Wednesday 27 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
بون ـ من وجدي رياض الدفء العالمي على أبواب مؤتمر بون للمياه  
شباط (فبراير) 2002 / عدد 47
 لم يكن مزاحاً ذلك الرسم الذي ظهر فيه شعار المؤتمر الدولي للمياه العذبة وقد غرق فيه الانسان وبدت استغاثة في يده الغائصة. في مدينة بون، مسقط رأس بيتهوفن عبقري الكلاسيكيات الذي ولد في أحد الازقة هناك قبل 331 عاماً، وعلى ضفاف الراين الذي كان حتى 15 عاماً مضت من أقذر أنهار العالم الدولية التي يتجاوز عددها 300 نهر، عقد المؤتمر الدولي للمياه العذبة. وشهد جلساته الطويلة على مدى خمسة أيام ممثلو 180 دولة، تقدمهم 46 وزيراً أصدروا بيانهم الوزاري الخالي من أي محددات. وقد شهدت اجتماعاتهم قاعات البوندستاغ، برلمان ألمانيا القديم الذي أنشئ عقب الحرب العالمية الثانية في العاصمة الموقتة بون احدى أصغر مدن ألمانيا تعداداً للسكان، وانتقل في عصر ألمانيا الموحدة الى برلين التي كانت مقراً للفوهرر هتلر.
المؤتمر كان "تعليمياً". واتسمت جلساته بالموضوعات الساخنة العامرة بالمناقشات، ولكن مع وفود وضعت أيديها من مياه باردة. حتى مناقشات الشمال والجنوب اتسمت بالوداعة، وخلت من الأنياب الحادة التي تطالب بحقها في زمن ينهش فيه أغنياء الشمال لحم فقراء الجنوب وبلدانه النامية. في أروقة المؤتمر، حيث اختلط الحابل بالنابل من كل قارات العالم، وقفت دول الشمال مكتوفة الأيدي، تراقب، تتابع، ترصد، وفي الوقت نفسه تملك التكنولوجيا الاكفأ والأنظف، وأسلوب الادارة الحديثة والتدريب المؤسسي والتوعية والوفرة. وعلى الجانب الآخر، رفع أعضاء الجنوب الفقير أيديهم استغاثة من الفقر والجفاف والأمراض والفساد الاداري وغياب التكنولوجيا وهشاشة البيئة وغياب الشفافية والزيادة السكانية التي التهمت التنمية وسببت الفقر المائي.
وجعلنا من الماء كل شيء حي
المؤتمر، بحق، منح الحضور وفرة من المعلومات. كانت فكرته الرئيسية أن المياه مفتاح التنمية المستدامة. وهذا شعار صادق وجميل. وقد قالت وزيرة الاقتصاد والتنمية في ألمانيا في كلمتها الافتتاحية ان المياه هي الحياة، وأكد وزير بيئة ألمانيا ورئيس المؤتمر ان لا إنماء بلا ماء، وذكَّرت عمدة بون السيدة باربل ديكمان بأن الحياة لا تكون بلا ماء. والآية الكريمة التي نزلت منذ 15 قرناً حسمت كل الكلمات عندما قالت "وجعلنا من الماء كل شيء حي".
أمام 4000 مشارك في المؤتمر عشرات القضايا المطروحة: المياه والتنمية المستدامة، والجفاف والفقر، والزراعة، والصناعة، والاعاشة، والسياحة، والامن الغذائي، وتغيرات المناخ، وحماية النظام البيئي، والشلالات، والحدود، والخصخصة، والتسعير، وحقوق الانسان، والتلوث، والشركاء، والجمعيات، والاستثمار، والامن المائي، والتدريب، والادارة، والتعليم، والسدود، والغابات، والتشريعات، ودور الحكومة. نوقشت هذه القضايا في عشرات القاعات، ووضعت الاصابع على المشاكل والحلول. وأغفلت فواتير المياه ومن سوف يدفعها، وهو الموضوع الشائك الذي تحسب له الدول الغنية ألف حساب قبل دخول مؤتمر حتى لا تغرق في التزاماتها.
في الجنوب الفقير 133 دولة تعيش تركة مثقلة بالديون وآثار الحروب والتعمير والتنمية والبنية الاساسية والتلوث والزيادة السكانية والفساد الاداري والامراض والنزاعات العرقية وحروب الحدود وهجرة اللاجئين. وهي لا تملك التكنولوجيا النظيفة الشديدة الكلفة والادارة الحديثة لمصادر المياه ومواردها والري الحديث. وبالحساب، فان هذه الدول محتاجة الى دعم مادي يقدر بألفي مليون دولار. ولا تملك الصناديق الدولية والبنوك والوكالات الاممية أن تدفع أكثر من 20 في المئة من هذا المبلغ.
من يدفع فاتورة التلوث المائي في دول الجنوب؟ يأتي الخطر الداهم الذي زرعته الدول في أعماق الانهار الجارية العابرة للحدود. فهناك 300 نهر دولي تجري في العالم، وتطل على غالبيتها عدة دول. من هنا تأتي المنازعات. وكيف يكون نصيب كل دولة من مياه النهر؟ هل يحسب بالسكان، أم بالارض الزراعية، أم بنوعية المياه؟
ثمة خطورة جسيمة تكمن من الانهار العابرة للحدود. والحل هو توقيع اتفاقية بين دول النهر، يلتزم بها الكل، وهذا أمر صعب للغاية. كما يصعب أن تطبق الاتفاقية على نهر مثلما تطبق على آخر. واذا كانت اوروبا نجحت في اتفاقية الراين، الذي يمر عبر عدة دول، فهذا يرجع الى أن الامطار منحت الخير للحقول قبل أن يغذيها هذا الشريان الحيوي. فكانت السماء في أوروبا هي سبب النجاح، لا الاتفاقية، لانها تمطر دائماً.
