تُعتبر الغابات موارد ذات أهمية عالمية، فهي تغطي نحو ثُلث مساحة الأرض، وتقدم خدمات إيكولوجية بنحو 7.5 تريليون دولار سنوياً. وتتأثر الغابات بتغيُّر المناخ، وهي في الوقت نفسه لاعب أساسي في الحدّ من الانبعاثات الكربونية، مما يجعل الحفاظ عليها وحمايتها من التعديات هدفاً عالمياً تعرقل تحقيقه مصالح بعض الشركات.
خفض الانبعاثات عبر حماية الغابات
توفّر الغابات الموئل لنحو 80 في المائة من أنواع البرمائيات و75 في المائة من أنواع الطيور، و68 في المائة من أنواع الثدييات. ويوجد أكثر من 700 مليون هكتار من الغابات ضمن مناطق تحظى بالحماية الرسمية، ومع ذلك يبقى التنوُّع البيولوجي الحرجي معرضاً للخطر بسبب إزالة الغابات وتدهورها.
وتتعرض الغابات لتعديات كثيرة بسبب التحطيب والإزالة لاستخدام أراضيها في الزراعة ورعي المواشي، حيث خسرت 420 مليون هكتار من مساحتها بين عامي 1990 و2020. ورغم أن معدل إزالة الغابات آخذ في التراجع، إلا أنه سجّل فقدان 10 ملايين هكتار سنوياً خلال الفترة بين 2015 و2020.
ويشكّل تغيُّر المناخ عامل خطر رئيسياً يهدد سلامة الغابات، وتوجد مؤشرات على ازدياد تواتر وشدة حرائق الغابات والآفات الحرجية خلال السنوات الماضية. وفي المقابل، تلعب الغابات دوراً كبيراً في التخفيف من آثار تغيُّر المناخ، حيث تحتوي على 662 مليار طن من الكربون، أي ما يزيد عن نصف المخزون العالمي للكربون في التربة والنباتات. ولذلك فإن احتراق مساحات شاسعة من الغابات قد يكون حدثاً مناخياً هاماً يحرر كميات ضخمة من الانبعاثات الكربونية في الأجواء.
وفي صيف هذه السنة، تسببت الحرائق الواسعة في الغابات الكندية في تسجيل رقم قياسي للمساحات المحترقة والانبعاثات الكربونية الناتجة عنها. فخلال 90 يوماً، أتت الحرائق على 13.5 مليون هكتار من غابات كندا، وأطلقت ما يزيد عن مليار طن مكافئ من ثاني أوكسيد الكربون. وتقارِب هذه الانبعاثات الكمية السنوية لغازات الدفيئة التي تطلقها اليابان سنوياً، وهي خامس أكبر مصدر للانبعاثات الكربونية في العالم.
وتواجه الغابات الثلجية في أميركا الشمالية، التي تمتد على جزء كبير من شبه القارة القطبية الشمالية في ألاسكا وكندا، مخاطر الانكماش بسبب الأنشطة البشرية وتغيُّر المناخ. ويُعتقد أن هذه الغابات تضم ربع الغابات المتبقية على وجه الأرض، وتعتمد عليها حياة الملايين من البشر. وتشير دراسة حديثة لتبدّلات غطائها الشجري بين عامي 2000 و2019 إلى ضعف حدودها الجنوبية في التعافي من الضغوط التي تتعرض لها بسبب حرائق الغابات وقطع الأشجار. في حين أظهرت حدودها الشمالية بعض التوسع نتيجة الاحترار العالمي الذي حسّن ظروف نمو الأشجار. وتُنذِر هذه التبدّلات بتقلّص طويل الأمد في الغابات الشمالية، وإن كان بدء تقلّصها غير محدد بعد.
وتساهم إزالة الغابات بما بين 11 و20 في المائة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن النشاط البشري. ولذلك تدعم الأمم المتحدة برنامجاً لتقليل الانبعاثات الناتجة عن إزالة الغابات وتدهورها، بالإضافة إلى الإدارة المستدامة للغابات والحفاظ على مخزونها من الكربون وتعزيزه. ويمثّل هذا البرنامج، الذي يُعرف اختصاراً باسم "ريد بلاس" (REDD+)، جزءاً من عملية التفاوض حول اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ. ويهدف البرنامج إلى تشجيع البلدان النامية على المساهمة في التخفيف من تغيُّر المناخ من خلال إبطاء ووقف وعكس فقدان الغابات وتدهورها لخفض الانبعاثات، وحفظ الغابات وإدارتها وتوسيعها لزيادة عمليات إزالة غازات الدفيئة من الغلاف الجوي.
ويساهم صندوق المناخ الأخضر في توفير التمويل لأنشطة البلدان ومؤسسات القطاع الخاص للتخفيف والتكيُّف المناخي في إطار برنامج "ريد بلاس". ويشمل ذلك، على سبيل المثال، ممارسات الزراعة المستدامة، وتوسيع مناطق الغابات، وسلاسل التوريد الخالية من إزالة الغابات. ويؤكد البرنامج على تعزيز النهج الذي يضمن السلامة البيئية بخفض انبعاثات الكربون بمقدار مليار طن سنوياً، مع دعم الفوائد غير الكربونية مثل حماية التنوُّع البيولوجي وحفظ سبل العيش المحلية وتعزيز حقوق الشعوب الأصلية. وهي اعتبارات يجري تجاهلها على أرض الواقع عند تضارب المصالح بين المجتمعات التقليدية والشركات التي توسّع نطاق ملكياتها في الغابات حول العالم.
