Thursday 21 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
ايمان نويهض التبعات الصحية للعدوان الاسرائيلي على لبنان  
أيلول (سبتمبر) 2006 / عدد 102
 قتلى وجرحى ومعاقون ونازحون في حرّ الصيف الى ملاذات مكتظة وغير مؤهلة صحياً... وأمراض نفسية نتيجة تلوث الهواء من الحرائق وغبائر القذائف وأبخرة النفط المنسكب... وإمكانية تلوث المياه بأوساخ المجاري وبمواد كيميائية سامة من قذائف محرَّمة دولياً
أكثر من ألف قتيل وآلاف الجرحى والمعاقين وقرابة المليون نازح كانت المحصلة المباشرة لعدوان اسرائيل على لبنان. غير أن للعدوان تبعات صحيّة عديدة لم تحصَ بعد، وهي تتراوح من أعراض آنية، إلى أخرى عميقة وطويلة التأثير، إلى ماهو قاتل.
من مميزات هذا العدوان أنه دمّر بشكل منهجي طرق السلامة والنفاذ وطرق الإمدادات والدعم، فأربك النظام الصحي وهدد مستشفياته ومراكزه بالإغلاق نتيجة القصف أو منع وصول الطاقم الصحي ومشتقّات النفط والمواد الطبيّة والأدوية.
هنا أهم التبعات الصحيّة للعدوان، التي يمكن توزيعها على محورين: الأول يتعلق بالتهجير والثاني بالتدهور البيئي.
 التبعات الصحيّة للتهجير
أوائل ضحايا الحرب، بالطبع، هم المصابون مباشرة بين قتيل وجريح. وهنا تكون الأسبقية لتأمين الإسعافات الأوليّة والنقل الى المستشفيات والتدخّل الجراحي. وللأسف، نجحت إسرائيل في منع الوصول الى الكثير من الضحايا. أما الأهالي الذين كانوا يسلمون من الاصابات المباشرة، فبعضهم كانوا يلزمون ديارهم ويعانون من انقطاع الماء والطعام والأدوية اللازمة، معرضين حياتهم للموت من القصف أو من قلة الامدادات، مسطرين لوحة من الصمود والكبرياء. والبعض الآخر كانوا يتركون ديارهم بحثاً عن مكان آمن، متكبدين رحلة من الخوف والرعب قبل وصولهم تشمل، الى جانب قلقهم على تشتت العائلة، خطر الحرب المباشرة على الطريق والانهاك الجسدي من جراء السير المضني والتعرض لحر الصيف من دون ماء. وبالطبع، دفع الأطفال والمسنون ثمناً باهظاً في هذه الرحلة.
عند وصول النازحين الى مقرهم الجديد في مدرسة أو حديقة عامة أو موقف للسيارات فوق الأرض أو تحتها، تبدأ مرحلة جديدة من المشاكل الصحية. أول الضحايا هنا هم ذوو الأمراض المزمنة (سرطان، سكري، ضغط دم، صرع...) والمعوقون والنساء الحوامل، الذين انقطعوا فجأة عن أدويتهم ومراكز رعايتهم الصحيّة، مما أدى إلى وفاة البعض وتدهور صحة الآخرين بشكل سريع.
النازحون في هذه المراكز يعانون وطأة عدم أهليتها من حيث البنية التحتية لاستقبال هذا الكم من الناس واستيعاب احتياجاتهم الأساسية من مياه وأمكنة للنوم. إنّ اكتظاظ النازحين في أمكنة ضيّقة وغير مؤهلة يؤدي بشكل سريع الى انتشار الأمراض المعدية الجلدية (قمل وجرب) والتنفسيّة (التهابات صدريّة) والمعدية الإنتقالية (إسهالات بما فيها التيفوئيد، الحصبة، الشلل، التهاب السحايا).
