القيظ ألهب أوروبا هذا الصيف. وموجة الحر التي عمّت مناطق شاسعة من نصف الكرة الرضية، خصوصاً في النصف الأول من شهر آب (اغسطس)، كان أثرها قاسياً على "القارة المدللة" التي تصببت عرقاً بشكل استثنائي. وقيل إنها لم تعرف مثلها منذ قرن. لقي آلاف حتفهم اجتفافاً أو "ضربة حر"، وتحولت غابات ومحاصيل زراعية إلى رماد، وأعلنت حالات طوارئ وكوارث، ومُني الاقتصاد بخسائر فادحة.
كانت الموجة أشد وطأة على فرنسا، حيث ارتفعت الحرارة الى 40 درجة مئوية. واستدعت السلطات الاطباء من عطلتهم الصيفية وفق خطة طوارئ موضوعة أصلاً لمواجهة هجمات ارهابية أو أوبئة أو كوارث طبيعية. وأقر وزير الصحة جان - فرنسوا ماتي باحتمال وفاة 5000 شخص بسبب الحر. لكن جمعية مؤسسات دفن الموتى في فرنسا أعلنت أن نحو 13 ألف شخص توفوا في الاسابيع الثلاثة الاولى من آب (اغسطس) زيادة على المعدل في الأعوام السابقة.
وكانت البرتغال البلد الأكثر تضرراً من الحرائق التي أدت الى مقتل نحو 20 شخصاً وقضت على نحو 100 ألف هكتار من الغابات، بينها 20 ألفاً من أشجار الفلين الذي تعتبر البرتغال المصدر الأول له في العالم. وأعلنت وفاة نحو 1400 شخص بسبب الحر.
وفي بريطانيا فرضت قيود على سرعة القطارات، وألغيت بعض الرحلات، خشية تعرض قضبان السكك الحديد للالتواء.
وانخفض منسوب نهر البو في ايطاليا الى حده الادنى منذ 100 سنة، وجفّ قاعه وتشقق في مناطق كثيرة مسبباً خسائر كبرى للقطاع الزراعي. وأعلن المركز الحكومي للأحوال الجوية أن موجة الحر هذه هي من الخمس الأسوأ في 150 سنة. وفرض ترشيد استخدام الكهرباء بسبب الاستهلاك الهائل للمكيفات.
وانصرف كثيرون الى ممارسة التزلج في جبال سويسرا، التي لم تلبث ان أعلنت سلطاتها ان ثلوج قمم جبال الألب الملقبة بالأزلية بدأت بالذوبان. وأعلن أن درجة حرارة مياه البحر المتوسط ارتفعت خمس درجات عن معدلها المعتاد في شهر آب (اغسطس) لتصل الى 32 درجة مئوية.
توقعت وكالات للأرصاد الجوية أن يكون سبب موجة الحر ارتفاع الضغط الجوي في منطقة تمتد من غرب شبه جزيرة ايبيريا (اسبانيا والبرتغال) الى وسط أوروبا، بالاضافة الى منخفض يمتد من شمال افريقيا الى شبه الجزيرة. لكن خبراء كثيرين أشاروا الى "تباشير" تغير المناخ بسبب الاحتباس الحراري الناجم عن انبعاثات غازات الدفيئة.
العبرة هنا أبعد من أرقام الخسائر البشرية والمادية لصيف غير عادي. هذا إنذار فقط، مؤشر صغير. فهل يكون "بروفا"، أو تجربة، لما يمكن ان يحدث إذا ما تغير المناخ على نحو لا رجوع عنه؟
|