Saturday 20 Apr 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
رأي
 
عبدالهادي نجّار هل نحن بحاجة حقاً إلى الطاقة النووية؟  
كانون الأول / ديسمبر 2019 / عدد 261
تشكّل الطاقة النووية، إلى جانب الطاقة الكهرومائية، العمود الفقري لتوليد الكهرباء المنخفضة الكربون. فهي، مجتمعة، تمثل حالياً ثلاثة أرباع الطاقة التي يجري توليدها مع مقدار محدود من الانبعاثات المسببة للتغيُّر المناخي. وخلال السنوات الخمسين الماضية، أدّى توليد الكهرباء من الطاقة النووية إلى انخفاض في انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بأكثر من 60 مليار طن، أي ما يعادل مجمل الانبعاثات من قطاع الطاقة خلال سنتين.
 
وفيما تزداد الحاجة عالمياً لمزيد من الكهرباء المنخفضة الكربون لتلبية متطلبات التنمية وتحقيق أهداف باريس المناخية، تشير المعطيات الخاصة بالاقتصادات المتقدمة إلى تراجع الاعتماد على الطاقة النووية مع إغلاق العديد من المفاعلات وتناقص الاستثمارات في هذا القطاع.
 
مستقبل غامض للطاقة النووية
في سنة 2018، ساهم 452 مفاعلاً نووياً حول العالم في توليد أكثر من 2700 تيراواط ساعي من الكهرباء، وهي كمية تعادل نحو 10 في المائة من الكهرباء المنتجة عالمياً. وفي المقابل، بلغت كمية الطاقة المولَّدة من المحطات الكهرومائية أكثر من 4200 تيراواط ومن محطات الرياح والشمس والطاقة المتجددة الأخرى مجتمعةً 2500 تيراواط، مما يضع الطاقة النووية في المرتبة الثانية بين مصادر الطاقة المعتمدة لتوليد الكهرباء المنخفضة الكربون عالمياً.
 
 
الكهرباء العالمية المنخفضة الكربون سنة 2018، الوكالة الدولية للطاقة
 
وكان توليد الكهرباء في المفاعلات النووية شهد زيادة ثابتة منذ سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، حين وصلت مساهمتها إلى نحو 17 في المائة من الكهرباء المنتجة عالمياً. ولكن الكهرباء النووية عرفت تراجعاً مستمراً منذ بداية الألفية الجديدة لتنخفض حصتها الحالية إلى 10 في المائة فقط.
 
وتنتج الولايات المتحدة وفرنسا معاً نحو نصف الكهرباء النووية على مستوى العالم. وبالنسبة للدول المتقدمة الأخرى، بما فيها كندا والاتحاد الأوروبي واليابان وكذلك الصين وروسيا، تعتبر الطاقة النووية أهم مصدر للكهرباء المنخفضة الكربون منذ أكثر من ثلاثين سنة، وهي تلعب دوراً هاماً في أمن الطاقة للعديد من البلدان. وتعتبر كوريا الجنوبية الطاقة النووية العنصر الأساسي في تحوّلها نحو "الاقتصاد الأخضر".
 
وكان المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو صرّح في سبتمبر (أيلول) 2011 أن «الوكالة ما زالت تتوقع نمواً في الاستخدام العالمي للطاقة النووية خلال العقدين القادمين، على الرغم من التباطؤ في أعقاب حادث فوكوشيما في اليابان». لكن بعد مرور ثماني سنوات، تُظهر الوقائع أن الأمور لم تسر وفق تقديرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية. فقد خلص تقرير صدر في مايو (أيار) 2019 عن الوكالة الدولية للطاقة إلى أن مستقبل الطاقة النووية "لم يعد مؤكداً"، خاصةً مع قيام الدول المتقدمة بإغلاق مفاعلاتها القديمة بسبب تشديد متطلبات الأمان وانخفاض أسعار الغاز ومصادر الطاقة المتجددة، مما يجعل تشغيل المحطات النووية غير ذي جدوى اقتصادياً.
 
