تفقس الأسماك وتربى في أحواض ثم تنقل إلى أقفاص عائمة على النهر أو البحر حتى تبلغ الحجم المطلوب تجارياً
تعتبر الثروة السمكية في العراق من الثروات الرئيسية إلى جانب النفط والزراعة، نظراً لكثرة الأنهار في البلد وانفتاحه على شط العرب والخليج العربي وتوسعه برعاية هذه الثروة من خلال تقنيات حديثة وملائمة، في مقدمتها توسيع تجربة الأقفاص العائمة لتكاثر الأسماك.
يشير الوكيل الفني لوزارة الزراعة العراقية الدكتور مهدي ضمـد القيسي إلى أن العراق يمر بأزمـة مياه متفاقمة، إضافة إلى التغيرات المناخية وانحباس الأمطار. فهو يعاني من قلة الإيرادات المائية بسبب نقص الإطلاقات الآتية من تركيا، حيث منابع نهري دجلة والفرات، اللذين ينبعان من المرتفعات التركية ويصبان في شط العرب بعد لقائهما في محافظة البصرة جنوب العراق. وتسعى تركيا لبناء مزيد من السدود المائية. كما يعاني العراق من السيول الآتية من إيران، والتي أدت إلى تلف المحاصيل الزراعية ونفوق الأحياء المائية، خصوصاً في محافظات ميسان وواسط وديالى.
لذا فإن تربية الأسماك في الأقفاص العائمة تعتبر وسيلة لتقنين استخدامات المياه، لأنها تتم في مجرى الأنهار وليس في الأحواض الترابية أو المزارع السمكية التي تحتاج إلى جرّ مياه. وقد تم الاطلاع على هذه التقنية من خلال منظمة الأغذية والزراعة (فاو)، وتعمل فرق الإرشاد الزراعي على توعية مربي الأسماك وتدريبهم على تلك التقنية، حتى انتشرت بشكل كبير.
وأشار القيسي إلى أن كمية الأسماك المنتجة في الأقفاص العائمة تقدر بين 10 آلاف و15 ألف طن سنوياً.
يتم إنتاج «إصبعيات» الأسماك في المفاقس، وتربى في أحواض حتى يبلغ وزنها 50 غراماً، فتنقل إلى الأقفاص العائمة حيث تربى لتبلغ الحجم المرغوب في السوق.
تكاثر سريع وكلفة أقل
تقنية الأقفاص العائمة مفيدة لعدة اعتبارات، أولها أن الأسماك محصورة في القفص وحركتها محـدودة فـلا تذهب لمسافات بعيدة كما في البحيرات الترابية. والكثافة في وحدة الإنتاج عاليـة، فضلاً عن السيطرة على الأعلاف إذ تستخـدم فيها الأعلاف الطافيـة فـلا ينزل العلف إلى القاع. ويمكـن صيد الأسماك ومعالجتها بسهولة. ولا لزوم لتجديد المياه، فالأقفاص تُنصب على مياه جارية. ويتم التركيز على الأسماك الشائعة، خصوصاً الكـارب العشبي فهو سريع النمو ومستحبّ على المائدة العراقية. وأكد القيسي أن التجربة نجحت بنسبـة 80 في المئـة في غالبيـة مناطق الوسط والجنوب، وخاصة في محافظـات ديالى وبابـل وكركوك نظـراً لنقـاء شواطئهـا وأنهارها ووفرة الأسمـاك فيهـا.
ويشتهر العراق بأنواع كثيرة من الأسماك النهرية، وخاصة الكارب أو الشبوط، الذي تسهل تربيته في الأقفاص العائمة، وهو لذيذ ومطلوب لرخص ثمنه إذ لا يتجاوز سعر سعر الكيلو غرام منه 7000 دينـار (5 دولارات).
وحققت تقنية الأقفاص المغلقة العائمة نتائج مشجعة في التكاثر والنمو السريع مع كلفة أقل. وهذا جعلها مرغوبة لدى كثير من المستثمرين ومربي الأسماك، وأتاح إغـلاق كثير من المزارع الترابية التقليدية لتربية الأسمـاك، علمـاً أن منح إجازات لتأسيس هذه المزارع أو تجديدها توقف بسبب الأزمة المائية.
وتوضح الباحثة صفا الشمري أن الأقفاص العائمة تستخدم لتربية الأسماك في الميـاه النهرية والبحرية. وهي لا تستخـدم الأقفاص العائمة في منطقـة الأهـوار لأن مياهها راكدة، ولكن يمكن استخدامها في شط العرب وجميع الأنهار. ويتكون القفص من وحدة عائمـة تضم إطاراً من الخشب أو المعدن أو الألياف الزجاجية، يحيط بالمنصة لتسهيل عمليات التشغيل والصيانة والعمليات الروتينية، ويمكـن أن تصمم في مختلف الأشكـال والأحجـام لتناسب غايات المـزارع. وهي ليست ثابتـة الحجم، لكنها غالبـاً تكون بقياس 3 إلى 4 أمتـار مربعة، وتثبت بقـوة على ضفـة النهر، تتوسطها «العلافة» التي يوضع فيهـا غذاء الأسماك. ويمكن رفع الأقفاص في أي وقت لمراقبة نمو الأسماك ومعالجتها عند إصابتها بمرض.
في حديث مع «البيئة والتنمية»، أكد ضاري خميس، وهو أحد مربي الأسماك في محافظة ديالى، أن مشروع الأقفاص العائمة على ضفة النهر استثمار جيد، مبيناً أن أهم ميزاته تقليل الكلفة المالية، خصوصاً من ناحية الوقود الذي يستخدم يومياً وبكمية كبيرة في آلات تبديل مياه الأحواض التقليدية التي تقام على الأرض. وأضاف أن هناك عدة ميزات ترجّح كفـة الأقفاص العائمة، من بينها قلة الإصابة بالأمراض وخطورتها بالمقارنة مع الأسماك التي تربى في الأحواض الثابتة والبحيرات الترابية.
أما زميلـه حـيدر عبد فأشـار إلى أهميـة استغلال الأنهار في تطوير الثروة السمكية في العراق، خصوصـاً أن في البلد نهرين كبيرين هما دجلـة والفـرات يمتـدان على طـول جغرافيته. ودعا الدولـة إلى «دعم كل من يتبنى مشروعـاً لتطويـر الإنتـاج الـوطني وتقليـل الاعتمـاد على الاستيراد».