Thursday 25 Apr 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
هارتليب أويلر (فرنكفورت) مشاهدات زائر ألماني: نفايات لبنان ثروة كامنة  
أيلول (سبتمبر) 2003 / عدد 66
 هارتليب أويلر، اختصاصي بالغاز الحيوي (البيوغاز) ومدير شركة TBW Gmbh الألمانية، ومقرها فرنكفورت، التي قامت ببناء محطات للمعالجة اللاهوائية وانتاج الغاز الحيوي منذ أكثر من 20 عاماً في عدة دول، للنفايات البلدية والصناعية والزراعية والمياه المبتذلة. وهو يرأس أيضاً مجموعة العمل ANS، وهي أكبر مؤسسة في ألمانيا تتولى الترويج لاعادة تدوير النفايات واعادة استعمالها محلياً وعالمياً. وقد زار لبنان مؤخراً وألقى محاضرات حول المعالجة اللاهوائية للنفايات. وقد جال في مختلف المناطق اللبنانية، وخص "البيئة والتنمية" بهذا المقال ضمنه مشاهداته وملاحظاته البيئية.
يحلو لنا، نحن الاوروبيين، أن نتخيل لبنان أرضاً يجري فيها اللبن والعسل، وموئلاً لكنوز تاريخية هائلة ومناخ رائع وشواطىء جميلة وشعب منفتح وذكي، وأحد الاماكن النادرة التي خصها الخالق بكثير من المزايا. لهذه الاسباب توالت على ربوعه حضارات كثيرة، من فينيقيين ويونانيين ورومان وفرس الى مصريين وعثمانيين وفرنسيين، وصولاً الى لبنان الحالي.
الحقيقة تنسجم مع الخيال من حيث الشعب الرائع وكرم الضيافة والطعام الشهي. لكن الطبيعة تتعارض معه نوعاً ما. فالغابات القليلة المتبقية ما زالت تقطع ويستعمل خشبها حطباً للوقود ولأغراض منزلية وصناعية متنوعة. ولا يستحسن أن يستحم المرء في البحر، لأن 90 في المئة من مياه صرف المدن تصب فيه مباشرة. ومن غير المستحب أن يسبح في الانهار، لأن الاسمدة والمبيدات الزراعية والنفايات المنزلية والصناعية تتسرب اليها. وحين أزور هذا البلد الجميل، أفضل الامتناع عن شرب الماء من الحنفية (الصنبور) خشية تلوثه.
ومياه الصرف ليست الوحيدة التي تصب في البحر، بل هناك أيضاً النفايات، التي تدل ضخامة كمياتها على أن مكبها الرئيسي هو البحر. النفايات البلدية والصناعية تلوث الشواطىء والانهار وتتسرب الى المياه الجوفية، من دون أن تجرى لها المعالجة الوقائية الاولى المفترضة. في الوقت ذاته، يشكو الناس دائماً من نقص المياه. الاراضي المروية التي تشاهد في بعض المناطق قليلة جداً، وتنقطع الامدادات المائية عن المنازل في المدن، والمياه لا تكفي لاستعمالات أخرى. وفي وادي البقاع، الذي شكل في الماضي السلة التي أمدت الرومان بالغذاء، كانت المخدرات تزرع منذ زمن طويل لسبب نقص المياه. وعلى رغم روعة المناخ، هناك زراعات كثيرة لا تعيش في فصل الجفاف، وينخفض محصول نباتات أخرى لأن التربة فقدت خصوبتها نتيجة نقص المغذيات والمواد العضوية (الدبال). وهذا يعود أيضاً الى ندرة الغطاء الغابي الآخذ في الزوال. ولبنان، المعروف بالاخضر، يفقد بذلك أحد جذوره التقليدية.
مكبّات عشوائية
من الغريب أن يتم التخلص من المغذيات والمواد الاولية، وخصوصاً من المياه، في البحر والانهار، بدل معالجتها واستعمالها لأغراض تنفع الارض. واذا لم تطرح النفايات الصلبة في البحر، يتم التخلص من جزء كبير منها في مكبات عشوائية مكشوفة حول المدن والقرى. وتشكل السوائل المرتشحة منها قنابل موقوتة تهدد بتلويث المياه الجوفية.
لمواجهة هذه المشاكل البيئية، توفر تكنولوجيا المعالجة اللاهوائية للنفايات العضوية حلولاً متعددة ومتنوعة. ففي غياب الاوكسيجين، تتولى محطات المعالجة اللاهوائية تنقية مياه الصرف والنفايات وتحويلها الى منتج نهائي في شكل سماد سائل أو صلب، ومياه ري، وغاز حيوي (بيوغاز) يحرق مباشرة للاستخدام المنزلي أو يستعمل لتوليد الكهرباء.
