج واستهلاك المواد الغذائية المحلية، اذ ثبت أنها أرخص ثمناً لقلة اعتمادها على النقل والوقود والمواد الكيميائية والتكنولوجيا العالية. وتنسجم هذه الحجج مع تلك التي تطلقها الحركة المناهضة للعولمة ومنظمة ''غرينبيس'' وأحزاب الخضر ضد تصدير مواد غذائية ناتجة عن مزروعات أحادية ومحاصيل معدلة وراثياً.

ولكن الى أي مدى ستتمكن هذه الحركة من الصمود في ظل سيطرة الوجبات السريعة على موائد الكثيرينوالاتجاه نحو أذواق تكاد تكون متطابقة عالمياً مع انحسار حرية الاختيار؟