Sunday 22 Dec 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
علي الطخيس خيارات سعودية للأمن الغذائي  
أيلول-تشرين الأول (سبتمبر -أكتوبر) 2014 / عدد 198-199
رغم محدودية مصادر المياه المتجددة في المملكة العربية السعودية، فقد استهلك القطاع الزراعي عام 2012 نحو 17.5 بليون متر مكعب من المياه، أي 84 في المئة من إجمالي الاستهلاك. وجاء معظم هذه الكمية من المياه الجوفية غير المتجددة، وتم استخدام نحو 80 في المئة منها في زراعة ثلاثة محاصيل فقط هي الحبوب والأعلاف والتمر. وكان للسحب الجائر للمياه الجوفية خلال العقود الأربعة الماضية آثار سلبية، أهمها استمرار هبوط مناسيبها في الطبقات الرئيسية، حيث وصلت في بعض المناطق إلى مستويات حرجة أصبح الضخ منها في المستقبل غير مجد اقتصادياً. كما أصبحت نوعية المياه الجوفية في أماكن عدة أكثر ملوحة في مستويات أعمق إذ زحفت إليها مياه البحر، فباتت معالجتها لأغراض الشرب أكثر كلفة.
 
هناك فرص لتطوير القطاع الزراعي في السعودية تتلاءم مع خطط المحافظة على مصادر المياه الجوفية. من بينها زيادة الاستفادة من مياه الصرف الصحي المعالجة التي بلغت كمياتها عام 2012 نحو 3.6 مليون متر مكعب يومياً، أعيد استخدام 17 في المئة منها أي 0.6 مليون متر مكعب يومياً فقط. وتعد تجربة هيئة الري والصرف في الأحساء من التجارب الرائدة في الاستفادة من مياه الصرف الصحي المعالجة، بعد أن نضبت العيون الطبيعية التي كانت تغذي واحة الأحساء لقرون طويلة. وتشرف الهيئة حالياً على توزيع 145 ألف متر مكعب يومياً من مياه الصرف الصحي المعالجة إلى الدرجة الثلاثية. وهذا يمثل 60 في المئة من مجموع مياه الري التي تزودها الهيئة لزراعة 8200 هكتار من النخيل تنتج 120 ألف طن من التمور سنوياً، بالاضافة الى محاصيل الليمون. ومن المتوقع أن تصل الكمية إلى 450 ألف متر مكعب يومياً بعد اكتمال المشاريع التي تنفذ حالياً. أما النسبة المتبقية من مياه الري التي تزودها الهيئة، وهي 40 في المئة، فتأتي من الطبقات الجوفية ومن مياه الصرف الزراعي. ومن المؤكد أن كميات مياه الصرف الصحي المعالجة ستزداد مستقبلاً مع زيادة كميات مياه الصرف الحضري تبعاً لتزايد عدد السكان.
 
بحلول العام 2012، تم تشييد 420 سداً تبلغ سعتها التخزينية الاجمالية نحو 1.9 بليون متر مكعب. وهي مصممة إما لتغذية طبقات المياه الجوفية أو لحماية المدن والقرى والمزارع والممتلكات من الفيضانات أو لتوفير مياه الشرب أو الري للمجتمعات القريبة منها. وثمة إمكانية جيدة لتعزيز الاستفادة من المياه السطحية التي تختزنها السدود لو أجريت دراسات تقييمية من قبل مكاتب استشارية متخصصة في تصميم مشاريع حصاد الأمطار وتنفيذ مشاريع زراعية تناسب بيئة المنطقة وظروفها المناخية. ولا تتوافر دراسات علمية موثقة عن تغير المناخ العالمي ومدى تأثيره على الواقع الزراعي في المملكة. وقد سجلت في السنوات الأخيرة ظواهر مناخية شاذة، مثل حصول عواصف غبارية طويلة الأمد وعواصف مطرية قصيرة الأمد تصاحبها فيضانات قوية مدمرة.
 
قبل نحو عشرين عاماً، قامت شركة من القطاع الخاص بتجربة فريدة هي زراعة محصول السليكورنيا على مياه البحر، وقدمت لها التسهيلات والقروض الميسرة. ونجحت التجربة، إلا أن الشركة حادت عن هدفها الأساس وتعثر المشروع. لكن هذه التجربة قد تفتح آمالاً عريضة في المستقبل على تطوير الزراعة بمياه البحر واختيار أنسب المحاصيل التي تنمو في المياه المالحة.
 
