البحر الأحمر وخليج عدن معبر رئيسي للسفن التجارية وناقلات النفط، وتواجه بيئتهما الفريدة مخاطر التلوث النفطي والصرف الصناعي والصحي والامتداد العمراني والسياحي. الدكتور زياد أبو غرارة، الأمين العام للهيئة الاقليمية للمحافظة على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن، يوضح الفرادة البيئية لهذه المنطقة الحساسة وما تفعله الهيئة من أجل حمايتها
كان إقليم البحر الأحمر وخليج عدن على الدوام طريقاً بحرياً حيويًا للتجارة يربط أوروبا بالقارات الأخرى في العالم القديم. وعلى مرِّ العقود القليلة المنصرمة زادت صناعة النفط والنقل البحري للنفط من أهمية هذا الإقليم، مما وضعه في قلب الاستراتيجيات السياسية - الجغرافية للدول الصناعية. وصاحب ذلك اهتمام متزايد على الصعيدين المحلي والدولي بموارده البحرية الحية ومواطنها الطبيعية.
يقول الدكتور زياد أبو غرارة، الأمين العام للهيئة الاقليمية للمحافظة على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن، ان البحر الأحمر يتميز بموقعه الجغرافي في منطقة ساحلية جافة تخلو من الأنهار الرئيسية. فهذا جعله ينعم بمياه مدارية صافية تساعد على نمو الشعاب المرجانية النابضة بالحياة، وما يرتبط بها من مجموعات حيوانية شديدة التباين والتعقيد يُعتبر العديد منها مستوطناً. وقد جذبت هذه الشعاب المرجانية السياح بأعداد متنامية لم يسبق لها مثيل. ويعتبر خليج عدن، من الناحية الأخرى، منطقة تيارات صاعدة مما يرفع إنتاجيتها من الموارد السمكية.
والى الشعاب المرجانية، يضم إقليم البحر الأحمر وخليج عدن نظماً إيكولوجية أخرى فريدة، منها غابات المنغروف (الشورى) التي تسهم في إنتاجيتها الأولية العالية وتهيئ مناطق تعشيش لسلسلة عريضة من أنواع الحيوانات البحرية والبرية. وتوفر الشواطئ الرملية مناطق تعشيش هامة للسلاحف البحرية. كما تعتبر مناطق الأعشاب البحرية من النظم الإيكولوجية الغزيرة الإنتاج.
مخاطر على البيئة الفريدة
يشير الدكتور أبو غرارة الى أن "إقليم البحر الأحمر وخليج عدن، من وجهة نظر بيئية، لا يزال يحتفظ بكثير من نقائه الأصلي، مقارنة بالبحار الأخرى شبه المغلقة في أنحاء العالم. لكنه يضيف أن هناك مواقع تلوث وتدمير للمواطن الطبيعية في بعض المناطق الساحلية، نتجت عن الأنشطة الصناعية والترفيهية وتصريف مياه الري الملوثة بالأسمدة والمبيدات، وتصريف مياه الصرف الصحي في بعض المناطق على الساحلين الشرقي والغربي.
تواجه هذه المنطقة البحرية مخاطر عدة من أهمها تدمير المواطن الطبيعية نتيجة للبناء على السواحل، وتدمير أشجار المنغروف والشعاب المرجانية من خلال ممارسات الصيد غير المستدامة، وإزالة المرجان لأغراض سياحية، والأضرار المادية التي يسببها السياح أثناء رياضة الغوص. كما أن الصيد الجائر والصيد غير المشروع وعدم التقيد بقوانين ولوائح المصايد المحلية تشكل تهديداً كبيراً لاستدامة الموارد البحرية الحية على المدى الطويل. وتتعرض أسماك القرش لعمليات صيد مكثف بغرض تزويد سوق زعانف القرش في جنوب شرق آسيا.
ولما كان البحر الأحمر معبراً هاماً للسفن التجارية وناقلات النفط، فهذا يزيد من مخاطر التلوث الناتج عن حوادث التسرب أو جنوح الناقلات. وثمة تهديدات كبيرة ناتجة عن التلوث الحضري والصناعي والتخلص من الفضلات واستخدام المياه السطحية والجوفية، ودخول المياه المالحة إلى طبقات المياه الجوفية، فضلاً عن الآثار البيئية السلبية للزراعة مثل زيادة الترسُّب وتراكم بقايا المبيدات والأسمدة.
