العواصف الرملية والترابية مشكلة بيئية عالمية تؤثر في صحة وحياة الملايين حول العالم. وقد ازدادت تكراراً وشدة وتوسعت جغرافياً خلال العقود الأخيرة نتيجة تغير المناخ والجفاف والتصحر والإدارة غير المستدامة للأراضي والمياه. وباتت تؤثر بشكل هائل على الاقتصاد العالمي، إذ تقفل المطارات وتعطل الأعمال والمدارس وتعيق سبل الإمدادات وتدمر المحاصيل وتربك المستشفيات، إلى غير ذلك من العواقب المترتبة عنها.
وقد تنتقل الغبائر والحبيبات الترابية الدقيقة آلاف الكيلومترات على متن هذه العواصف، التي تنقل أيضاً مسببات أمراض ومواد مؤذية، محدثة مشاكل حادة ومزمنة في الجهاز التنفسي. كما تزيد العواصف الترابية حدة التصحر والجفاف وملوحة التربة، وتخفض إمدادات المياه، وتعيق مصادر الطاقة المتجددة.
آثار مدمرة
تفيد إحصاءات نشرها برنامج الأمم المتحدة للبيئة مؤخراً أن الناتج المحلي الإجمالي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يخسر نحو 13 بليون دولار كل سنة نتيجة العواصف الترابية والرملية. وهي تساهم أيضاً في تردي نوعية الهواء، علماً أن منظمة الصحة العالمية تقدر أن سبعة ملايين شخص يموتون سنوياً نتيجة تلوث الهواء. وتدمر هذه العواصف المحاصيل وتزيل التربة السطحية الخصبة، ما يخفض الإنتاجية الزراعية.
وقد طارت كمية كبيرة من التربة الخصبة في العراق إلى أماكن بعيدة مع اشتداد التصحر. وأحصت الحكومة العراقية 122 عاصفة ترابية و283 يوماً غبارياً في سنة واحدة. ويتوقع أن يشهد العراق خلال السنوات العشر المقبلة 300 حدث غباري في السنة.
ويخرج من أفريقيا كل سنة ما بين بليونين وثلاثة بلايين طن من حبيبات التراب في عواصف غبارية، ما يجرد القارة من خصوبتها وإنتاجيتها البيولوجية. وتنخفض إنتاجية العمل ومداخيل الأسر بحدة أثناء هذه العواصف، إذ يتعذر على ملايين الأشخاص بلوغ أماكن عملهم، وتغلق المصانع والشركات والمؤسسات أبوابها.
عانت بريطانيا كوارث من العواصف الترابية 17 مرة منذ العام 1900. وفي إحدى المرات ترسَّب على أراضيها 10 ملايين طن من الغبار في عاصفة رملية آتية من الصحراء الأفريقية. وفي الصين، سقط نحو 330 ألف طن من الرمال على العاصمة بيجينغ في ليلة واحدة عام 2006. وتشهد اليابان كل ربيع «رمالاً صفراء» تحملها عواصف ترابية تنشأ في شمال شرق آسيا.
تخفض العواصف الترابية الرؤية، وتزيد كمية الجسيمات المعدنية في الهواء، وتتسبب في تفاقم أعراض الربو وأمراض الجهاز التنفسي والتهاب السحايا وتهيج الجلد وانتشار الفطريات على نطاق واسع. ويعتقد أن عواصف الصحراء الأفريقية الكبرى مسؤولة عن نشر أبواغ التهاب السحايا القاتل في أفريقيا الوسطى، حيث يصاب به نحو 250 ألف شخص كل سنة.
وتزيد العواصف الرملية كمية الطمي في المياه، فتحجب ضـوء الشمس عن الشعاب المرجانية وتزيد انتشار الطحالب السامة.
ماذا نفعل؟
المناطق الرئيسية للعواصف الترابية والرملية هي الصحراء الأفريقية، والشرق الأوسط، وصحراء تاكلاماكان في شمال غرب الصين، وجنوب غرب آسيا، ووسط أوستراليا، وحوضا إتوشا وماغاديغادي في جنوب أفريقيا، والمسطح الملحي «سالار دي أويوني» في بوليفيا، والحوض الكبير في الولايات المتحدة.
وتتيح نظم الإنذار المبكر على المستويين الوطني والإقليمي أن يستعد الناس لهذه العواصف، وتوفر لهم الوقت للاحتماء وإحكام سدّ الأبواب وإخلاء الشوارع، ما يحول دون حوادث السيارات. كما أن الإنذار المبكر يمنح المزارعين وقتاً لإيواء الماشية والأدوات الزراعية، وربما حصاد كل المحصول أو جزء منه قبل بداية العاصفة.
ومن شأن التعاون الإقليمي والدولي بين البلدان أن يتيح فهماً أكبر لمسارات العواصف الترابية والرملية ومحتواها من الجسيمات وتأثيراتها. كما أن العمل التعاوني في التصدي للأسباب الجذرية لهذه العواصف واستعادة النظم الإيكولوجية يمكن أن يخفض وتيرتها ويضمن تعافي النظم الإيكولوجية.
وعند مواجهة جائحات صحية، يمكن لصناع السياسة استخدام بيانات نظم المراقبة لتحديد ما إذا كان تفشي الأمراض ناتجاً عن رمال أو أتربة منقولة.
ترصد الصين العواصف الترابية منذ خمسينات القرن العشرين، ما يسمح للعلماء بتوقع كيفية تأثر الأراضي عند حدوث عاصفة. وتوفر إدارة الأرصاد الجوية في كوريا الجنوبية، ووكالة الطقس في الولايات المتحدة، معلومات تحذيرية من حدوث عواصف ترابية إلى شركات خدمات الهواتف الخليوية، التي تنقلها إلى المشتركين بواسطة رسائل نصية.
وثمة موقع إلكتروني للمركز الوطني للأرصاد الجوية والزلازل في الإمارات ينبه المواطنين إلى الأحوال الغبارية وعدم وضوح الرؤية.
وأشارت أبحاث إلى أن مشروع «الجدار الأخضر العظيم» في الصين خفض تكرار العواصف الترابية وشدتها، بعد زرع أكثر من 100 بليون شجرة بين 1978 و2006.