هناك اقتناع علمي واسع بأن المناخ العالمي يتغير نتيجة تضافر الضغوط البشرية الناجمة عن غازات الدفيئة والدقائق الغبارية والتغيرات في سطح الأرض. وأظهرت دلائل كثيرة على درجة عالية من الأرجحية أن النشاطات البشرية أحدثت تأثيرات احترارية صافية جوهرية في المناخ منذ العام 1750. ووجدت الدراسات المناخية الحديثة أن حرارة الهواء السطحي العالمية زادت منذ 1850 الى 2005 بمقدار 0,76 درجة مئوية. وبالاضافة الى ذلك، سجل الاتجاه الاحتراري الخطي خلال السنوات الخمسين المنصرمة زيادة بمقدار 0,13 درجة مئوية في كل عقد. وعلاوة على ذلك، كان هناك زيادة في عدد موجات الحر، وانخفاض في تكرار ودوام موجات الصقيع، وزيادة في تكرار الأحداث المتطرفة وشدّتها في أجزاء كثيرة من العالم. وبالنسبة الى الاتجاهات العالمية، وجدت الدراسات الحديثة أن المنطقةالعربية شهدت زيادة متفاوتة في حرارة الهواء السطحي تراوحت بين 0,2 و2,0 درجة مئوية، وقد حدثت منذ العام 1970 الى العام 2004.
وبالنسبة الى العقدين المقبلين، يُتوقع زيادة في درجة الحرارة مقدارها نحو 0,2 درجة مئوية في كل عقد لمجموعة الانبعاثات بحسب سيناريوهات الهيئة الحكومية المشتركة لتغير المناخ. وحتى لو بقيت تركيزات جميع غازات الدفيئة والدقائق الغبارية ثابتة عند مستويات العام 2000، فإن زيادة أخرى في الحرارة مقدارها نحو 0,1 درجة مئوية في كل عقد ستكون متوقعة.
لقد تأثرت فعلاً النظم الفيزيائية والبيولوجية علـى جميع القارات وفي معظم المحيطات بالتغيرات المناخية الأخيرة. ومـن المتعارف عليه عموماً الآن أن هذا التغير المناخي ناتج عـن ازدياد تركيزات ثـاني أوكسيد الكربـون والميثان والأوكسيد النتري وغازات الدفيئة الأخرى (GJGs) فـي الغلاف الجوي.
أظهرت الإحصاءات في العام 2000 أن مجموع انبعاثات غازات الدفيئة العالمية من جميع الموارد بلغ نحو 33 ألف تيراغرام (الشكل 1). وقـد ساهمت بلدان عربية بنسبة 4,2 في المئة من مجموع الانبعاثات العالمية. وكما هو مبين في الشكـل 2، تساهم المملكة العربية السعودية بأعلى نسبة من مجموع انبعاثات غازات الدفيئة من البلدان العربية، تليها مصر والجزائر
هذه المساهمة الصغيرة لجميع الدول العربية بغازات الدفيئة لا تتلاءم مع التأثيرات المتوقعة لتغير المناخ على المنطقة. ومنطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا هي منطقة واسعة ذات ظروف مناخية متنوعة عموماً، تتميز بهطول مطري سنوي منخفض جداً ومتقلب كثيراً ودرجة عالية مـن الجفاف. وكما هـو مبين فـي الشكـل 3، تصنف غالبية أراضي المنطقة العربية بأنهـا أراض مفرطـة الجفاف وشبه جافة وجافة. وخلصت أحدث التقييمات الى أن المناطق الجافة وشبه الجافة شديدة التعرض لتغير المناخ. وعموماً، تعتبر البلدان العربية بلداناً نامية، وهي شديدة التعرض لتأثيرات تغير المناخ بسبب مناخها الجاف. فإذا ارتفعت درجة الحرارة في المنطقة أو انخفضت التساقطات، اشتد الضغط على النظم الطبيعية والفيزيائية.
وأفادت دراسات للنماذج المناخية ان المنطقة العربية ستواجه زيادة بمقدار درجتين الى 5,5 درجات مئوية في الحرارة السطحية مع نهاية القرن الحادي والعشرين. وسوف تترافق هذه الزيادة مع انخفاض متوقع في التساقطات من صفر الى 20 في المئة. هذه التغيرات المتوقعة سوف تجعل فصول الشتاء أقصر وفصول الصيف أجف وأسخن، وترفع وتيرة موجات الحر وتزيد تكرار وقوع أحداث مناخية متقلبة ومتطرفة.