ماذا حققت الهيئة؟
جذبت الهيئة الاقليمية للمحافظة على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن تمويلاً من المنظمات الدولية لتنفيذ برنامج العمل الاستراتيجي للبحر والخليج. وكان من ثماره، كما يقول الدكتور أبو غرارة، إصدار خرائط ملاحية جديدة تظهر الإجراءات الجديدة لفصل مسارات السفن في جنوب البحر الأحمر بهدف تقليل مخاطر الملاحة وبالتالي تقليل التلوثالبحري. وتم تجهيز وتشغيل مركزين إقليميين فى عدن وجدة للأبحاث والتدريب في مجال الموارد البحرية الحية، وتدريب الباحثين حول تقييم المخزون مع التركيز بوجه خاص على أسماك القرش. ووضعت خطط عمل إقليمية لصون المواطن الطبيعية مثل أشجار الشورى والشعاب المرجانية، والأنواع الرئيسية مثل الطيور والسلاحف البحرية. كما تم إعداد خطة إقليمية رئيسية لمنظومة المناطق البحرية المحمية، ووضعت خطط للإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية. ونفذت في معظم دول الإقليم مشاريع لرفع مستوى مشاركة المواطنين في أعمال المحافظة على البيئة البحرية. كما قامت الهيئة بتنظيم "المنتدى الإقليمي الثاني من بحر إلى بحر" في القاهرة في شباط (فبراير) 2005،الذي استقطب أكثر من 300 مشارك من داخل الإقليم وخارجه وقدمت فيه أكثر من خمسين ورقة بحثية.
بالنسبة الى الجوانب التشريعية، يقول أبو غرارة ان دول الإقليم تفاعلت مع الهيئة في مراجعة البروتوكول الخاص بحماية البيئة البحرية من الأنشطة البرية، والبروتوكول الخاص بالتنوع البيولوجي وإنشاء مناطق محمية. وتوجت هذه الجهود بتوقيع المفوضين على البروتوكول الأول في أيلول (سبتمبر) 2005 وعلى البروتوكول الثاني في كانون الأول (ديسمبر)، وذلك في مقر الهيئة في جدة.
وفي رأيه أن التحدي الرئيسي هو التلوث الناتج عن حركة السفن التجارية وناقلات النفط، اذ تمر عبر هذا الممر الدولي الحساس 7 في المئة من التجارة العالمية البحرية، وكل أنواع السفن التجارية بين اوروبا والأمركتين والشرق الأوسط، واحتمال حوادث السفن وتدمير البيئة البحرية وارد. كما أن نقل بعض الأحياء الغريبة إلى بيئة البحر الأحمر وخليج عدن، من خلال تفريغ مياه التوازن للسفن الآتية إلى موانىء دول الإقليم، قد يكون له آثار سلبية على البيئة البحرية، إضافة إلى الآثار الاقتصادية نتيجة الإضرار بالثروة السمكية والأنشطة السياحية في المناطق الساحلية.
ومع تداعيات العولمة والتجارة العالمية، من المتوقع أن تشهد هذه الحركة زيادة مطردة خلال الأعوام المقبلة، والتي تعقب تفعيل هذه التوجهات. كما أن التنمية الساحلية مستمرة من أنشطة سياحية وصناعية ستؤثر سلباً على البيئة البحرية والساحلية ما لم يؤخذ البعد البيئي لهذه الأنشطة في الاعتبار.
وللحد من هذه التحديات، قامت الهيئة بإنشاء "مركز المساعدات المتبادلة للطوارىء البحرية" في الغردقة الذي تم افتتاحه في أواخر أيار (مايو) 2006. وانتهت من إعداد خطة العمل الإقليمية للتخطيط للطوارىء البحرية بالتعاون مع المنظمة البحرية الدولية، وشراكة مع المنظمة البحرية لمساعدة دول الإقليم في إدارة مياه التوازن. وأعدت حزمة من المشاريع تهدف إلى حماية البيئة البحرية من التلوث من الأنشطة البرية بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة (برنامج العمل العالمي)، إضافة الى مشروع خاص بالملوثات العضوية الثابتة في البيئة البحرية بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية.
منطقة خاصة حيث الملوث يدفع
يلفت الدكتور زياد أبو غرارة الى نقلة نوعية في عمل الهيئة الاقليمية للمحافظة على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن: "سيتم التركيز على تنفيذ الخطط والبرامج التي كانت نتاجاً لبرنامج العمل الاستراتيجي، وكذلك على عمليات رصد التلوث ووضع سيناريوهات ومؤشرات يمكن من خلالها تقييم ما تقوم به الهيئة ودول الإقليم من جهود للمحافظة على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن".
ويؤكد أن الهيئة ستواصل عملها على تعزيز مبدأ الشراكة والانتماء للإقليم ووحدة الهدف والتطلعات بين دوله، "والذي كان جلياً من خلال المشاركة الفاعلة لدول الإقليم في أنشطة الهيئة واهتمامها بمسيرتها ومستقبلها". ويضيف أن الهيئة ستواصل مساعيها للإسراع في إعلان البحر الأحمر منطقة خاصة يحظر فيها التلويث على أنواعه، تنفيذاً للاتفاقية الدولية لمنع التلوث من السفن (1973/1978)، فيكون لزاماً على السفن الملوثة دفع تعويضات عن الأضرار التي تسببها.