وفي تقريرها "الطاقة النووية في منظومة الطاقة النظيفة"، تشير الوكالة الدولية للطاقة إلى أن «الاقتصادات المتقدمة قد تفقد 25 في المائة من قدرتها النووية بحلول 2025 وما يصل إلى الثلثين بحلول 4040، ما لم يحصل تغيير في السياسات». وترى الوكالة أن هذا التراجع الحاد في قدرات الطاقة النووية سيهدد أهداف المناخ وأمن إمدادات الكهرباء، إذا لم تجد الاقتصادات المتقدمة طريقة لتمديد أعمار مفاعلاتها.
 
وخلال العقدين الماضيين، زادت قدرات طاقة الرياح والطاقة الشمسية بواقع 580 غيغاوات في الدول المتقدمة. ومع ذلك، استقرت مصادر الطاقة غير الأحفورية على حصتها البالغة 36 في المائة من إمدادات الكهرباء العالمية في 2018، عمّا كما كانت عليه قبل عشرين عاماً، بسبب التراجع في الطاقة النووية، وفق تقديرات وكالة الطاقة الدولية.
 
وقالت الوكالة إنه لتعويض التراجع المتوقع في الطاقة النووية خلال العشرين سنة المقبلة، ولمواجهة تغيُّر المناخ، يجب أن ينمو الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة بمقدار خمسة أمثال، بحيث تبلغ حصة الطاقة النظيفة في خليط الطاقة العالمي ما مقداره 85 في المائة. لكن ذلك لن يشكل تكلفةً باهظةً فحسب، وإنما يتطلب استثماراً كبيراً في البنية التحتية لنقل وتوزيع الطاقة.
 
ولتحقيق أهداف اتفاقية باريس المناخية، يوصي تقرير صدر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة في سبتمبر (أيلول) 2019 بزيادة مجموع الاستثمارات في تركيبات توليد الطاقة المتجددة ليصل إلى 22 تريليون دولار بدلاً من 11.7 تريليون دولار مخططة حالياً حتى سنة 2050.
 
تقرير الوكالة، الذي جاء تحت عنوان "تحويل نظام الطاقة"، اقترح تعديل خطط الاستثمارات المستقبلية في الطاقة ليكون مجموعها في سنة 2050 ما مقداره 110 تريليونات دولار بدلاً من 95 تريليون دولار. كما أكّد على ضرورة زيادة الاستثمارات السنوية في قدرات توليد الطاقة من المصادر المتجددة لتبلغ 662 مليار دولار، بالمقارنة مع 309 مليارات دولار جرى انفاقها سنة 2018 على التركيبات الجديدة.
 
وتواجه الطاقة النووية ظروفاً عصيبةً في الوقت الراهن، إذ تستمر السوق العالمية في فرض ضغوط على إطالة عمر المنشآت النووية. ويؤدي انخفاض أسعار الجملة للطاقة الكهربائية في معظم الاقتصادات المتقدمة إلى انخفاض حاد في هوامش الربح للعديد من التقنيات المستخدمة حالياً، أو حتى القضاء عليها، مما يعرّض المنشآت النووية لخطر الإغلاق المبكر.
 
ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تُمنح المنشآت النووية رخصة تشغيل مدتها 40 سنة، ويمكن الحصول على تمديد إضافي للرخصة يصل إلى 20 سنة. جميع الوحدات النووية العاملة حالياً، التي يبلغ عددها 98 وحدة، باستثناء اثنتين منها، تجاوز عمرها التشغيلي 30 سنة. ومن بينها 90 وحدة حصلت بالفعل على تمديد الترخيص لمدة 20 سنة.
 