تأثير ارتفاع مستوى البحر
ارتفاع مستوى البحر (SLR) هو نتيجة هامة لتغير المناخ وتهديد عالمي خطير. ويُرجح أن الاحترار في القرن العشرين ساهم الى حد بعيد في ارتفاع مستوى البحر الملاحَظ، من خلال التمدد الحراري لمياه البحر وخسارة الجليد الأرضي على نطاق واسع. ولوحظ أن نسبة الارتفاع العالمي في مستوى البحر بلغت 1,8 مليمتر فـي السنة خلال الفترة بين 1961 و2003، مـع أن النسبة التـي لوحظت خـلال الفترة الممتدة من 1993 الـى 2003 كانت نحـو 3,1 مليمتر فـي السنة. ويقدر مجموع الارتفاع في القرن العشرين بنحو 0,17 متر.
ووجدت الدلائل العلمية أن استمرار تزايد انبعاثات غازات الدفيئة والاحترار العالمي المرافق له يمكن أن يرفع مستوى البحر متراً الى 3 أمتار فـي القرن الحادي والعشرين، كما أن التفكك السريع على نحو غير متوقع للصفائح الجليدية في غرينلاند وغرب القارة المتجمدة الجنوبية (أنتارتيكا) يمكن أن يؤدي الى ارتفاع مستوى البحر 5 أمتار. لكن هناك شكوكاً في تقديرات ارتفاع مستوى البحر خلال فترة طويلة.
إن طبيعة تأثيرات ارتفاع مستوى البحر سوف تختلف من مكان الى آخر ومن بلد الى آخر. وهذا سببه تشكيلة من العوامل تعتمد على أوضاع محلية، مثل ارتفاع الأراضي والانخساف الجيولوجي الذي يحدث للأراضي حالياً، ممّا يظهر أن بعض الأماكن تكون أكثر تأثراً من أماكن أخرى. وهناك العوامل الاجتماعية والاقتصادية، بما في ذلك الاستجابة البشرية لتغير المناخ، التي يجب أن تؤخذ أيضاً في الاعتبار. ويلاحَظ أن مصبات الأنهار والمناطق المدينية الساحلية المنخفضة والجزر الصغيرة هي الأكثر تعرضاً لتأثيرات تغير المناخ وارتفاع مستوى البحر نتيجة النشاطات البشرية.
وتعتبر مصر من البلدان الشديدة التعرض لتأثيرات ارتفاع مستوى البحر. فارتفاع مستوى البحر متراً واحداً يؤثر في 6 ملايين شخص في مصر، ويؤدي الى خسارة 12 الى 15 في المئة من الأراضي الزراعية في منطقة دلتا النيل. ومن المناطق المعرضة لخطر شديد في مصر أجزاء من محافظات الاسكندرية والبحيرة وبورسعيد ودمياط والسويس. وإذا لم تُتخذ اجراءات وقائية، أو ساد ''سيناريو الأعمال المستمرة كالمعتاد''، فإن القطاع الزراعي سوف يتأثر سلباً بشدة (خسارة أكثر من 90 في المئة من مجموع مساحة المحافظات المعرضة للخطر)، يليه القطاع الصناعي (خسارة 65 في المئة) والقطاع السياحي (خسارة 55 في المئة) نتيجة ارتفاع مستوى البحر 0,5 متر.