اكتفاء ذاتي؟
تواجه الدول الصحراوية القاحلة هاجس الأمن الغذائي لشعوبها، وتقوم بإعداد الخطط والاستراتيجيات لتوفير السلع الغذائية، كل حسب ظروفها المناخية والمائية والاقتصادية. وتسعى المملكة العربية السعودية إلى تحقيق مستوى معين من الأمن الغذائي عن طريق الاحتفاظ بمخزون استراتيجي من السلع الغذائية يكفي الحاجات الاستهلاكية لمدة ستة أشهر على الأقل. وقد درست عدة خيارات لتحقيق الأمن الغذائي، واختارت المضي في ثلاثة مسارات في الوقت نفسه: أولها إنتاج جزء من السلع الغذائية محلياً مع مراعاة محدودية مصادر المياه والاستفادة من الميزة النسبية لكل منطقة، وثانيها استمرار القطاع الخاص في استيراد السلع الغذائية من الخارج وبيعها وفقاً لآليات العرض والطلب، وثالثها تبني مبادرة الملك عبداللـه للاستثمار الزراعي في الخارج.
 
في ما يتعلق بالانتاج الغذائي المحلي، حققت المملكة نسبة لا بأس بها من الاكتفاء الذاتي من المنتجات المحلية، كما يتضح من الجدول. في العام 2012 بلغت نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح 27.6 في المئة، لكن هذه النسبة في انخفاض ويتوقع أن تصل إلى الصفر سنة 2016. وهذا إجراء اتخذته الحكومة للمحافظة على مصادر المياه، لأن محصول القمح يعتمد على المياه الجوفية غير المتجددة. وبصفة عامة، بلغت نسبة الاكتفاء الذاتي من محاصيل الحبوب 7.4 في المئة، ومن الخضر 88 في المئة، ومن الفاكهة 57.4 في المئة، ومن بيض المائدة 117.7 في المئة، ومن الحليب الطازج 112.4 في المئة، ومن اللحوم الحمراء 34 في المئة، ومن لحوم الدواجن 44.6 في المئة، ومن الأسماك 37.9 في المئة.
 
وثمة مبادرات جادة للنهوض بالقطاع الزراعي وتحويله من الزراعة التقليدية التي تعتمد على المياه الجوفية غير المتجددة إلى ما يعرف بالزراعة المستدامة التي تعتمد إلى حد كبير على المياه المتجددة. وتشمل المبادرات تقديم التسهيلات والإعانات والقروض الميسرة. ولكن إذا لم تتخذ الاجراءات المطلوبة لنجاح هذا التحول، وإذا لم يوجه المزارعون التوجيه الصحيح لزراعة المحاصيل المناسبة، مع الأخذ في الاعتبار القيمة الاقتصادية لكل وحدة مياه والتركيز على المحاصيل ذات الاستهلاك المنخفض للماء وذات القيمة الاقتصادية العالية، فمن المتوقع أن تواجه المملكة مستقبلاً صعوبة في المحافظة على هذه النسب في سعيها الجاد نحو الوصول إلى زراعة مستدامة.
 
وقد لعب القطاع الخاص خلال العقود الماضية دوراً هاماً في توفير السلع الغذائية عن طريق الاستيراد من الخارج. وشملت هذه السلع الرز والمعكرونة والسكر والخضار والفاكهة والزيوت النباتية واللحوم الحمراء ولحوم الدواجن والأسماك وغيرها. وقام العديد من رجال الأعمال السعوديين والشركات الزراعية بعقد شراكات مع جهات حكومية وهيئات متخصصة في بعض الدول الغنية بمصادر المياه، لإنتاج محاصيل محددة مثل الحبوب والرز والأعلاف وغيرها وتصديرها إلى السعودية. وحققت هذه الشراكات نجاحات كبيرة على رغم وجود مخاطر جسيمة.
 
تتأثر المملكة العربية السعودية، بصفتها دولة مستوردة للغذاء، بالأحداث العالمية، وخصوصاً الظروف السياسية والاقتصادية في الدول المنتجة وتأثيرات تغير المناخ في مناطق الإنتاج الغذائي. فقد تؤدي موجات الجفاف والفيضانات والصقيع وغيرها من الكوارث الطبيعية إلى إتلاف المحاصيل وخفض المخزونات العالمية من الغذاء، وبالتالي إلى رفع الأسعار العالمية كما حصل عام 2008.
لمواجهة مثل هذه التقلبات، تبنت السعودية مبادرة الملك عبداللـه للاستثمار الزراعي في الخارج، التي جعلت من الممكن توفير السلع الغذائية للمستهلك بأسعار متوازنة، وتأمين مخزون استراتيجي آمن من السلع الغذائية الأساسية. هذا يمكن أن يحقق الأمن الغذائي للمملكة ويضمن استمرار تدفق السلع إلى الأسواق المحلية واستقرار الأسعار طوال العام. وتشمل السلع الغذائية المعنية القمح والشعير والرز والسكر والزيوت النباتية واللحوم الحمراء ولحوم الدواجن والأسماك.
 
