الإهمال والاستغلال غير العقلاني للأراضي الزراعية ومحدودية القدرات الطبيعية للمناطق شبه القاحلة تسرّع تدهور إنتاجيتها وتستدعي تدخلات إنقاذية
خسرت الجزائر أكثر من 70 ألف هكتار من الأراضي الزراعية والرعوية منذ العام 2000، بفعل التصحر وعزوف السكان عن استصلاح الأراضي. رقم جعل الحكومة تدق ناقوس الخطر من خلال اجراءات عاجلة، أبرزها رفع الغلاف المالي المخصص لقطاع الزراعة من 200 بليون دينار جزائري (2.3 بليون دولار) إلى 300 بليون دينار (3.5 بليون دولار) في المخطط الخماسي الجديد 2015 - 2019، مع التركيز على توسيع المساحات المروية وتشييد السدود والتشجير وتدعيم وسائل اقتصاد المياه.
هذا التحرك جاء استجابة لتحذيرات أطلقها خبراء وجمعيات ناشطة في المجال. وازدادت حدة المخاوف أمام الزحف المستمر للرمال في اتجاه المناطق الشمالية. وهذا ما أثبتته دراسة أعدتها المديرية العامة للغابات، خلصت إلى أن التصحر يهدد مساحات شاسعة في المناطق السهبية تقدر بنحو 32 مليون هكتار، موزعة عبر 23 ولاية تعتبر وسطاً حساساً ذا توازن بيئي هش. وذلك راجع الى طبيعة مناخ البحر المتوسط الحار صيفاً وشبه الجاف شتاء، إضافة إلى الاستغلال غير العقلاني للأراضي الزراعية وعدم حمايتها، ومحدودية القدرات الطبيعية في هذه المناطق التي يعتمد سكانها غالباً على تربية المواشي كنشاط اقتصادي وحيد. لكن هذا النشاط ما لبث أن تراجع بعد تسجيل عجز كبير في إنتاج الأعلاف وصل إلى حدود 75 في المئة مع تراجع المساحات الرعوية بسبب التصحر وزحف الرمال.
يؤكد خبراء أن الجزائر اليوم أمام أكبر تحد طبيعي هو التصحر، لارتباطه الوثيق بالنشاط الإنساني وتأثيراته على أمنها الغذائي. ويقول أستاذ البيئة في جامعة جيجل سعيد قريمس إن الأمر لا يتعلق فقط بوقف زحف الرمال الجامحة، وإنما بوضع حد لأسباب ذلك، إذ لا يمكن «السد الأخضر» ولا أي مانع مادي آخر وقف الظاهرة التي تزداد تفاقماً مع التغيرات المناخية والأمطار الطوفانية وتغير طبيعة التربة التي تتعرض للانجراف. أضف إلى ذلك الأخطار الآتية من البحر، من ارتفاع منسوب المياه وانجراف التربة الساحلية.
وقد صنفت دراسات حديثة ثلاث ولايات جزائرية، هي البيض ورقلة وغرداية، في خانة الولايات التي تواجه خطراً عالياً في التصحر. وأشارت إلى أن زحف الرمال ألحق على مدى السنوات الثلاثين الماضية أضراراً جسيمة بالولايات الواقعة في شريط الهضاب العليا، على غرار الجلفة وبسكرة وتيارت وتلمسان والبيض وبرج بوعريريج وباتنة والمسيلة، التي باتت تعيش تصحراً أتى على نحو 35 في المئة من أراضيها، وتقلصت المساحات التي تتوفر على غطاء نباتي في هذه المناطق إلى نحو 3 ملايين هكتار فقط من أصل 5.6 ملايين هكتار قبل ثلاثين سنة.
السد الأخضر
رغم تدخل الحكومة والبرامج الطموحة والأموال المرصدة لحماية المراعي السهبية المقدرة بنحو 32 مليون هكتار، والتي تضم أكثر من 21 مليون رأس ماشية و7 ملايين نسمة، إلا أن ذلك لم يوقف حالة التدهور الخطيرة والتصحر المتسارع الذي أصبح يهدد الاقتصاد الرعوي بشكل حاد. وأمام هذا الوضع الخطير سارعت الحكومة إلى إعادة إحياء البرامج الكبرى التي عرفها القطاع، ومنها «السد الأخضر» من أجل المحافظة على النظام الايكولوجي للبلاد واعتماده كحل لوقف زحف الرمال.
