Sunday 24 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
البيئة والتنمية بيكين أول دورة شتوية تعتمد كلياً على الثلج الاصطناعي: هل تستمر الألعاب الأولمبية في معاندة الطبيعة؟  
آذار / مارس 2022 / عدد 288
عندما أقيمت الألعاب الشتوية الأولمبية الأولى في شاموني الفرنسية سنة 1924، جرت جميع المسابقات في الهواء الطلق بفضل الهطولات الثلجية الملائمة لمسارات سباقات السرعة، ودرجات الحرارة المنخفضة المناسبة لساحات التزلج على الجليد. وبعد نحو قرن من الزمن، كان العالم لأول مرة على موعد مع دورة ألعاب شتوية تنظم بشكل كامل على ثلج وجليد من صنع الإنسان.
 
لقد سمحت التطورات التقنية بتنظيم أولمبياد بكين 2022 في مناخ دافئ نسبياً، رافقه هطول متقطع للثلوج في الأيام الإخيرة. ولكن مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة، والآثار البيئية للثلج الاصطناعي، كيف سيكون مستقبل الألعاب الشتوية الأولمبية؟ وهل توجد فرصة لاستمرارها بعد عقود؟
 
الاستدامة في ألعاب الشتاء
اعتبرت اللجنة الأولمبية الدولية دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين فرصةً لتعزيز جهود الاستدامة من خلال التنافس الرياضي. وفي هذا الشأن تقول ماري سالوا، مديرة الاستدامة في اللجنة الأولمبية، أن الهدف هو "ضمان أن تكون الألعاب داعماً للاستدامة وعاملاً محفزاً للتنمية في الدول المضيفة. ونريد أيضاً استخدام الرياضة والألعاب الأولمبية لعرض الحلول المبتكرة والمستدامة والترويج لها".
 
ويشير لي سين، المدير العام لإدارة التخطيط في ألعاب بكين، إلى تضمين مفاهيم "الألعاب الخضراء" والاستدامة في كل جانب من جوانب العمل لإعداد وإنجاز دورة ألعاب بكين 2022، "حيث كان الحياد الكربوني وحماية البيئة أهم أهداف الاستدامة التي وُضعت لهذه الدورة". لكن الوقائع أظهرت أن تحقيق هذه الوعود لم يكن متاحاً، مع الكميات الضخمة من الطاقة التي تطلَّبتها تغطية مساحات واسعة بالثلج الاصطناعي، وتسرُّب المواد الكيميائية منه إلى المياه الجوفية، إلى جانب إزالة عشرات آلاف الأشجار في غابات محمية معمرة لفتح ممرات التزلج.
 
وكان منظمو ألعاب بكين أعلنوا عن عدة إجراءات لتجنب وتقليل انبعاثات الكربون والوصول إلى الحياد الكربوني. وتشمل هذه الإجراءات التقليل من أعمال البناء عن طريق إعادة توظيف خمسة ملاعب من منشآت أولمبياد بكين 2008 الصيفي، واستخدام الطاقة المتجددة إلى أقصى الحدود لتشغيل أماكن الألعاب، وإدخال تقنيات منخفضة الكربون، واستخدام وسائل نقل قليلة الانبعاثات، وإنجاز مشاريع عزل كربون قائمة على زراعة أشجار في مناطق أخرى، للتعويض عن آلاف الأشجار المقطوعة.
 
وقد وُضعت للمنشآت التي شُيِّدت خصيصاً لألعاب بكين معايير تلحظ كفاءة المياه والطاقة، وتقنيات العزل والتبريد في المباني. كما اتُخذت تدابير لحماية التنوُّع الطبيعي من خلال حماية الأنواع النباتية والحيوانية المحلية، خاصة أثناء بناء مرافق السباقات الرياضية المكشوفة. غير أن الواقع كان مخالفاً للوعود في حالات كثيرة، مثل أعمال البناء في الجزء المركزي من محمية سونغشان الطبيعية الوطنية، التي تأسست سنة 1985 وتتميز بغاباتها الكثيفة وتنوُّعها البيولوجي، حيث كانت للمنشآت الأولمبية آثار مدمرة.
 