وتعتبر مبادرة الملك عبداللـه للاستثمار الزراعي في الخارج من المبادرات العالمية الطموحة التي تسعى إلى عقد شراكات استثمارية زراعية على مستوى الحكومات. وقد تمت دراسة جدواها الفنية والاقتصادية، بعدما قام مسؤولون في القطاع الزراعي والتجاري والمالي بزيارات إلى العديد من الدول ذات الطابع الزراعي التي تتوافر فيها المصادر المائية والتربة الزراعية والعمالة المدربة. وعقدت اتفاقات كثيرة مع دول في شرق آسيا وأفريقيا وشمال أوروبا ومع الأرجنتين والبرازيل وغيرها. وسوف تقدم الحكومة السعودية تسهيلات متنوعة وإعانات وقروضاً ميسرة للمستثمرين الزراعيين في الخارج. وبحسب المعلومات المتاحة، فإن نتائج هذه المبادرة ستكون مشجعة وجاذبة للاستثمار الزراعي، وستحقق أمناً غذائياً للمملكة.
 
يبقى عنصر أساسي لنجاح هذه المبادرة ونجاح رجال الأعمال في استيراد السلع الغذائية، قبل انطلاقة المبادرة وبعدها، وهو توفير مخزونات استراتيجية لحفظ هذه السلع فترات كافية. 
 
 
تدابير ضرورية لتحقيق الأمن الغذائي السعودي
 
● يلاحظ أن نسب الاكتفاء الذاتي من المنتجات الغذائية في المملكة العربية السعودية متدنية جداً مقارنة بكميات المياه الجوفية غير المتجددة التي تستخرج من الطبقات المائية العميقة. ويظهر التحليل الكمي والنوعي لكميات المياه المستهلكة في القطاع الزراعي ونوعية المحاصيل المزروعة أن محاصيل الحبوب والأعلاف والتمور وحدها تستهلك نحو 80 في المئة من مياه الري.
 
● كفاءة الري متدنية جداً وتقدر بنحو 50 في المئة، ما يدل على استهلاك كميات من مياه الري أكثر من حاجة النباتات الفعلية. وهذا عائق أمام إيجاد حل للنقص المستمر في موارد المياه الجوفية في بيئة صحراوية قاحلة.
 
● هناك حاجة الى سرعة إعادة النظر في التركيبة المحصولية لاستبعاد المحاصيل ذات الاحتياجات المائية العالية وإبدالها بمحاصيل قليلة الاستهلاك للمياه وذات قيمة اقتصادية وغذائية مناسبة، مع ضرورة إدخال أنظمة ري ذات كفاءة عالية.
 
● النمط الغذائي في الحياة اليومية ينطوي على إسراف وهدر شديدين يترتب عليهما هدر مائي بصورة مباشرة أو غير مباشرة. لذا يجب إعادة النظر في العادات الغذائية من حيث الكمية والنوعية.
 
● حان الوقت لإعادة النظر في الاعانات التي تقدم للقطاع الزراعي، بحيث يتم تشجيع المزارعين الذين يستخدمون أنظمة الري الحديثة ذات الكفاءة العالية، مثل الرش أو الري بالتنقيط. كما يجب إعادة النظر في أسعار الوقود المتدنية التي ساهمت بشكل كبير في السحب المفرط للمياه الجوفية غير المتجددة لري الحقول المفتوحة المخصصة لزراعة الحبوب والأعلاف.
 
● يجب تعظيم الاستفادة من كل وحدة مياه، وتحديد العائد من كل متر مكعب من المياه الجوفية للمحاصيل المختلفة.
 
● تشجيع الاستفادة من مصادر المياه المتجددة، بما في ذلك إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة والمياه السطحية المحتجزة خلف السدود، والبحث عن موارد مائية جديدة مثل حصاد الأمطار.
 
● تعزيز الأمن الغذائي بتقديم التسهيلات والاعانات حيثما أمكن لإقامة مزيد من مشاريع الدواجن وصيد الأسماك، باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الزراعة ولا تشكل خطراً على موارد المياه. ولا تزال السعودية بعيدة عن تحقيق الاكتفاء الذاتي الكفوء في لحوم الدواجن واللحوم البيضاء.
 
● دراسة العلاقة بين الأمن المائي والأمن الغذائي والأمن الطاقوي على ضوء تغير المناخ وتذبذب الاقتصاد العالمي وعدم الاستقرار السياسي في كثير من دول العالم.
 
● يعد التخزين الاستراتيجي من أساسيات الأمن الغذائي وعامل استقرار أمني واجتماعي. لذا يجب إعطاء مشاريع التخزين الاستراتيجي أولوية قصوى لحفظ السلع الغذائية المختلفة أطول فترة زمنية ممكنة، لا تقل بأي حال عن تخزين لفترة عام كامل.
 
 
 الدكتور علي الطخيس هو عضو لجنة المياه والأشغال العامة في مجلس شورى الدولة ووكيل وزارة المياه والكهرباء لشؤون المياه سابقاً في المملكة العربية السعودية.
 
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
مازن ملكاوي وباسل اليوسفي الوقاية من المرض من خلال البيئات الصحية: تقييم العبء المرضي الناجم عن المخاطر البيئية في البلدان العربية
"البيئة والتنمية" حقول مسمومة
مايكل شتراوس (بالو ألتو، كاليفورنيا) كُلْ محلياً
جنيف ـ "البيئة والتنمية" أمراض بيئية
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.