عندما نؤدي العمل ذاته يوماً بعد يوم، لا نلبث أن نطمئن للأخطار التي ينطوي عليها ونهمل خطورتها. ولكن عندما يقتضي العمل اليومي الغوص الى أعماق المحيطات بتجهيزات بدائية، فقد يصبح الاطمئنان قاتلاً.
تحتل الفيليبين المرتبة الحادية عشرة عالمياً في إنتاج ثمار البحر، وتجني مجتمعات ساحلية نحو 70 في المئة من دخلها من صيد الأسماك. وهكذا باتت الممارسات الخطرة في هذه الحرفة أمراً مألوفاً.
وتتجلى بعض الممارسات الأكثر خطورة لدى غواصي «البالينغ» الذين يقطنون في إقليم بالاوان. ينزل فريق من نحو مئة غواص إلى عمق 40 متراً، حاملين أرواحهم على أيديهم في كل رحلة. وهم يعتمدون على أنابيب رفيعة تزودهم بالهواء المضغوط من مولد صدئ على سطح المياه، والاحتمال وارد أن تتشابك إمدادات الهواء وتتعرقل. وثمة خطر جدي آخر هو «اختلال تنفيس الضغط» الذي يعرف عموماً بـ «شلل الغواص»، وهو حالة خطيرة قد تنتهي بالموت نتيجة دخول فقاقيع غاز إلى أنسجة الجسم، يسببها صعود الغواصين الى السطح بسرعة كبيرة. والمحزن أن المردود لا يوازي الأخطار التي يتعرض لها الصياد، فهو عادة يكسب ما يعادل 25 دولاراً لقاء أسبوع عمل.
مهنة أخطر تعرض حياة الانسان وأطرافه للخطر هي جمع نوع من القشريات البحرية الضخمة (goosebarnacles) التي تلتصق بالصخور في شمال إسبانيا. وهذه تقليدياً مهنة للنساء، لكن الرجال يمارسونها حالياً في الغالب. جامعو هذه الحيوانات الغريبة الشكل، الذين لا يعرفون الخوف، يصارعون الأمواج المتلاطمة والصخور المسننة لجمع غنائمهم الثمينة، التي تباع بنحو 250 دولاراً للكيلوغرام.
تعيش هذه الحيوانات القشرية على المنحدرات الشاهقة والصخور الضخمة المخددة على الخط الساحلي للمحيط الأطلسي، التي لا يمكن الوصول اليها إلا بعد انحسار المدّ. لذلك يشق الجامعون طريقهم إلى أماكن وعرة، متسلحين بقضبان معدنية وبعض الحبال. ويتم تسجيل خمس وفيات بين هؤلاء في المتوسط كل سنة، فلا عجب إن اعتبرت هذه المهنة من الأخطر في إسبانيا.
أخيراً، هناك مهمة يوافق كثيرون على أنها «مروعة» بقدر ما هي مجزية، إنها الأبوة. في إقليم زانسكار الهندي في هضبة التيبت، مع انتهاء فصل الشتاء، يقوم الآباء وأبناؤهم برحلة ملحمية على ضفة نهر زانسكار شبه المتجمد، إلى مدرسة داخلية في بلدة ليه التي تبعد نحو مئة كيلومتر. يرتحلون لمدة ستة أيام على ما يدعوه السكان المحليون «الشادار»، وهو طريق شتوي متجمد على النهر، يوفر مسلكاً عبر ممرات جبلية ضيقة عندما تقفل الثلوج الطرقات. ولكن في الربيع يبدأ الجليد المتماسك الأملس بالذوبان، محولاً الرحلة أحياناً من محجَّة تراثية إلى ورطة محفوفة بالمخاطر.
هذه المجتمعات الفطرية الثلاثة هي شواهد على قدرة الإنسان على التكيف مع البيئات المتطرفة وتذليلها. وبعدما صمدت مئات السنين في معيشتها الشاقة، يؤمل أن تواصل صمودها في عصر الانقراض هذا وتحافظ على فرادتها.
|