وقد أجرى البنك الدولـي دراسة حديثة لتقييم تأثيـر ارتفـاع مستوى البحـر علـى البلدان العربية. وتفحصت هذه الدراسة تأثير ارتفاع مستوى البحر بمقدار متر ومترين و3 أمتار و4 أمتار و5 أمتار على مساحة البلاد والسكان والناتج المحلي الاجمالي والمدى الزراعي والمدى المديني والأراضي الرطبة (الشكل 4). وأشارت نتائج الدراسة الى أن مساحة الأراضي في قطر سوف تشهد انخفاضاً كبيراً، نسبته نحو 2,6 الى 13,0 في المئة نتيجة ارتفاع مقداره متر واحد الى خمسة أمتار على التوالي. وسيتأثر نحو 10 في المئة من سكان مصر نتيجة ارتفاع مستوى البحر متراً واحداً. ومن المتوقع أن يحدث معظم هذا التأثير في دلتا النيل. وهو يصل الى خسارة نسبتها 20 في المئة نتيجة ارتفاع مستوى البحر 5 أمتار. وسوف يتأثر نحو 5 في المئة من سكان الامارات العربية المتحدة وتونس نتيجة ارتفاع مستوى البحر متراً واحداً، كما أن الناتج المحلي الاجمالي في مصر سيتأثر الى حد بعيد بارتفاع مستوى البحر. وهذا يُفسر جزئياً بتأثير ارتفاع مستوى البحر على المدى الزراعي. والواقع أن معظم تأثيرات ارتفاع مستوى البحر على القطاع الزراعي في المنطقة سوف يحدث في مصر، التي ستعاني من تأثير حاد. وحتى بارتفاع مستوى البحر متراً واحداً، سوف يتأثر نحو 12,5 في المئة من المدى الزراعي في مصر، وهذه النسبة تصل الى 35 في المئة بارتفاع مستوى البحر 5 أمتار. لذلك فان القطاع الزراعي في مصر قد يعاني من اضطراب حاد نتيجة ارتفاع مستوى البحر. وقد شدد الباحث عبدالوهاب (2005) على أن التأثير المتوقع لارتفاع مستوى البحر على الأراضي الزراعية في مصر يمكن أن يشتد بنسبة 80 الى 120 في المئة نتيجة انخساف الأراضي وارتفاع منسوب المياه الجوفية. كما أن المدى المديني في المنطقة العربية سيتأثر الى حد بعيد. ففي مصر وليبيا والامارات وتونس، يصل التأثير الى نحو 5 في المئة بارتفاع مستوى البحر متراً واحداً، و6 الى 7 في المئة بارتفاع مستوى البحر مترين، ونحو 10 في المئة بارتفاع 5 أمتار. والأراضي الرطبة في قطر، والى حد أقل في الكويت وليبيا والامارات، سوف تتأثر الى حد بعيد بارتفاع البحر.
وقد تعرضت نتائج الدراسات السابقة إلى درجة عالية من التشكيك، حيث لا توجد مراقبة مستمرة لمستوى البحر في المناطق المعرضة للخطر. لذلك، لا توجد وسيلة لتقييم الحجم الحقيقي للتأثير ولاقتراح اجراءات التكيف المطلوبة.
التأثير على موارد المياه العذبة
تقع غالبية البلدان العربية فيمنطقة جافة وشبه جافة تتميز بموارد مائية منخفضة ومحدودة وتبخر مرتفع، كما سبق ذكره. وتعرّف الموارد المائية الاجمالية بأنها حاصل مجموع المياه الجوفية المتجددة والموارد المائية السطحية الداخلية والموارد المائية السطحية الخارجية. وكلما ارتفعت نسبة ''الموارد المائية السطحية الخارجية'' من ''مجموع الموارد المائية المتجددة''، ارتفعت ''نسبة الاعتماد'' (%) وانخفض الأمن المائي. و''نسبة الاعتماد'' (%) وهي الجزء من مجموع الموارد المائية المتجددة الذي ينشأ خارج البلد.
لدى العراق والسودان ومصر أعلى موارد مائية سنوية بين البلدان العربية، مقدارها على التوالي 75 و65 و58 بليون متر مكعب في السنة، إذ أن أكثر من 50 في المئة من الموارد السطحية هي خارجية، مما يولد مزيداً من الضغوط على وضعها المائي. ويبين الشكـل 5 أن الجزائر ولبنان وموريتانيا والمغرب والصومال وسورية وتونس واليمن تأتي في المرتبة الثانية من مجموع الموارد المائية، وهي بين 5 بلايين و30 بليون متر مكعب في السنة. ولدى بقية البلدان العربية موارد مائية تقل عن 5 بلايين متر مكعب في السنة.
على رغم أن مجموع الموارد المائية الجوفية السنوية في المنطقة العربية يبلغ حوالى 35 بليون متر مكعب، فإن أكثر من 50 في المئة من المياه في شبه الجزيرة العربية هي مياه جوفية.
