قابلتُ كامل كيلاني لأول مرة في مكتبة المدرسة الإعدادية. دلّني عليه أمين المكتبة، وكان يعرف أنني أهوى الأدب. قال لي: "ما دمت تنوي أن تكون أديباً، أنصحك بقراءة كامل كيلاني". فأتيتُ على كل كتبه في المكتبة، بالرغم من صعوبة لغتها، وغرابة الأسماء العربية للحيوانات، مثل "أبو نبهان" وهو أرنب غادر البيت ذات يوم دون إذن فاختطفته بومة وافترسته. أما "أبو بريص" فهو بطل قصة عنوانها "أصدقاء الربيع"، يتحاور فيها مع صديقته الضفدعة عقب انتهاء البيات الشتوي، فيقدمان للقارئ الصغير عرضاً بسيطاً للحياة في واحد من أهم الأنظمة البيئية على اليابسة، وهو الأراضي الرطبة أو المستنقعات. ويكاد القارئ من شدة صدق الأسلوب وحساسيته أن يسمع نقيق الضفادع وحفيف الأغصان وأوراق الشجر.
للأديب المصري كامل كيلاني (1897-1959)عشرات الكتب القصصية الموجهة للأطفال، يتميز بينها نحو عشرة كتب علمية في أطر قصصية، منها قصة "جبارة الغابة". والمقصود بالجبارة شجرة بلوط عتيقة كانت قائمة في غابة، فهبت عاصفة عنيفة اقتلعتها، ليعم الحزن حيوانات الغابة وفي مقدمتها الطيور التي كانت تتخذ من الشجرة مسكنا. ويقوم غراب عجوز بالكلام عن الشجرة، ويتضمن كلامه معلومات عن تاريخ حياة أشجار البلوط.
واختار كيلاني لقصته "مخاطرات أم مازن" موضوعاً غريباً وطريفاً. فأم مازن واحدة من النمل الأسود، صادف أن صعدت غصن شجرة لتأكل برقوقة. وفيما هي تأكل منها سقطت وأغمي عليها، فلما أفاقت وجدت نفسها وسط فطيرة مصنوعة من البرقوق. وكان الطفل "فاضل" عثر على البرقوقة فصنعت لـه أمه فطيرة منها، وقبل أن توضع الفطيرة في الفرن شاهد فاضل النملة، فرق قلبه لها فأخرجها ووضعها على الطاولة، فانتهز أبوه الواقعة وراح يحدثه عن النمل ومزاياه. ثم هربت "أم مازن" وعادت إلى قريتها، وعلمت أن جيوش النمل الأبيض دهمت بيوتها وطردتها منها، فقالت لقومها إنها تعرف وادياً مناسباً لبناء بيوت جديدة قوية، فهاجر الجميع إلى ذلك المكان.
وينتصر كيلاني في بعض مقدمات كتبه لذكاء الطفل العربي، ضد الرأي القائل بأن بعض ما يقدمه لا يلائم عموم الأطفال وقد يعجز الناشئة عن إدراك معاني لغته. ويتحدث بوضوح شديد عن خطة وضعها ويتوخاها في كتاباته أطلق عليها اسم "الدستور الجامع" والتزم فيها بالتدرج. فيبدأ مع الطفل بالتسلية ليجتذبه للقراءة، ثم يخلط التسلية بالمنفعة، وحين يرتبط الطفل بالكتاب ويتمرس بالقراءة يكون من السهل عليه استقبال الكتابات المعرفية ويجد فيها متعته.
ويشبّه كيلاني هذا النمو التدريجي، من التسلية إلى الإدراك المعرفي، بقصة رجل اشتهر بقدرته الخارقة التي تمكنه من صعود سلم رافعاً بيديه ثوراً ضخماً. ولما سُــئلَ عن سِــرِّ هذه القدرة العجيبة، قال: "لقد تعودتُ حملَ هذا الثور منذ ولادته، وأخذتُ نفسي بهذا التمرين، دون أن أقصِّــرَ في أدائه يوماً واحداً. وما زلتُ أكبرُ ويكبرُ الثور معي، حتى اكتمل نماؤنا، فلم أشعر يوماً بأن وزن الثور قد زاد عما كان عليه في السابق".
|