في ألمانيا، تستخدم تكنولوجيا الغاز الحيوي والمعالجة اللاهوائية في معظم محطات معالجة النفايات ومياه الصرف الكبرى في البلديات وقطاع الزراعة وقسم كبير من قطاع الصناعة. وبهذه الطريقة يمكن استعادة المياه والمغذيات والمواد القيمة الاخرى عن طريق الفرز والمعالجة، فتستعمل من جديد لأغراض متنوعة، بدلاً من إهدارها وتعريض الثروة المائية والتربة والهواء والمناخ والصحة للخطر نتيجة التخلص منها بطرق غير سلمية بيئياً. وبما أن المعالجة اللاهوائية للنفايات تحتاج الى حرارة، ورغم برودة الطقس في المانيا، فقد تبين أنها أسهل تطبيقاً وأكثر جدوى من المعالجة التقليدية ومن القاء النفايات في المطامر. وهذه التكنولوجيا يمكن أن تكون عملية أكثر في لبنان والبلدان العربية الاخرى نظراً لارتفاع درجة الحرارة في هذه المنطقة.
كان الغرض من زيارتي للبنان القاء محاضرات عملية في مناطق مختلفة، بتنظيم من معهد غوته ومركز الشرق الاوسط للتكنولوجيا الملائمة، حول إمكانات تنفيذ تكنولوجيا الغاز الحيوي والمعالجة اللاهوائية لخدمة التجمعات السكنية وقطاعي الصناعة والزراعة في لبنان. ومن خلال هذه المحاضرات، قصدت أن أبرز بلدي ألمانيا بصورة أشمل مما علق في أذهان الكثيرين من أنها أرض سيارات المرسيدس وكرة القدم، فهي أيضاً بلاد التكنولوجيا المتفوقة.
لقد تغيرت صورة ألمانيا في البلدان العربية نحو الافضل في الآونة الاخيرة. فلا حرب تخوضها من أجل البترول، ولا تعزيز للطاقة النووية، وانما تكنولوجيات بيئية ومصادر طاقة نظيفة هي الشعار المرفوع هذه الايام. فالتكنولوجيا البيئية والاعتدال في السياسة الخارجية هي الاكثر هيمنة حالياً. ومعهد غوته يساهم بقوة في بلورة هذه الصورة المعدلة، وفي ترويج التنمية المستدامة وتقنيات اعادة التدوير كنقطة محورية ينبغي التركيز عليها.
أما مركز الشرق الاوسط للتكنولوجيا الملائمة (MECTAT)، التابع لمجموعة مجلة "البيئة والتنمية"، فقد اكتسب شهرته في البلدان العربية منذ زمن طويل، لاعتماده مجموعة من التكنولوجيات البيئية والتدريب على استعمالها. وفي حزيران (يونيو) الماضي، قدم كلاوس توبفر المدير التنفيذي لبرنامج الامم المتحدة للبيئة الى بيروت لمناسبة احتفالات يوم البيئة العالمي، وسلم جائزة "الخمسمئة العالميون" لسنة 2003 الى نجيب صعب، رئيس تحرير "البيئة والتنمية" ورئيس مركز الشرق الاوسط للتكنولوجيا الملائمة، تقديراً للنشاطات البيئية المميزة. وقد نوّه توبفر آنذاك التنويه بتكنولوجيا الغاز الحيوي والمعالجة اللاهوائية كطريقة متكاملة لمعالجة النفايات ومياه الصرف في لبنان، واصفاً اياها بأنها "تدرّ ربحاً". وقد عبر عن أمله في أن يشهد لبنان تنفيذ طرق مماثلة لانتاج الطاقة والسماد وحماية البيئة ومصادر المياه.
مواقع كارثيّة
الاستمرار في طرح النفايات ومياه الصرف في البحر ستكون له مضاعفات سيئة في السنوات القليلة المقبلة. والاسلوب المتبع حالياً هو جمع كل أنواع النفايات معاً والتخلص منها في مكب مكشوف. لكن هذه العادة لن تسمح بها السلطات في وقت قريب، اذا تم تحكيم العقل والمنطق الاقتصادي، خصوصاً وأنتكاليف معالجة المياه بعد تلوثها ستكون مرتفعة الى حد يشكل عاملاً مانعاً.