يتفاوت المعدل السنوي للتساقطات في المنطقة العربية. ففي لبنان وسورية يبلغ المعدل السنوي للتساقطات 600 و300 مليمتر في السنة على التوالي. وينخفض المعدل تدريجياً الى 300 مليمتر في السنة كلما اتجهنا الى الأجزاء الشمالية والشرقية من ساحل المغرب وتونس على البحر المتوسط. ويصل المعدل السنوي للتساقطات الى 130 مليمتراً في السنة على بلدان الشمال الافريقي وشبه الجزيرة العربية، بينما المعدل السنوي للتساقطات على بقية البلدان العربية يبلغ نحو 290 مليمتراً في السنة.
وتعتبر الكويت أفقر بلدان المنطقة العربية في مواردها المائية، إذ يبلغ معدل التساقطات 121 مليمتراً في السنة، ومجموع الموارد المائية السنوية 0,02 بليون متر مكعب ونسبة الاعتماد 100 في المئة. ولدى مصر ثاني أدنى تساقطات سنوية في المنطقة. وعلى رغم معدل التساقطات، يُعتبر الوضع الكلي للموارد المائية المصرية والموريتانية والسورية والسودانية حرجاً للغاية، لأن لديها نسب اعتماد عالية في المنطقة تبلغ 97 و96 و80 و77 في المئة على التوالي، اضافة الى محدودية مواردها المائية المتجددة الإجمالية.
وتعتبر ''الموارد المائية السنوية للفرد'' مقياساً هاماً للوضع المائي في البلد. وتواجه جميع البلدان العربية وضعاً مائياً هشاً، ما عدا العراق الذي لديه حصة مائية تزيد على 2900 متر مكعب للفرد في السنة. ولبنان وسورية يواجهان حالياً اجهاداً مائياً (1000 الى 1700 متر مكعب للفرد في السنة)، فيما تواجه بقية البلدان العربية شحاً مائياً (أقل من 1000 متر مكعب للفرد في السنة).
تهدِّد الوضعَ المائي في المنطقة العربية ضغوط بيئية واجتماعية واقتصادية. وتلاحَظ تأثيرات سلبية كثيرة لتغير المناخ على نظم المياه العذبة في دراسات حديثة. هذه التأثيرات ناتجة أساساً من زيادات ملحوظة ومتوقعة في تقلب درجات الحرارة والتبخر ومستوى البحر والتساقطات. وسوف تواجه مناطق جافة وشبه جافة كثيرة انخفاضاً في الموارد المائية نتيجة تغير المناخ.
ومع نهاية القرن الحادي والعشرين، يُتوقع عموماً ان يزداد تدفق الأنهار الواقعة في مناطق مرتفعة، بينما يميل التدفق من الأنهار الكبرى في الشرق الأوسط وأوروبا وأميركا الوسطى الى الانخفاض. لكن مقدار التغير غير محقق الى حد بعيد. وعلاوة على ذلك، سوف يوسع ارتفاع مستوى البحر مساحة المياه الجوفية المالحة، ما يؤدي الى انخفاض في توافر المياه العذبة للبشر والنظم الايكولوجية في المناطق الساحلية. واضافة الى ذلك، سوف تنخفض الى حد بعيد القدرة على سد النقص في المياه الجوفية في بعض المناطق التي تعاني أصلاً من اجهاد مائي.
التوقعات المتعلقة بتغير المناخ، وفق الاتجاهات السريعة الحالية للزيادة السكانية، أظهرت أن الجزائر وتونس ومصر والمغرب وسورية قد تشهد نقصاً مائياً حاداً بحلول سنة 2050، والعراق وحده يُتوقع أن يكون في وضع أفضل نسبياً. وتقليدياً، يسود اعتماد كبير على المياه السطحية والجوفية في جميع بلدان المنطقة، حيث يُستهلك 60 الى 90 في المئة من المياه في الزراعة. ويزداد الطلب على المياه باطراد في أنحاء المنطقة، فيما تنخفض الامدادات المائية باطراد.
