كشفت تحاليل لمياه الشاطئ اللبناني أجرتها مجلة «البيئة والتنمية» مع بداية الصيف أن هناك مواقع كثيرة مأمونة للسباحة، لكن ثمة مواقع يرتادها السابحون على رغم أن نسب التلوث البكتيري فيها تفوق المعدلات المسموحة بعشرات الأضعاف، خاصة في الرملة البيضاء وانطلياس - ضبية ونهر الكلب والمسبح الشعبي في جبيل. ووصل التلوث على شاطئي طبرجا وجونية الى ثلاثة أضعاف الحدود المقبولة. ولوحظ عدم وجود أي تحذير للسابحين من التلوث إلا على شاطئ الميناء ـ طرابلس، مع أنه ليس الأسوأ
في نيسان (أبريل) 2013، نُشرت على صفحة مجلة «البيئة والتنمية» على الفايسبوك صورة التقطها جميل علماوية، تظهر لافتة على شاطئ الميناء ـ طرابلس في شمال لبنان وضعتها بلدية الميناء، وعليها التحذير الآتي: "ننصح بعدم السباحة في هذا المكان نظراً لتلوث المياه بالمجارير".
اجتذبت هذه الصورة تعليقات كثيرة، وأثارت ردود فعل متنوعة، وتناقلها أصدقاء موقع المجلة على الفايسبوك الذين تجاوز عددهم المئة ألف. واعتبر البعض، من لبنان والخارج، أن بلدية الميناء خطت خطوة إيجابية حضارية بتحذير الناس من السباحة على ذلك الشاطئ. وتلقت مجلة «البيئة والتنمية» اتصالات كثيرة تطالب بتحديد الأماكن الصالحة للسباحة على شواطئ لبنان، خصوصاً بعد مقابلة مع رئيس تحريرها على إحدى القنوات الفضائية.
مع بدء موسم السباحة، وعدم صدور أية معلومات عن نوعية مياه المسابح البحرية من الجهات الرسمية، عمدت «البيئة والتنمية» الى جمع عينات من مياه الشاطئ، بهدف تنوير الجمهور. تولى العملية فريق الأبحاث في المجلة، بإشراف المهندس بوغوص غوكاسيان، وتم تحليل العينات في مختبرات قسم الهندسة المدنية والبيئية في الجامعة الأميركية في بيروت، وفق المعايير العلمية العالمية المعتمدة. وبما أن الهدف من التحاليل تنبيه السابحين، فقد تم جمع العينات من المواقع على مسافة بين متر واحد وعشرة أمتار من الشاطئ.
وكانت مجلة "البيئة والتنمية" دأبت على إجراء فحوصات لمياه الشواطئ اللبنانية منذ عام 2005. وهي تقارن النتائج مع أرقام الفحوصات الدورية التي يجريها على مدار السنة المركز الوطني لعلوم البحار، التابع للمجلس الوطني للبحوث العلمية، حيث يتم تحديد مستويات التلوث وفق تحليل فحوصات متعددة يتم جمعها دورياً من الموقع نفسه. لكن وجود التلوث بالبكتيريا القولونية، ولو لمرة واحدة، يعتبر مؤشراً خطيراً، لأنه لا يمكن تحديد مواعيد استخدام السابحين للبحر.
وقد جاءت معظم نتائج التحاليل هذه السنة قريبة من نتائج تحاليل المركز الوطني لعلوم البحار. ويقول مدير المركز الدكتور غابي خلف إن أرقام المركز تستخدم لأغراض البحث العلمي، وقد تختلف النتائج بين شهر وآخر، وربما بين يوم وآخر، وفقاً لتدفق مياه الصرف وحالة الموج وقوة الرياح ووجهتها. وقد يصرّف مطعم أو مجرور صغير مياه الصرف في وقت ما، فتتفكك المواد العضوية الملوِّثة سريعاً مع قوة الموج الحامل للأوكسيجين.
المؤسف أن الجهات الرسمية المختصة لا تستفيد من فحوصات المركز لإصدار نشرة أسبوعية تصنّف فيها الشواطئ اللبنانية، خلال موسم السباحة على الأقل.
