Thursday 18 Apr 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
 
مقالات
 
نجيب صعب حروب الماء بعد حرب النفط  
أذار (مارس) 2003 / عدد 60
 بعد الحرب على النفط، هل يدخل الشرق الأوسط مرحلة الحروب على الماء؟ وهل تستمر تركيا في احتكار المنابع واسرائيل في السطو على المجاري؟ حرب النفط تخوضها القوى العالمية الكبرى ذات المصلحة، لحجز عقود لشركاتها في منطقة تختزن أكبر احتياطي نفطي في العالم، وتلعب فيها القوى الاقليمية دوراً جانبياً لقاء فتات من المنافع الصغيرة. غير ان حروب الماء إقليمية.
خلال القرن المنصرم، وبعد أن تدفق بئر النفط الأول في الخليج، تمت تسوية الحدود ورسمت الخرائط وحُدّد المخزون النفطي، فلم تشهد المنطقة نزاعات مسلحة داخلية إقليمية بين دولها بسبب النفط، بينما بقيت صراعات الدول الكبرى عليه.
أما الماء فقضية مختلفة كلياً، إذ ما زال مورداً مجهولاً في كثير من جوانبه. فلا المخزون المائي تم تحديده بدقة، ولا الخرائط رسمت لتوزيعه. فدول الشرق الأوسط تتشارك في موارد مائية مصدر معظمها خارج حدودها. واذا كان النفط لم يولّد نزاعات مسلحة اقليمية، فتوزيع مصادر الماء معضلة إقليمية في الأساس. وحين وقّع الرئيس أنور السادات معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979، قال إن مصر لن تعود الى الحرب إطلاقاً إلا لحماية مواردها المائية.
من تركيا على حدود حلف شمال الأطلسي حتى سلطنة عمان على شواطئ المحيط الهندي، تقف دول المنطقة حائرة في كيفية تلبية الحاجات المائية المتزايدة لسكانها، اعتماداً على موارد مائية متناقصة. وفي ما عدا دول الخليج، التي تعتمد على المياه الجوفية غير المتجددة وتحلية البحر، تغذي المنطقة ثلاثة مصادر مائية رئيسية هي نهر النيل، ونهرا دجلة والفرات، ونهر الأردن. وتضاف الى هذه مصادر مائية في هضبة الجولان السورية المحتلة ونهر الليطاني اللبناني، وهي موضوع أساسي في الصراع العربي ـ الاسرائيلي.
في السنوات الخمسين الأخيرة، تطور وضع الماء في المنطقة العربية من سيئ الى أسوأ. ففي عام 1955 كانت ثلاث دول عربية تحت خط الفقر المائي، هي البحرين والأردن والكويت، من أصل سبع دول في العالم. وفي 1990، تمت اضافة 13 دولة الى هذه المجموعة، من بينها ثماني دول عربية هي الجزائر وفلسطين وقطر والسعودية والصومال وتونس والامارات واليمن. وتتوقع الدراسات أنه مـع حلول سنة 2025، ستكون جميع الدول العربية تحت خط الفقر المائي، ما عدا السودان والعراق، إضافة الى تركيا من دول الجوار. ويبقى لبنان على حافة الفقر المائي، بسبب سوء ادارة الموارد المائية واستثمارها. ومع تزايد السكان، فستنخفض حصة الفرد من الماء في بعض البلدان العربية الى أقل من مئة متر مكعب سنوياً، أي عشرة في المئة من معدل الألف متر مكعب الذي يعتبر في المعايير العالمية الحد الفاصل قبل دخول حالة الكارثة المائية.
معظم العرب وجيرانهم يعيشون الفقر المائي منذ اليوم، والقلة تولّد الخلاف. والقانون الدولي ليس واضحاً في مجال الموارد المائية المشتركة.
النيل ينبع من إثيوبيا، وتتشارك في حوضه تسع دول. في أواخر الثمانينات انطلقت مشاريع في اثيوبيا، بدعم إسرائيلي، لبناء سدود تؤثر في مجرى النيل الأزرق، وهو مصدر 85 في المئة من مياه النيل التي تصل الى مصر. وقد كان واضحاً يومها استعداد مصر لخوض حرب ضد اثيوبيا اذا هددت مصادر النيل. وما زال التخوف المصري قائماً من انبعاث برامج إثيوبية أخّر تنفيذها الصراع المسلّح في البلاد. وفي اتفاق على تقاسم مياه النيل مع السودان وُقِّع عام 1959، حصلت مصر على 84 كيلومتراً مكعباً في مقابل 18 كيلومتراً مكعباً للسودان. ومع هذا، فإن حصة الفرد المصري من المياه ستنخفض سنة 2025 الى 630 متراً مكعباً، أي 370 متراً مكعباً تحت خط الفقر المائي.
ويذكر أن إسرائيل حاولت، خلال التفاوض على معاهدة السلام مع مصر، الحصول على واحد في المئة من مياه النيل، أي 800 مليون متر مكعب، لجرها في أنبوب ضخم عبر سيناء وضخها في الشبكة الاسرائيلية. لكن الفكرة جُبهت برفض مصري مطلق وسقطت.