لقد شاهدنا عدداً من المكبات المكشوفة في بعلبك وهي تحترق وينبعث منها دخان يغطي جزءاً كبيراً من وادي البقاع، وبعضها تنبعث من دخانه الكثيف روائح كريهة طوال النهار. السكان القريبون من هذه المكبات يعانون من تورم جلدي نتيجة الابخرة السامة وانتشار الحشرات. وهذا ما عانيت منه شخصياً ومضت أشهر قبل أن أشفى. وفي مدينة صيدا، انهار جبل النفايات وسقط جزء كبير منه في البحر، فدمر جنة لهواة الغوص والسباحة، ونظاماً ايكولوجياً بحرياً مزدهراً، ومرفقاً سياحياً محتملاً. وجاء منع إلقاء النفايات في هذا المكب مؤخراً ليبعد المشكلة بضعة كيلومترات.
المطلوب فعلاً هو اتخاذ اجراء فوري وحازم في مثل هذه المواقع الكارثية.
اقامتي القصيرة كونت لديّ انطباعاً بأن الساحل برمته في خطر نتيجة "ضرر ملازم". فالبحر، الذي هو ثروة الارض الحقيقية، بساحله الطويل الذي هو هبة من السماء، مقروناً بجمال المناخ الذي جعل الانسان يستقر في هذه المنطقة منذ ألوف السنين، هذا البحر يتعرض للتدمير. والشاطىء المدمّر يستلزم ترميمه وقتاً أطول بكثير مما استغرقته أعمال التدمير. هذا البحر يمكن أن يجلب الراحة والغذاء لأجيال مقبلة كثيرة. والشاطئ المدمّر يستلزم ترميمه وقتاً أطول بكثير مما استغرقته أعمال التدمير.
كل ذلك يحدث أمام أعيننا، مع أن النفايات والمياه المبتذلة ذاتها يمكن استعمالها لري الارض وانتاج الاسمدة والطاقة، لو عولجت. والمعالجة اللاهوائية باتت اليوم متطورة ومربحة الى درجة أن رؤية النفايات ومياه الصرف تذهب هدراً، كما هو حاصل الآن، باتت أمراً يصعب فهمه.
آن وقت النهوض!
الاضرار المادية التي نتجت عن الحرب كانت من الضخامة بحيث تبدو الطبيعة مسألة ثانوية. لكن الاضرار المادية يمكن اصلاحها، بينما الاضرار البيئية يمكن أن تكون بالغة الاثر مما يجعل اصلاحها متعذراً أو يستغرق وقتأ طويلاً. فانبعاث غاز الميثان من مطامر النفايات، وتلوث البحار والانهار، لا يعرفان الحدود. وانه لمن المعيب أن يخرب التلوث الناتج عن النفايات ذلك التزاوج الرائع بين المعالم التاريخية والصروح العمرانية الحديثة، كما يحصل في مدينتي بعلبك وصيدا. فالمكبات التي ينبعث منها الدخان أمام أكبر وأروع معبد روماني بقي صامداً على مر العصور، وتناثر القمامة بين حجارته الاثرية، أمور تدعو الى الاستغراب. لكن يبدو أن كثيرين في لبنان بدأوا يتنبهون الى هذه الامور. فالاستجابة للحلول التي قدمناها كانت رائعة، وقد نظمت جماعات محلية حلقات نقاش، وأطلقت مبادرات تركز على هذه المواضيع.
فما الذي يحتاجه لبنان؟ المياه، والمغذيات اللازمة للزراعة، والمواد الاولية لأغراض متنوعة، والطاقة. وهذه جميعاً هي الموارد التي تسبب اليوم مشاكل بيئية. فالطاقة يمكن الحصول عليها من الانبعاثات الغازيّة الضارة، والمغذيات من نفايات عضوية كريهة الرائحة تلقى في المكبات ومن مياه الصرف الناتجة عن المدن والصناعة. وهناك مواد خام أخرى قابلة لاعادة التدوير، خصوصاً الورق والبلاستيك والمعادن والزجاج التي تذهب أيضاً الى المكبات.
باستخدام جميع هذه المواد، يمكننا القضاء على الحشرات التي تنقل الامراض، وحماية البيئة، وكسب الموارد. كما يمكن حل كثير من المشاكل الصحية، مثل الطفيليات والفيروسات والروائح الكريهة. وهذا قابل للتحقيق من خلال تضافر جدي للجهود ومراعاة مصالح الاجيال الحالية والمقبلة.
لبنان ليس بلداً غنياً بالموارد الطبيعية بحيث يتحمل تدمير ثراوته. وبعد نهوضه المميّز من الدمار الذي حل به نتيجة الحرب، الامكانات كبيرة أن يتعافى بالسرعة ذاتها من الاضرار البيئية التي يعاني منها الآن.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.