وفي حين تراجعت الاستثمارات الرأسمالية خلال السنوات الأخيرة، حيث تم الانتهاء من معظم استثمارات تمديد عمر المنشآت وترقيات السلامة والأمان بعد حادث فوكوشيما، فإن الصناعة النووية الأميركية على وشك مواجهة موجة من إيقاف العمل بالمفاعلات. فمن المقرَّر خروج تسع وحدات من الخدمة خلال السنوات الثلاث المقبلة، بعدما تم إيقاف وحدتين فقط خلال السنوات الثلاث الماضية. كما أعلن مالك وحدتين عاملتين في كاليفورنيا أنه لن يبحث في تمديد رخصتيهما، وسيقوم بإغلاقهما عند انتهاء تراخيصهما الحالية في عامي 2024 و2025. وفي معظم الحالات، كانت ظروف السوق هي السبب الرئيسي للإغلاق.
 
وفي أوروبا تحظى الطاقة النووية بفرصة أكبر للاستمرارية، بفضل ارتفاع تسعير الغاز الطبيعي، إلى جانب تسعير ثاني أوكسيد الكربون. إلا أن إصلاحات السوق المتوقعة، ضمن السياسة الأوروبية الجديدة المعروفة باسم "حزمة طاقة جديدة لكل الأوروبيين"، ستخلق منافسة حادة بين الطاقة المتجددة والطاقة النووية، مما يهدد جدوى المفاعلات القائمة.
 
وفي اليابان، يرتبط مستقبل الطاقة النووية بعدد المفاعلات النووية التي سيجري تشغيلها من جديد، بعد أن تم إيقافها على أثر حادث فوكوشيما. فمن بين 55 مفاعلاً جرى إيقافها، تم تشغيل تسعة مفاعلات فقطـ، وتوجد ستة مفاعلات أخرى حصلت على موافقة هيئة التنظيم النووي اليابانية ولا يزال استثمارها متوقفاً حتى الآن.
 
ومن المتوقع أن ترتفع حصة الطاقة النووية في إمداد اليابان بالكهرباء من 3 في المائة في 2017 إلى حوالي 10 في المائة في 2030. ويقل هذا المستوى من الإنتاج كثيراً عن المساهمة التاريخية للطاقة النووية اليابانية في العقد الذي سبق حادث فوكوشيما، عندما كانت المفاعلات توفر ما بين 26 إلى 31 في المائة من إمدادات الكهرباء سنوياً.
 
الدول النامية تستلم زمام المبادرة
ويستمر الجدل في أوروبا حول تصنيف الطاقة النووية ضمن الاستثمارات المستدامة التي تسعى إلى جذب المستثمرين المهتمين بالمناخ وتعزيز سوق السندات الخضراء بقيمة 200 مليار دولار. وكانت مجموعة من خبراء الاتحاد الأوروبي أوصت في يونيو (حزيران) الماضي باستبعاد المنشآت النووية وتلك التي تعمل بالفحم من تصنيف الاتحاد الأوروبي، واعتبر تأثيرها البيئي يتعارض مع أهداف الاتحاد في خفض انبعاثات الكربون وتقليل النفايات الخطرة. ولم ترق هذه التوصية لدول مثل فرنسا، التي تعتمد على الطاقة النووية، ودول أوروبا الشرقية، التي لا تزال تعتمد على الفحم.
 
ولئن كان استمرار تشغيل المفاعلات القائمة يتعرض لمصاعب شتى في الدول المتقدمة، فإن الاستثمار في مشاريع نووية جديدة أضحى أكثر صعوبة. فالمشاريع المخطط لها في فنلندا وفرنسا والولايات المتحدة لم توضع في الخدمة بعد، وهي تنطوي على تجاوزات كبيرة في التكاليف. وتعد كوريا الجنوبية حالة استثنائية في هذا المجال، حيث تقوم بإنجاز مشاريعها النووية ضمن البرنامج الزمني المحدد سلفاً ووفقاً للميزانيات المرصودة، على رغم أن السياسة الحكومية المعلنة هي إيقاف تنفيذ المزيد من المفاعلات.
 