وفي حين اعتمدت مجمل الرياضات الثلجية في بكين على الثلج الاصطناعي، فقد كانت هناك محاولات لتقليل الأثر البيئي لإنتاج الثلج. ويشمل ذلك تشغيل معدات صنع الثلج بالاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة ووضع سلسلة من تصاميم الحفاظ على المياه وإعادة تدويرها حماية للموارد، وتقليل استخدام المواد الكيميائية في عملية صنع الثلج لتجنب التأثير على النظام البيئي المحلي. ولكن استخدام الطاقة المتجددة من مصادر خالية من الكربون في مناطق الألعاب، تطلَّب التعويض في مناطق أخرى بإنتاج مزيد من الكهرباء من محطات عاملة على الفحم الحجري، الذي ما زال مصدر 70 في المائة للكهرباء في الصين. عدا عن أن تحسين نوعية الثلج الاصطناعي، لجعله صالحاً للتزلج والحد من سرعة ذوبانه، يتطلب إضافة مواد كيميائية لا يمكن الحد من آثارها كلياً. كما أنه لا يمكن تجاهل الآثار السلبية للتعامل مع أكثر من 222 مليون ليتر من المياه، التي استُخدمت لتهيئة الظروف الثلجية في منطقة تعاني سلفاً من قلة المياه.
 
ورغم التحديات، تسعى اللجنة الأولمبية الدولية لأن تكون جميع الإصدارات المقبلة من الألعاب الأولمبية محايدة كربونياً اعتباراً من سنة 2030. وفي هذا السياق، وافق مجلس إدارة الألعاب الأولمبية الصيفية في باريس سنة 2024 على استراتيجية المناخ الخاصة بالأولمبياد، الذي سيكون، إذا نجحت الخطة، أول دورة ألعاب أولمبية تقدم مساهمة إيجابية للمناخ العالمي، بحيث تتجاوز تحقيق "صفر كربون" من الألعاب نفسها، إلى امتصاص كميات من الكربون صادرة عن نشاطات أخرى. وسبق لأولمبياد طوكيو 2020، الذي تأجل إلى 2021، أن حقق مبدأ الحياد الكربوني من خلال الحد من معظم انبعاثات الكربون وتعويض الانبعاثات المتبقية. ولا بد أن قيود السفر بسبب "كورونا" ساهمت في ذلك.
 
كما ستقوم اللجنة الأولمبية الدولية نفسها بتخفيض بصمتها الكربونية إلى النصف بحلول سنة 2030، وإنشاء غابة أولمبية في مالي والسنغال لتصبح ذات تأثير إيجابي في المناخ اعتباراً من سنة 2024. وتعدّ هذه الغابة، التي ستبلغ مساحتها نحو 2120 هكتار، مساهمةً من اللجنة الأولمبية في مبادرة "السور الأخضر العظيم"، التي تهدف إلى ترميم المناظر الطبيعية المتدهورة عبر منطقة الساحل في أفريقيا.
 
رهان على التطور التقني
منذ دورة الألعاب الأولمبية الشتوية الأولى، ارتفع متوسط درجة الحرارة خلال النهار في المدن المضيفة بشكل مطرد. وفيما كانت الزيادة 0.4 درجة مئوية بين عشرينيات وخمسينيات القرن الماضي، وصلت الزيادة إلى 7.8 درجة مئوية في أوائل القرن الحادي والعشرين. وهذا يعني درجات الحرارة في مدن محددة وفي فصل معيَّن، وليس المعدل العالمي.
 
وفي مراجعة لتغيُّر المناخ المحلي ضمن 19 منطقة استضافت سابقاً الألعاب الأولمبية الشتوية، خلُصت دراسة حديثة إلى أن أربع مدن مضيفة سابقاً لن تتمتع بمناخ يمكن الاعتماد عليه لاستضافة الألعاب الشتوية بحلول منتصف القرن الحالي، حتى في ظل أفضل سيناريو لتغيُّر المناخ يفترض أن العالم سينجح في تخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بسرعة. وسيرتفع هذا العدد إلى 11 مدينة على الأقل بعد نحو 60 سنة.
 