مع الوقت، واذا لم تتأمن نوعية جيدة وكمية كافية من الغذاء، يعاني البعض ولا سيما الرضع والأطفال والمسنون من سوء التغذية، مما يؤدي إلى نقص في الحديد وبعض الفيتامينات ينعكس مع الوقت تأخراً في النمو. ومع استقرار الأهالي، يلاحظ العديد من الحوادث والإصابات العادية من جراء الوقعات والحريق واللعب الخشن خاصة عند الأولاد.
أخيراً تبدأ الأعراض النفسية والاجتماعية بالظهور نتيجة التجارب القاسية والضغوط النفسيّة الهائلة. وهذه تؤدي على المدى القريب إلى عنف ضد الآخرين، خاصة المستضعفين، أو انغلاق وتردد أو أعراض جسدية. أما على المدى البعيد (شهور إلى سنين) فهي تؤدي إلى أعراض نفسيّة من كآبة وقلق.
وقد أطلقت وحدة الترصد البيئي في وزارة الصحة العامة اللبنانية، بالتعاون مع مكتب منظمة الصحة العالمية، برنامجاً لرصد الوبائيات والامراض السريعة الانتشار، غير أن هذا تزامن مع توقف الحرب وعودة الأهالي الى ديارهم. 
التبعات الصحيّة للتدهور البيئي
المحور الثاني من هذه الحرب هو القصف المتعمّد لمعامل ومخازن ومحطات وصهاريج وقود، مما أدى إلى انتشار بقعة من النفط على شواطىء لبنان ستؤثر حتماً على الثروة السمكية والحياة البحرية. كما أدى إلى اندلاع الحرائق وانتشار الغازات السامة في الأجواء وبعيداً جداً عن نقاط القصف. وقد تكون الإصابات الصحية المباشرة الناتجة عن هذا التلوّث الهوائي محدودة بسبب هرب أهالي المناطق المجاورة إلى أماكن أخرى.ان تلوث البيئة البحرية يتطلب مراقبة دقيقة للملوثات النفطية في انواع مختلفة من الاسماك والكائنات البحرية لرصد حجم المشكلة وتبعاتها الصحية  وتصويب الارشادات الوقائية والاحترازية في المستقبل.
إنّ قصف البنية التحتيّة يدمر بشكل جزئي أو تام أنابيب نقل المياه العذبة والمياه المبتذلة، مما يؤدي إلى اختلاطها وتلوث مياه الشرب والخدمة. وبالطبع لا ننسى ـ ولكن الإثبات العلمي صعب ومعقد ـ إمكانية تلوّث المياه والتربة بمخلفات كيميائية سامة ناتجة عن استعمال أسلحة مختلفة بعضها محرّم دوليّاً كما يشاع.
ما بعد العودة؟
أما الآن وقد ترك النازحون مراكز التجمع عائدين الى قراهم وبلداتهم ومدنهم، فإنهم يواجهون مشاكل متعددة، أهمها فقدان كثيرين لمنازلهم (أكثر من 15000 وحدة سكنية مهدمة تماماً) ودمار العديد من المراكز الصحية، خاصة في القرى الجنوبية الحدودية، وصعوبة وصول المياه لهم. وتحتل اعادة تنشيط بعض المراكز الصحية وايصال مياه الخدمة والشرب أولوية عالية.
من هنا فإن وسائل الحماية والوقاية تختلف باختلاف المشكلة الصحية والمرحلة الزمنية. وعلينا استباقها والتحضير لها قدر الامكان. وهذا ينطبق بشكل خاص على الأمراض النفسية واعادة تأقلم الأهالي في مرحلة ما بعد الحرب. ان نجاحنا في التخفيف من هذه المشاكل يتطلب أنظمة ترصُّد ناشطة ومشاركة عميقة بين المجتمع الأهلي والمؤسسات الحكومية للتصدي والعلاج والدعم، تبدأ الآن وتستمر لفترة طويلة بعد انتهاء العدوان.
الدكتور إيمان نويهض أستاذ في كلية العلوم الصحية في الجامعة الأميركية في بيروت.
 
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.