ومن الملاحظ أن أغلب المفاعلات النووية الجديدة تشاد حالياً في الدول النامية. فمن بين 54 مفاعلاً قيد البناء حالياً يوجد 40 مفاعلاً في الاقتصاديات النامية، لاسيما في الصين (11 وحدة) والهند (7 وحدات) وروسيا (6 وحدات) والإمارات (4 وحدات).
 
وما يميّز موجة إنشاء المفاعلات النووية في الدول النامية أنها ذات استطاعات صغيرة مقارنة بالمفاعلات القديمة التي شُيِّدت خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وهذا ما يجعل مساهمتها في مزيج الطاقة متواضعاً، حيث لم تتجاوز حصة الطاقة النووية 6 في المائة من الكهرباء المولدة سنة 2018 في الدول النامية.
 
وفي العالم العربي، من المترقب أن تكون محطة براكة التي تضم أربعة مفاعلات في الإمارات أولى مشاريع الطاقة النووية العربية على المستوى التجاري. ومن المتوقع البدء بتشغيل المحطة خلال سنة 2020، في حين كان من المقرر افتتاحها في 2017، لكن ذلك تأجل مرتين بسبب مشاكل تتعلق بتدريب فريق العاملين بها وعدم اكتمال الأعمال الإنشائية حتى الآن. وتبلغ الاستطاعة الاسمية للمحطة 5380 ميغاواط، وتقدر كلفتها بنحو 24.4 مليار دولار.
 
وتخطط مصر لبناء محطة نووية في مدينة الضبعة في محافظة مطروح، تضم أربعة مفاعلات باستطاعة إجمالية تبلغ 4800 ميغاواط. وتبلغ تكلفة المحطة نحو 25 مليار دولار، ومن المتوقع أن يبدأ تشغيل المفاعل الأول سنة 2027. وكانت الأردن تخطط للقيام بتشغيل أول مفاعل نووي في سنة 2019 ليغطي نحو ثلث حاجة البلاد من الكهرباء في 2020، لكن هذا لم يتحقق. ويرجّح رئيس هيئة الطاقة الذرية إقامة مفاعل نووي في منطقة عمرة وسط الأردن باستطاعة 1000 ميغاواط في سنة 2029.
 
وتتطلع السعودية إلى بدء برنامجها النووي وتخصيب اليورانيوم، وإضافة 17 غيغاوات من الطاقة النووية بحلول عام 2040، وبناء مفاعلين بسعة إجمالية تبلغ 3.2 غيغاوات خلال العقد المقبل. وسيؤدي ذلك إلى خفض معدل الاستهلاك المحلي اليومي من النفط بمعدل 150 ألف برميل، وتقليل الاعتماد الكلي على النفط والغاز كمصدرين أساسيين لإنتاج الكهرباء.
 
ويعارض غالبية حماة البيئة الصناعة النووية، وما يثير قلقهم سجل السلامة المقترن بكوارث كبرى، مثلما حصل في "ثري مايل أيلاند" في الولايات المتحدة سنة 1979 وتشيرنوبيل في أوكرانيا سنة 1986 وفوكوشيما في اليابان سنة 2011. وتتعزز هذه المخاوف مع ارتباط الاستخدام السلمي للطاقة النووية بقضايا السلاح النووي والتخلص من النفايات الخطرة ومسائل الإغلاق الآمن للمفاعلات بعد انتهاء عمرها. وهم يعتبرون في الوقت نفسه أن الطاقة النووية منافس للاستثمار الأنظف في مصادر الطاقة المتجددة، والتي تُعتبر الخيار المفضل لمستقبل منخفض الكربون.
 
من المفترض أن يكون وقتنا الراهن هو موعد قطاف ثمار الطاقة النووية الباهظة التي زرعت قبل نحو نصف قرن، حيث لا توجد أولوية حالياً أعلى من توفير طاقة منخفضة الكربون، لاسيما في الدول التي تملأ السماء بانبعاثات غازات الدفيئة. لكن الطاقة النووية في أزمة، وهي تبدو خياراً من القرن الماضي لا يحبه المستثمرون والجمهور وصنّاع القرار على حد سواء.
 
 
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.