ومن بين الألعاب الشتوية الخمسة عشر التي يتم التنافس على ميدالياتها الأولمبية حالياً، توجد سبع رياضيات تتأثر بدرجة الحرارة وتراكم الثلوج، من بينها التزلج الألبي (التزلج على المنحدرات) والبياثلون (ثنائية الرماية والتزلج للمسافات البعيدة) والقفز الطويل على الجليد. كما تتأثر ثلاث من الرياضات التي تستخدم الزلّاجات بدرجة الحرارة والرطوبة.
 
وقد ساعدت التطورات التكنولوجية دورات الألعاب الشتوية على التكيُّف مع المتغيّرات، حيث انتقلت لعبة الهوكي إلى الصالات المغلقة، ثم تبعتها منافسات التزلج على الجليد. ومنذ دورة ليك بلاسيد 1980 استُخدم الثلج الاصطناعي لزيادة كميات الثلوج على منحدرات التزلج. وشهدت ألعاب فانكوفر الكندية 2010 شحن ثلوج بالطائرات من أماكن مرتفعة. كما استُخدم الثلج الاصطناعي في ألعاب سوتشي الروسية 2014 وبيونغتشانغ الكورية 2018.
 
وتوجد اليوم العديد من المنشآت التي تجعل التزلج ممكناً على مدار العام ضمن مرافق التزلج الداخلية. ومن بينها، على سبيل المثال، منشأة "سكِي دبي" التي افتتحت سنة 2005، وتضم خمسة منحدرات للتزلج من على تل بارتفاع 25 طابقاً داخل منتجع ملحق بمركز تسوّق.
 
ويتسبب التحوُّل إلى المنشآت المغلقة واستخدام الثلج الاصطناعي، للتعويض عن الهطول الطبيعي أو لتطويل الموسم، بإنفاق المزيد من الوقت والمال والطاقة، فهل العوائد كافية لتبرير الجدوى؟ في الولايات المتحدة مثلاً، تساعد الرياضات الشتوية في خلق أكثر من 800 مليار دولار من النشاط الاقتصادي سنوياً، وهي تدعم أكثر من 7 ملايين وظيفة، وتحفّز ملايين الناس على ممارسة الرياضة في الهواء الطلق. ولكن ما هو أثر هذا كله على البيئة؟
 
وعلى نحو مشابه، تواجه الألعاب الأولمبية الصيفية والمنافسات الرياضية الكبرى تحديات مناخية أيضاً بسبب درجات الحرارة المتزايدة والرطوبة المرتفعة، التي تجعل المنافسات في الصيف صعبةً. ولكن هذه الرياضات تتمتع بمرونة أكبر من الرياضات الشتوية.
 
ويمكن لتغيير توقيت المناسبات الرياضية الصيفية أن يساعد في تخفيف تأثير الأجواء الحارة. فهذه السنة سيجري تنظيم بطولة كأس العالم في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، بدلاً من أشهر الصيف كما جرت العادة سابقاً، لتجنب أشعة الشمس الحارقة في قطر خلال الصيف.
 
في الأوقات المضطربة، توفّر الأحداث الرياضية العالمية فرصةً لوضع الخلافات جانباً وجمع العالم تحت مظلة واحدة. ومن المتوقع أن تتجه مسابقات الألعاب الشتوية إلى أماكن أبعد نحو الشمال ومناطق أكثر ارتفاعاً، سعياً وراء الثلج الطبيعي، مما سيجعلها أكثر كلفةً وحصرية. لكن مواقع التزلج التقليدية في جبال الألب نفسها تعاني من سنوات انخفاضاً في هطول الثلوج، مما يدفعها إلى دعم منتجعاتها بالثلج الاصطناعي للحفاظ على الموسم الشتوي. ولا شك أنه ستكون هناك تبدلات كثيرة في الرياضات الخارجية خلال السنوات القليلة المقبلة، أكانت في الشتاء أو الصيف. وأياً تكن هذه التبدلات، يبقى مستقبل الألعاب مرهوناً بكيفية استجابة البلدان لتغيُّر المناخ. وعلى الدول إحلال التعاون محل التنافس، لاستضافة دورات الألعاب الرياضية الدولية حيث تسمح الظروف المناخية بذلك، والتوقف عن معاندة الطبيعة.
 
 
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.