تركيا: لنا الماء ولكم النفط
وتثير تركيا قلق جارتيها العراق وسورية، الى جانب سكانها الأكراد، من مشاريعها على دجلة والفرات، اللذين ينبعان في أراضيها. عام 1990 قطعت تركيا مياه الفرات لثلاثة أسابيع، بحجة حاجتها الى تعبئة سد أتاتورك، مما أدى الى أزمة مائية في سورية والعراق، كادت تتحول الى نزاع عسكري مع تركيا. وتتابع تركيا برامجها لاستكمال بناء 22 سداً على نهر الفرات، تم انجاز معظمها، لزراعة 1,7 مليون هكتار. وعند انتهاء المشروع التركي المعروف بـ"غاب"، ستنخفض كمية مياه الفرات الخارجة من تركيا 40 في المئة عما كانت عليه عام 1980. كما أن المشروع سيقضي على مناطق واسعة يسكنها الأكراد. وتخطط تركيا في مرحلة لاحقة لبناء مجموعة سدود على نهر دجلة، مما سيؤثر سلباً على تدفق مياه النهر الى العراق.
ومن الطريف والمقلق في آن معاً استعادة ما صرح به الرئيس التركي سليمان ديميريل قبل عقد من أنه "لا حق لسورية أو العراق في المطالبة بحصة في الأنهار التركية، كما لا يحق لتركيا المطالبة بحصة من نفط سورية والعراق... يحق لنا أن نفعل ما نشاء، فمصادر المياه لنا، ومصادر البترول لهم. نحن لا نريد أن نتقاسم معهما ثروة البترول، ولا يحق لهما مشاركتنا في ثروة الماء". واذا كان ديميريل على حق في حديثه عن حقوق النفط، فهو مخطئ في تشبيهه بالماء، حيث يتقاسم حقوق المجاري المائية كل الساكنين على طول خط سيرها، وليس أهل المنبع فقط. ولو طبقت نظرية ديميريل، لعطش معظم سكان العالم.
وشهدت منطقة التقاء دجلة والفرات في شط العرب جريمة بيئية في العقد الماضي، حين عمد العراق الى تجفيف الأهوار لقمع ثورة مسلحة لجأ مقاتلوها الى المنطقة. وهكذا تم القضاء على نظام مائي طبيعي عمره ملايين السنين.
النظام النهري الثالث في المنطقة صغير جداً مقارنة مع النيل ودجلة والفرات، لكنه كان سبباً في حروب ونزاعات مسلحة. فنهر الأردن وروافده، في فلسطين والأردن وسورية ولبنان، يبقى تحت مطامع التوسع الاسرائيلي وحاجة دول المنبع. فعلى الرغم من الشح المائي في الأردن، يذهب الى الفرد الاسرائيلي من نهر الأردن أربعة أضعاف كمية المياه التي يحصل عليها الفرد الأردني. ويزداد الوضع سوءاً في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث يحصل المستوطن الاسرائيلي على سبعة أضعاف ما يحصل عليه الفرد الفلسطيني من المياه.
قبل شهور من القمة العربية عام 1964، أقامت اسرائيل محطة ضخ كبيرة على ضفاف بحيرة طبرية، وبدأت تسحب المياه بمعدل 440 مليون متر مكعب سنوياً، مما حرم الأردن من مورد كبير وقطع الامدادات عن البحر الميت، الذي جف نحو ثلثه بعد ثلاثين سنة من بدء الضخ، وتحول الى بحيرتين ضحلتين. وقد طرح مؤخراً مشروع اسرائيلي ـ أردني لجر مياه البحر الأحمر الى البحر الميت، لتعويض ما خسره من جهة، ولاستخدام المياه للتحلية من جهة أخرى، واستغلال فارق المستوى في الارتفاع لتوليد الطاقة. لكن المشروع سُحب من التداول لاعتراضات سياسية وبيئية.
وأدى التدخل العسكري الاسرائيلي في منتصف الستينات الى وقف أعمال تحويل روافد نهر الأردن في سورية والأردن ولبنان، التي كانت بدأت بهدف استغلال هذه البلدان لحقها في مياهها، بناء على مقررات القمة العربية. وقد صرح أرييل شارون لاحقاً ان "حرب 5 حزيران / يونيو 1967 بدأت بالفعل قبل سنتين ونصف، حين قررت اسرائيل منع تحويل روافد نهر الأردن". وكانت اسرائيل هددت بالحرب العام الماضي حين استغل لبنان جزءاً من حقوقه في مياه نهر الوزاني.
ويعتقد خبراء أن السيطرة على منابع المياه هي المشكلة الرئيسية في انسحاب اسرائيل من مرتفعات الجولان السورية المحتلة. وجاء في تقارير لوزارة الزراعة الاسرائيلية أن "لا حل سياسياً اذا كان لا يضمن لاسرائيل سيطرة كاملة ومستمرة على أنظمة المياه".
في ما عدا تركيا والعراق والسودان، ستعاني دول المنطقة شحّاً مائياً خطيراً خلال ربع قرن. وخارج الأطماع التوسعية وغطرسة الاحتلال، تبقى الادارة المتكاملة للموارد المائية الحل الذي لا مفر منه. هذا يعني تطوير المصادر المائية لزيادة الكمية الصالحة للاستعمال، الى جانب ترشيد استخدام الماء للحد من الهدر في التخزين والنقل والري والاستخدامات المنزلية والصناعية.
المطلوب كثير من العمل الجدي حتى لا تتبع حروب الماء الاقليمية حرب النفط العالمية.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
فريدريك دال - فيينا قنابل قذرة
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.