ويتفاقم نقص الموارد المائية نتيجة عوامل تتعلق بامكانية الوصول الى المياه. وتأتي نوعية وأوضاع مجمعات المياه والبنية التحتية والسياسة والنزاعات في رأس قائمة أولويات استراتيجيات تأمين الوصول الى المياه في المنطقة. وحالياً، تتأثر نوعية الموارد المائية في المنطقة العربية بالتلوث والتوسع المديني والفيضانات والاستخدام المفرط للموارد المائية. ويتوقع أن يزيد تغير المناخ مستويات ملوحة البحيرات والمياه الجوفية نتيجة ازدياد درجة الحرارة. وعلاوة على ذلك، أدى ارتفاع تركيزات الملوثات في الأنهار الى ازدياد تلوث المياه الجوفية، ويُتوقع أن يزداد ارتشاح الكيماويات الزراعية الى المياه الجوفية نتيجة تغيرات في جريان مياه الأمطار التي تغذي المجمعات المائية. وتواجه مجمعات المياه حالياً جفافاً متكرراً تصحبه حالات هطول مطري غزير مفاجئ تتسبب بانجراف ترابي خطير وعمليات تصحر. وفي ظروف التغير المناخي، سوف يشتد تدهور مجمعات المياه وعمليات التصحر.
توقع هاس (2002) تأثيرات من المرتبة الأولى لتغير المناخ على النظم المائية المتوسطية، مثل فصول شتاء أكثر رطوبة وفصول صيف أكثر جفافاً، وفصول صيف أكثر حرارة وموجات حرّ، وأحداث مناخية أكثر تقلباً وتطرفاً. هذه التأثيرات قد تُحدث زيادة في التبخر من الاجسام المائية والأتربة الطبيعية والاصطناعية، مما يخفض الامدادات المائية المتوافرة. الى ذلك، سوف تزيد هذه التأثيرات معدل البخر/النتح من المحاصيل والنباتات الطبيعية. وقد أجرت الطاهر وآخرون (2006) دراسة حالة لمصر لتقصي تأثير التغيرات المناخية في النتح، على أساس تغيرات في درجات حرارة الهواء وفق سيناريوهات مختلفة. وأشارت الدراسة الى أن التغيرات المناخية في المستقبل ستزيد الطلبات المحتملة على الري في مصر بنسبة 6 الى 16 في المئة نتيجة الزيادة في النتح مع نهاية القرن الحادي والعشرين.
تأثير ازدياد الجفاف
الجفاف من الكوارث الخطيرة المتعلقة بالمياه والتي تهدد المنطقة العربية بالمقاييس الزمنية الحالية والمستقبلية. منالناحية المناخية، يمكن تعريف الجفاف بأنه ''انخفاض موقت في توافر المياه أو الرطوبة أدنى كثيراً من الكمية المعتادة أو المتوقعة لفترة محددة''. أما من الناحية المائية، فالجفاف هو ''فترة من الطقس الجاف على نحو غير معتاد تمتد وقتاً كافياً لكي يسبب انعدام التساقطات خللاً مائياً خطيراً، ما يحمل دلالة على حدوث نقص في الرطوبة في ما يتعلق باستعمال الانسان للمياه'' (روسّي، 2001).
تؤثر موجات الجفاف في الانتاج الزراعي الذي يروى مطرياً وفي الامدادات المائية لأغراض منزلية وصناعية وزراعية. وقد عانت بعض المناطق شبه الجافة وشبه الرطبة في العالم من موجات جفاف أكثر شدة وتستمر سنوات عدة، ما سلط الضوء على امكانية تعرض هذه المناطق لمزيد من حالات الجفاف المتوقعة في المستقبل نتيجة التغير المناخي.
لقد ازداد تكرار الجفاف خلال السنوات العشرين الى الأربعين الأخيرة في المغرب وتونس والجزائر وسورية. وتغير فـي المغرب من سنة جفاف في فترة 5 سنوات قبل العام 1990 الى سنة جفاف لكل فترة سنتين. وفي لبنان، حدث تغير في أوضاع نقص المياه من حيث توافر الموارد المائية في العقد الأخير.
وفي المغرب، حدثت عشر سنوات جفاف خلال العقدين الأخيرين من أصل 22 سنة جفاف في القرن العشرين، وقد اشتملت علـى سنوات الجفاف المتتالية الثلاث وهي 1999 و2000 و2001. كما أن الجفاف حدث متكرر فـي الشرق الأدنى. فالأردن، مثلاً، الذي يعتبر جافاً فـي الغالب، قد شهد نواقص مائية مزمنة وعانى مـن نواقص حادة منذ ستينات القرن العشرين. وكانت موجات الجفاف الأخيرة في سورية أسوأ ما تم تسجيله خلال عقود.