ويشير وجود كميات كبيرة من البكتيريا القولونية إلى ارتفاع خطر مسببات الأمراض الموجودة في المياه، ومنها التهابات الأذنين، والإسهال الحاد، وحمى التيفوئيد، والالتهاب المعدي المعوي، والتهاب الكبد. ثم إن تحلل المواد العضوية غير المعالجة يخفض مستويات الأوكسيجين المذاب في الماء، ما قد يقتل الأسماك والأحياء المائية الأخرى.
أظهرت التحاليل الجديدة لمجلة «البيئة والتنمية» أن البكتيريا القولونية الناجمة من البراز البشري ما زالت عنصر التلوث الرئيسي في بحر لبنان. ويعود هذا الى استمرار تصريف المجارير في البحر بلا معالجة. ويقدر أن 300 مليون ليتر من مياه المجارير الخام تصب في البحر يومياً. وقد تفاقم الوضع خلال السنوات العشرين الأخيرة، حيث تم إنشاء شبكات لجمع مياه الصرف في مناطق لبنانية عدة، لكن لم يتم وصلها الى محطات للمعالجة، بينما بنيت محطات معالجة لم تصلها الشبكات. هكذا ينتهي الأمر بالمياه العادمة الى الأودية ومجاري الأنهار، التي أصبحت مجارير مكشوفة تصب في البحر.
على امتداد الشاطئ اللبناني، توجد محطتان لمعالجة مياه الصرف تعملان جزئياً، وهما تقعان في منطقة الغدير جنوب بيروت، وفي صيدا. في المقابل، هناك خمس محطات معالجة مكتملة في طرابلس وشكا والبترون وجبيل والجية، لكنها لا تعمل بسبب عدم وصول شبكات الصرف اليها. أما محطة المعالجة على شاطئ صور فهي شبه منجزة لكنها لا تعمل لعدم وجود مصب بحري. ولم يبدأ بناء محطة الصرفند لعدم وجود تمويل. أما في كسروان، فهناك خطط لمحطتين في أدما والذوق، لكن تصميمهما لم يبدأ بعد على رغم توفر التمويل لهما. وتبقى المشكلة الرئيسية في محطة برج حمود على شاطئ بيروت، التي لم يبدأ انشاؤها رغم توفر الدراسات والتمويل منذ أكثر من 15 سنة، وذلك لوجود اختلاف حول الموقع مع بلديتي برج حمود وبيروت. أما في المناطق الداخلية فتعمل محطتان في بعلبك واليمونة، في حين أن محطتين مكتملتين في صغبين وجب جنين تعملان بنحو 10 في المئة من طاقتهما فقط لعدم وجود الشبكات.
نتائج التحاليل
بيّنت النتائج ارتفاعاً خطيراً في مستويات البكتيريا القولونية على شاطئ الرملة البيضاء (بيروت) وأنطلياس ـ ضبية ونهر الكلب شمال بيروت. واللافت حصول ارتفاع كبير في مسبح جبيل الشعبي، حيث تضاعف التلوث 10 مرات عما كان عليه عام 2007. ولوحظت أرقام تلوث منخفضة في المسابح الخاصة الواقعة جنوب المسبح الشعبي في جبيل، وهذا يعود إلى إبعاد مصبات المجارير عنها لجهة الشمال. كما تبين حصول انخفاض في التلوث البكتيري على شاطئ صيدا والميناء ـ طرابلس. وتجدر الإشارة إلى أن النتائج تعطي صورة عامة فقط، إذ أنها محصورة بفترة محددة، وتتفاوت مستويات التلوث وفقاً لتدفق المصدر الرئيسي وهو المجارير، إضافة إلى حالة الموج وقوة الرياح ووجهتها. والمطلوب إجراء تحاليل أسبوعية خلال موسم السباحة وإعلان نتائجها للجمهور عبر وسائل الإعلام ومن خلال تعليمات توزعها البلديات.
القياس المعتمد هو عدد المستعمرات القولونية في كل 100 مليليتر من المياه (FC/100ml). كل ما هو بين 50 و100 مستعمرة بكتيرية قولونية في 100 مليليتر من المياه يعتبر على حدود الخطر. وما يتجاوز 100 مستعمرة شديد الخطر.