تدمير الغابات بغطاء بيئي
يُعتبر تسريع إضفاء الطابع الرسمي على الحقوق العرفية والجماعية أمراً بالغ الأهمية لحماية ما تبقى من الغابات وحشد الموارد لتحقيق التعافي. ويشير تقرير "حالة الغابات في العالم 2022" الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة إلى أن 73 في المائة من الغابات في العالم كانت ملكية عامة في عام 2015، و22 في المائة ملكية خاصة. ويسجّل التقرير وجود اتجاه تصاعدي في نسبة الحقوق الخاصة في إدارة الغابات المملوكة ملكية عامة، من 2 في المائة عام 1990 إلى 13 في المائة عام 2015.
ويُظهر تحقيق لمنظمة "لوكال فيوتشرز" الممارسات غير القانونية التي ترتكبها بعض الشركات العابرة للدول في غابات الأمازون البرازيلية، بهدف الاستيلاء على الأراضي، وقطع الغابات، والتعدي على حقوق المجتمعات التقليدية. وتستفيد هذه الشركات من التمويل الأخضر لمشاريع خفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها عبر زراعة أشجار الأخشاب التجارية، والادعاء بتبني نهج الإدارة المستدامة للغابات الذي تستغله في طرد المجتمعات التقليدية، والحصول على منافع بملايين الدولارات لقاء بيع أرصدة الكربون.
ويشير التحقيق إلى تقاطع مصالح الشركات، والدول، و"صناعة الحفظ" التي تمثّلها المنظمات الكبيرة غير الحكومية في "الاقتصاد الأخضر". ورغم أنهم جميعاً يدّعون محاربة إزالة الغابات وأسبابها، فإنهم يستفيدون فعلياً، بطريقة أو بأخرى، من تدمير الغابات وإجلاء المجتمعات المحلية من أراضيها.
وفي محاولة لتعزيز المسؤولية المجتمعية للشركات، تبنى الاتحاد الأوروبي قانوناً يهدف إلى منع تدمير مساحات شاسعة من الغابات الاستوائية عبر منع الشركات من تصنيع سلع جرى إنتاجها على أراضٍ أزيلت غاباتها. ويطلب القانون من الشركات الأوروبية، اعتباراً من مطلع عام 2025، تقديم ضمانات بذلك تخص سبع سلع هي الكاكاو والبن وزيت النخيل والمطاط وفول الصويا والماشية والخشب.
ويتوقع الاتحاد الأوروبي أن يمنع هذا الإجراء فقدان أكثر من 70 ألف هكتار من الغابات سنوياً بحلول 2030، مما سيقلل انبعاثات الكربون بنحو 40 مليون طن سنوياً. وفي المقابل، تشير دراسات إلى وجود حدود لتدخلات سلسلة التوريد في الحدّ من إزالة الغابات مع احتمال قيام الوسطاء ببيع السلع المرتبطة بإزالة الغابات إلى أسواق أخرى.
ولا يعالج القانون الأوروبي العوامل المباشرة التي تتسبب في إزالة الغابات، لاسيما العائد المالي الكبير الذي تحققه الشركات الأوروبية على حساب صغار المزارعين. وفي غانا مثلاً، يتلقى مزارعو الكاكاو حوالي 6 في المائة فقط من قيمة قطعة الشوكولا التي تنتجها الشركات الأوروبية. وعند تطبيق القانون الأوروبي على زراعة الكاكاو في غانا قد يتحوّل العديد من المزارعين إلى طرق أخرى ضارة بالبيئة لكسب قوتهم، مثل تعدين الذهب.
مبادرات لحماية الغابات
تدرك القيادات الجديدة المؤيدة لقضايا البيئة في دول أميركا الجنوبية حجم المصاعب التي تواجهها للحفاظ على غابات الأمازون، وتحقيق التنمية المستدامة في منطقة تمثّل موطناً ومصدر عيش لنحو 50 مليون شخص. ومن أجل ذلك، قامت دول الأمازون مؤخراً بإنشاء تحالف لمكافحة إزالة الغابات في مدينة بيليم البرازيلية، التي ستستضيف مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ (كوب 30) عام 2025.
وتتعدد المبادرات العالمية للحفاظ على الغابات والتوسع في مساحتها بهدف خفض الانبعاثات ومواجهة تغيُّر المناخ. ومن أبرزها خلال السنوات القليلة الماضية مبادرة "السعودية الخضراء"، التي تشمل زراعة 10 مليارات شجرة في جميع أنحاء المملكة، أي ما يعادل إعادة تأهيل 40 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة. وستساهم هذه المبادرة، التي تشمل جميع فئات المجتمع، في استعادة الوظائف البيئية الحيوية، وتحسين جودة الهواء، والحدّ من العواصف الغبارية والرملية، وغير ذلك.
ومؤخراً أطلقت وزارة البيئة السعودية برنامج تقنيات الاستشعار عن بعد والذكاء الاصطناعي، لدراسة واقع مناطق الغطاء النباتي، والإسهام في تحقيق غايات مشروعات التشجير ومبادرة السعودية الخضراء. ويهدف البرنامج إلى مراقبة التغيُّر في الغطاء النباتي في مواقع مشروعات التشجير، والغطاء الأرضي وتغيُّر مساحته وكثافته، وحساب كميات الأمطار، ورصد ومراقبة صحة النبات.
في عالم يشهد العديد من الأزمات، تساهم زيادة مساحة الغابات وإدارتها على نحو مستدام في تحقيق التعافي الأخضر والانتقال إلى اقتصادات محايدة كربونياً. وعن طريق دعم أصحاب الحيازات الصغيرة، وتوظيف التقنيات الحديثة والتجارب الناجحة، يمكن توفير بنية متكاملة تعزز الإنتاج وتضمن الاستدامة مع تقليل الحاجة إلى لتوسع في الأراضي الزراعية على حساب الغابات.