في دائرة تقييم الأثر البيئي، كان النقاش يتصاعد بين الموظفين الذين يتجادلون حول مصير وزارتهم في التشكيلة الوزارية الجديدة. أحنى أحمد رأسه وأدار عينيه من فوق نظارته باتجاه زملائه مقرراً: «وزارة البيئة في الحكومة الجديدة سيتم إلحاقها بوزارة الصحة. وستصدر الصحف غدا،ً وسنجد فيها من يشيد بهذه الخطوة ويعتبرها إنجازاً يساهم في تفعيل وزارة البيئة ويعزز دورها في حماية صحة الإنسان ومحيطه».
المهندس ياسر كان له رأي مخالف: «بل سيتم ضم وزارتنا إلى وزارة البلديات. وزير البلديات المتوقع هو شخص صاحب صولة وجولة، ولن يترك وزارة البيئة تفلت من يديه لمصلحة وزير الصحة. غدا سنقرأ في الصحف: دمج وزارة البيئة مع وزارة البلديات إجراء حكيم يمنحها صلاحيات واسعة وسلطات كبيرة».
الجميع كان له رأيه الخاص حول الموضوع. وحده عزّام ظل صامتاً إذ لم يمضِ على تعيينه في وزارة البيئة سوى بضعة أسابيع. وعندما وجد أن النقاش بدأ يهدأ تساءل: «لماذا لا تبقى وزارة البيئة مستقلة عن بقية الوزارات؟ أنتم تختلفون في اسم الوزارة التي ستنضم إليها وزارتنا، ولكنكم تتفقون على أن الإندماج حاصل لا محالة، فعلام تبنون تقديراتكم؟»
ابتسم المهندس ياسر، ثم استدار نحو أحمد وغمزه قائلاً: «سمكة جديدة تسبح في محيط وزارة البيئة. أفد موظفنا الجديد ببعض أسرار هذا المحيط».
ضحك الجميع وهم يتخيلون عزّام، المفتول العضلات، على شكل سمكة. فما كان من أحمد إلا أن تنحنح وهو يقاطع الضحكات مبدياً دهشة مصطنعة: «سمكة! ربما تقصد سمكة قرش أو حوتاً أزرق»، ثم تحوّل باتجاه عزّام وقال: «انظر يا عزام، خلال السنتين المقبلتين ستكون هناك قمّة للأرض ومؤتمر عالمي حول تغير المناخ، يسبقهما عدد كبير من اللقاءات التحضيرية، وهي ستضاف إلى عشرات المؤتمرات الدولية الأخرى التي تدعى وزارتنا للمشاركة فيها، إلى جانب برامج التعاون ومشاريع المنح الممولة من الدول والمنظمات الأجنبية».
وتابع أحمد: «رئيس الحكومة المكلّف يدرك هذه المسألة جيداً، وهو يعلم أن حجم الأنشطة التي سيحظى بها موظفو وزارة البيئة، وما تتضمنه من جولات سياحية ومكافآت، تفوق بكثير حجم الكادر البشري الموجود. ولذلك سيجد من ينصحه بدمج وزارتنا مع وزارة أخرى للتغطية على إفادة أكبر عدد من المقربين، وإن كانوا من غير المختصين أو أصحاب الخبرة«.
دُهش عزّام من الشرح الذي عرضه أحمد، ولم يملك سوى أن يقول: «آه، تقصد أن الدمج سيكون "تنفيعة" للوزير الجديد وللمقربين منه، وليس مسألة توسيع سلطات وتعزيز صلاحيات».
ضحك الجميع، وهم يهزون رأسهم بالموافقة.
في اليوم التالي صدرت الصحف وقد تصدرها خبر تشكيل الوزارة الجديدة، بما فيها تسمية وزير دولة للبيئة يرتبط عمله برئيس مجلس الوزراء. وقد أشادت جميع الصحف بهذه الخطوة التي تمنح وزارة البيئة امتيازات واسعة مستمدة من رئيس الحكومة شخصياً.
|