تم تسجيل أعلى مستوى على شاطئ انطلياس ـ ضبية شمال بيروت، حيث تجاوزت الكمية 2000 مستعمرة قولونية في كل 100 مليليتر،، مقارنة مع 1000 عام 2007. وتبع هذا شاطئ الرملة البيضاء في بيروت، حيث تجاوزت كمية البكتيريا 1000 مستعمرة. وفي الحالتين يبلغ التلوث أكثر من عشرة أضعاف الحدود القصوى المسموحة، وهذا يتشابه مع شاطئ الأوزاعي جنوب بيروت، الذي نادراً ما يستخدم للسباحة. ويمتد التلوث من الرملة البيضاء، حيث يوجد مسبح شعبي، الى الشواطئ المحاذية شمالاً حتى المنارة، حيث توجد منتجعات ومسابح خاصة، وإن بمعدلات أقل لكنها تتجاوز المئة. وعلى شاطئ نهر الكلب، حيث توجد منتجعات ومجمعات سياحية فخمة، وصلت الأرقام الى 600 مستعمرة، وهذا أكثر من ضعفي ما تم تسجيله عام 2007. وسجّلت على شواطئ السباحة في طبرجا وجونية أرقام مرتفعة من التلوث وصلت إلى ثلاثة أضعاف المسموح.
التلوث على شاطئ صيدا الشمالي انخفض من 244 مستعمرة عام 2007 الى 50 حالياً، أي على حدود الخطر. وهذا يعدّ أفضل تحسن خلال هذه الفترة، ومردّه إلى بدء عمل محطة المعالجة في صيدا قبل أخذ العينة بشهر واحد، مع أنها ما زالت تقتصر على المعالجة الأولية ولا تعمل بكامل طاقتها. وعلى شاطئ المسبح الشعبي في الميناء ـ طرابلس انخفض الرقم من 102 الى 68، وهذا على الحدود أيضاً.
أما الشواطئ التي يرتادها السابحون والتي تم تسجيل أرقام منخفضة فيها، تتراوح بين صفر و4، فهي من الجنوب الى الشمال: صور، الرميلة، الجية، الجامعة الأميركية في بيروت، جبيل / جنوب المسبح الشعبي، البترون، سلعاتا، شكا. وفي حين تم تسجيل ارتفاع في الأرقام مقارنة مع عام 2006 في الدامور / السعديات (16 ارتفاعاً من 1) وعمشيت (30 ارتفاعاً من 1) فما زالت هذه الشواطئ ضمن الحدود المأمونة. والملاحظ أن نتائج بعض المسابح الخاصة جيدة، في حين أن الشواطئ المحاذية لها ملوثة، وهذا قد يعود إلى ترتيبات لإبعاد مصبات المجارير عن مواقع بعض المنتجعات.
يبقى الحلّ الوحيد لوضع حد للتلوث الخطير بالبكتيريا القولونية على الشاطئ اللبناني الاسراع في معالجة مياه المجارير، عبر بناء محطات للتطهير وتشغيلها. وحتى يتم تحقيق هذا، على الهيئات الرسمية، وفي طليعتها وزارة البيئة ووزارة السياحة، التعاون مع الجهات العلمية المختصة لإصدار تقرير أسبوعي عن وضع التلوث على الشواطئ، ومنع السباحة حيث يشكل هذا خطراً كبيراً على الصحة العامة. كما يُنصح السابحون بالابتعاد عن مصبات الأنهار، التي تعتبر أبرز بؤر التلويث البكتيري في البحر.
نتائج فحوص مياه الشواطئ اللبنانية
جُمعت العينات بين 21 أيار (مايو) و5 حزيران (يونيو) 2013 من مسافة تراوح بين متر واحد وعشرة أمتار من الشاطئ، لتعكس بالضبط نوعية مياه السباحة. أجريت الفحوص في مختبرات الهندسة المدنية في الجامعة الأميركية في بيروت، وفق المعايير العلمية المتبعة. الأرقام تعبّر عن كمية المستعمرات القولونية الناجمة عن البراز البشري (FC) في كل مئة مليليتر من المياه. كل ما هو فوق 100 يعتبر خطيراً جداً. وما فوق 50 يعتبر على حدود الخطر.
الإشارة (-) تدل على أن القياسات لم تؤخذ في الموقع المحدد عام 2007 الذي استخدم للمقارنة.
النجمة (*) هي لأرقام من المركز الوطني لعلوم البحار لموقعين لم يشملهما فحص "البيئة والتنمية".