إن مناخاً أدفأ، مع ما يرافقه من تقلب مناخي متزايد، سوف يزيد خطر حدوث فيضانات وموجات جفاف. ويحتمل أن تزداد المناطق المتأثرة بالجفاف، كما يحتمل أن تزداد حالات التساقط المتطرف، من حيث التكرار والشدة، وسوف يتفاقم خطر حدوث فيضانات. وستكون هناك مضاعفات على التنمية المستدامة من ازدياد تكرار وشدة الفيضانات وموجات الجفاف. ويشكل نقص المياه العائق الرئيسي في معظم بلدان المنطقة، وتشير دراسة محاكاة أجرتها الهيئة الحكومية المشتركة لتغير المناخ الى أن شح المياه قد يتفاقم الى حد بعيد نتيجة تغيرات الأنماط المناخية في المستقبل.
الأبحاث العلميةوإجراءات التخفيف والتكيف
على رغم أن تغير المناخ يتوقع أن تكون له تأثيرات خطيرة على النظم الطبيعية والبشرية في المنطقة العربية، تُبذل جهود وخطوات متواضعة في بحوث علمية تتعلق بالتخفيف والتكيف.
وما زالت لدى المجتمع العلمي في معظم البلدان العربية شكوك كثيرة حول حقيقة ظواهر تغير المناخ. فالدراسات المتعلقة بتغير المناخ تبنى في معظم الحالات على استعمال تقنيات نمذجة واستشعار عن بعد وتوقعات. إلاّ أن التقنيات التجريبية والاختبارية ما زالت تطبق، نتيجة لنقص الإمكانات وانخفاض التمويل المخصص لمؤسسات الأبحاث العربية.
ونتيجة لما سبق، تم نشر عدد صغير ومتفرق من الدراسات البحثية في مجال تغير المناخ. وهناك كثير من الثغرات التي ما زالت بحاجة الى معالجة في المستقبل، خصوصاً هشاشة قطاعات الموارد المائية والزراعة والصحة.
وقد أُعدت في البلدان العربية دراسات قليلة ومحدودة حول التخفيف والتكيف. ففي المغرب، يشكل برنامج التأمين ضد الجفاف المبني على عقود تتعلق بسقوط الأمطار مثالاً هاماً على استراتيجيات التكيف، التي يحتمل أن تكون لها فوائد كبيرة مـن خلال البرنامج الحالي، الذي يهدف الى تقليل خطر الجفاف وحماية انتاج الحبوب. وتشكل حماية الخط الساحلي على شاطئ مصر الشمالي مثالاً آخر على استراتيجيات التكيف.
الحل المطلوب
إن دمج اجراءات تخفيف تغير المناخ والتكيف معه في استراتيجيات وسياسات التنمية يقوي هذه الاستراتيجيات ويزيد كفاءتها. ويمكن اعتماد الاعتبارات الآتية لتعزيز عملية تخطيط استراتيجيات التخفيف والتكيف وفق أوضاع البلدان العربية:
- يجب أن يكون لتحسين القدرة العلمية في مختلف المجالات المتعلقة بتغير المناخ أولوية قصوى.
- ضمان الدعم السياسي والمالي لتنفيذ استراتيجيات التكيف.
- تطبيق أسلوب تخطيط وتنفيذ استراتيجيات التكيف والتخفيف الذي يرتكز على اداء المنشآت.
- تطوير اجراءات ترتكز على المجتمع من خلال اشراك الجهات المعنية في التخطيط للتكيف وتحسين القدرة التكيفية لقطاعات المجتمع المختلفة.
- زيادة وعي الجمهور لتأثيرات تغير المناخ على الصحة البيئية والبشرية. ويجب أن تشمل نشاطات التوعية الجماهيرية ما يأتي:
1.توضيح وشرح الحقائق والمصطلحات العلمية لتحسين رؤية الجهات المعنية ولتقليل الثغرات في التواصل بين الباحثين والجهات المعنية.
2. تبسيط الرسالة العلمية لتتلاءم مع مستوى خبرة الجهات المعنية ومستواها التعليمي ومستواها المعرفي وتجاربها ودورها.
3. ذكر أفضل مصادر المعلومات المتوافرة.
الدكتور محمد مدني خبير لدى الهيئة الحكومية المشتركة لتغير المناخ ونائب مدير المختبر المركزي الزراعي للتغيرات المناخية في القاهرة.