ويعتبر السد الأخضر، الذي أطلقه الرئيس الراحل هواري بومدين عام 1970، من المشاريع الكبرى على المستوى الأفريقي. وكان الهدف منه وقف زحف رمال الصحراء نحو الشمال من خلال حاجز شجري أخضر يمتد من الحدود الجزائرية الغربية الى الحدود الشرقية على مسافة 1500 كيلومتر، وبالتالي استخلاف الثروة الغابية التي تعرضت للإتلاف خلال حرب التحرير الجزائرية من جراء القصف الجوي لجيش الاستعمار الفرنسي.
مخطط حكومي استعجالي
مع نهاية سنة 2014 عملت الجزائر على بلورة تصور مشترك بين القطاعات المعنية، وعلى رأسها قطاع الغابات والزراعة، ورسم خريطة طريق متوسطة وبعيدة المدى لمواجهة زحف الرمال. وذلك على مساحة إجمالية تبلغ 2.5 مليون هكتار، موزعة عبر 600 بلدية في 38 ولاية، حسبما أعلنت وزارة الفلاحة. كما تم تخصيص مبالغ هامة ضمن المخطط الخماسي الحالي 2015 - 2019، والتركيز على إعادة تفعيل مشروع السد الأخضر وتوسيعه، وتعزيز الثروة الغابية المقدرة بنحو 4.7 مليون هكتار.
وتمكنت الجزائر منذ العام 2000 من تشجير 716 ألف هكتار، منها 230 ألف هكتار للأشجار المثمرة. وذلك ضمن المخطط الوطني للتشجير الذي يهدف إلى تشجير مساحة 1.2 مليون هكتار في أفق 2020، مع تسطير برنامج لتوسيع المساحات المروية من مليون هكتار إلى مليوني هكتار بحلول سنة 2019.
وترتكز هذه الخطة على ثلاثة محاور أساسية: محاربة التصحر وزحف الرمال في مناطق السهوب وأبواب الصحراء والصحراء، وحماية مصبات الأحواض وتنمية المناطق الجبلية، وإعادة تشكيل الأنظمة البيئية للغطاء الغابي بصورة تسمح باستعادة المساحات الغابية الشاسعة التي تتسبب الحرائق سنوياً في إتلافها. يضاف إلى ذلك حماية المراعي وحماية الواحات وإعادة الاعتبار إلى المناطق المخصصة لنبات الحلفاء، الذي يلعب دوراً هاماً في وقف زحف الرمال نظراً الى شدة مقاومته للجفاف والحرائق.
كادر
كاسر الجور القبائلي يغرد وحيداً في شمال الجزائر
بألوان زاهية تضاهي عذوبة صوته، يغرد كاسر الجوز القبائلي (lasitellekabyle) في مرتفعات جيجل المطلة على البحر المتوسط، التي اختارها موطناً وحيداً له في العالم، معلناً تحديه لكل عوامل الانقراض من حرائق الغابات وغزو الإسمنت على حساب المساحات الغابية.
يعتبر كاسر الجوز القبائلي، الذي يسمى أيضاً «النسيبة الزرقاء»، الطائر الوحيد في العالم الذي يستطيع الهبوط عن الأشجار مشياً بسهولة صعودها، بفضل قدميه القويتين. وهو متوسط الحجم، بطول 13 سنتيمتراً، ذو ألوان زاهية يغلب عليها الأزرق والبني الفاتح والبرتقالي. في العام 1989 تم احصاء 80 زوجاً من هذا الطائر في جبال بابور شرق الجزائر، تتقاسم العيش على مساحة لا تزيد عن 2.5 كيلومتر مربع. وبعد مواصلة الأبحاث تم اكتشاف مواقع أخرى لتكاثره في منطقة جيملة وجبال تازة. وفي نهاية 2014 اكتشفت مناطق عيش جديدة له في جبال قروش والماء البارد، وفي غابات جبال بابور التي يجري الإعداد لإعلانها محمية طبيعية.
صنف الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة كاسر الجوز القبائلي ضمن الطيور المهددة بالانقراض عام 1995، ووضعت الجزائر قانوناً خاصاً لحمايته.