الماء مشكلة لكل الدول، ونذير شؤم لحروب آتية. ومهما غالى العالم حول خطورة نقطة الماء، فان المؤتمر ظل معلقاً حتى اليوم الأخير، وشعاره "الماء مفتاح التنمية المستدامة". فالمشكلة هي الأمن الغذائي والمائي، وهي مشكلة اجتماعية صحية بيئية اقتصادية. ولا توجد دولة في العالم الثالث تملك فائضاً من الماء، ربما باستثناء باراغواي حيث سوء الادارة جعل المواطن يعيش فقراً مائياً. ومن هنا فان ادارة المياه وتكنولوجيتها في غاية الاهمية. وهذا هو سر تكالب دول العالم على حضور المؤتمر، حتى بلغت 180 دولة، بين ممثليها 46 وزيراً للمياه و47 منظمة و73 مؤسسة، عدا ممثلي الجمعيات والمجموعات والمجتمع المدني والمرأة والتجارة والاستثمار. وكان من المتوقع أن يعلن المؤتمر بزوغ شمس منظمة البيئة العالمية التي سترصد كل نشاط يؤثر في البيئة. ومن أبرز هذه الانشطة الانتاج والتصدير، فأي منتج كانت خامته أو هو نفسه ملوثاً، فان مصيره الطرد من سوق الانتاج العالمي. انها منظمات الاوامر والنواهي، وهي تنطبق على كل شيء ينتج محلياً أو عالمياً، ولن يدفع الثمن سوى دول العالم الثالث التي سوف يصبح انتاجها مطروداً حتى من أسواقها.
10 مواقع تنذر بالحروب
تنفجر مواقع نضوب المياه على خريطة العالم. ففي عشر أماكن من العالم النامي سوف تنشب حروب بسبب شح المياه، وبسبب السدود التي حجبت المياه عن الارض والزرع والضرع. لقد تحولت السدود سلاحاً فتاكاً في معركة الحياة، بل تحولت المياه ذاتها سلاحاً فتاكاً اذا كانت ملوثة. ومعظم الأمراض في البلدان النامية سببها نوعية المياه، مع أن مصادر منظمة الصحة العالمية تبوح بأن المياه النظيفة يمكن الحصول عليها بتطبيق قواعد بسيطة مثل التطهير بالكلور الذي يتفوق حالياً على كل ما عداه من طرق المعالجة الشديدة التخصص والباهظة التكاليف غالباً. ولعل من أهم الامراض تلك المنقولة بالماء والعوامل المسببة لها، ولا سيما الامراض الجرثومية والفيروسية التي تسبب الحمى التيفية ونظيرة التيفية والزُحار العصوي والكوليرا (الهيضة) والالتهاب المعدي المعوي الحاد والاسهال والتهاب الكبد وشلل الاطفال.
اختتم مؤتمر المياه أعماله بعد خمسة أيام، وصدرت عنه توصيات تحذر من خطورة الفقر المائي، الذي يعتبر إخلالاً بحق من حقوق الانسان. وقد دعت الى ضمان تدفق المياه لكل الناس، وتوفير البنية الاساسية للمياه، وتحسين إدارة المياه وحمايتها، وتشجيع المشاركة في المشاريع الضخمة، وتقسيم الفوائد وتدفق المياه عبر الحدود، وادارة المخاطر، وتشجيع المبادرات، وتقليص الفساد، وزيادة أنواع الدعم، وجذب الاستثمارات، وزيادة المساعدات التنموية للمياه.
وبينما تبارى الوزراء المعنيون بالماء في افريقيا، تم اصدار بيان قالوا فيه ان 400 مليون نسمة مقيمة في 17 دولة ستعاني من شح المياه بحلول سنة 2010. وستدفع غالبية الحكومات والشعوب غالياً من اعتلال الصحة وارتفاع ثمن المياه بسبب الشح والجفاف، كما ستتعرض الموائل والنظم الايكولوجية للخطر. والواقع أن التنمية الوطنية المستدامة شبه معدومة في دول افريقيا، مع وجود 50 حوض مياه تشارك فيه أكثر من دولة. وسوف تركز الجهود على حسن ادارة المياه، والحوار الحكومي الدولي بشأن السياسة العامة، وتمويل تنمية قطاع المياه وبناء قدراته، ونقل التكنولوجيا، وسد الحاجة من المياه وخدماتها، وتقوية دور المياه في حياة المرأة والأسرة.
وقدر الوزراء البيئة الذين حضروا المؤتمر أن هناك 1.2 بليون نسمة يعيشون في فقر مائي، وقرابة 2.5 بليون نسمة لا تتوافر لهم مرافق صحية حقيقية. وطالبت الهيئات الأهلية بحسن ادارة المياه التي تقع على عاتق الحكومة، وتدبير التمويل الضروري وبناء القدرات ونقل التكنولوجيا مع تعاظم دور المجتمع الدولي.
وفي منتصف نهار اليوم الخامس انفضّ المؤتمر، وودعت الوفود بعضها بعضاً، وقد ذاب جبل الجليد الحقيقي الذي أقيم أمام مدخل قاعة المؤتمرات، منبهاً الى أن الجو في شهر كانون الأول (ديسمبر) لم يعد كما كان وأن الدفء العالمي على الابواب.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.